باكستان لا فرق بين النظام الجديد والقديم

لومـــــوند : عبد الباسط درويش
قبل البدء في ديباجة هذا المقال لابد من استحضار مقولة الكاتب الفرنسي جان باتيست ألفونس كار يوماً: «كلما تغيرت الأشياء بقيت على حالها»! تنطبق هذه المقولة على أحدث التغيرات السياسية في باكستان، إذ يشير تحالف أكثر من ستة أحزاب سياسية متباينة لتشكيل الحكومة الجديدة إلى عودة النظام القديم. باستثناء بعض الأسماء، تتألف هذه الحكومة من وجوه قديمة، فلا يزال الوضع على حاله وتُمعن الوراثة السياسية في ترسيخه اليوم، فلا يسهل على أي ائتلاف أن يحكم البلد، لكن من الأصعب أن يُحقق فريق جديد أهدافه في ظل اختلاف المصالح التي يحملها كل طرف، علماً أن عهد هذه الحكومة سيكون قصيراً مع اقتراب موعد الانتخابات العامة المقبلة. بانتظار الاستحقاق الانتخابي المرتقب، تحرص الأحزاب المتحالفة على عدم اتخاذ أي خطوة قد تؤثر على فرصها الانتخابية، ويزداد وضعها سوءاً لأن رئيس الوزراء المخلوع عمران خان يجذب حشوداً كبيرة من الناس إلى تجمعاته الانتخابية، فبعد انهيار العملية البرلمانية الديموقراطية، بات السلك القضائي يُستعمَل لإطلاق الأحكام السياسية، لكن يترافق تورّط المحاكم المتزايد في الشؤون السياسية مع مخاطر معينة، فلا مفر من أن يجرّ كل حُكم المؤسسة كلها إلى جدل سياسي متفاقم في ظل هذه البيئة المسيّسة بامتياز، ولا توافق الأحزاب السياسية إلا على الأحكام التي تصبّ في مصلحتها، ما يزيد الضغط على المحاكم. تُعتبر حملة عمران خان ضد كبار القضاة خير مثال على ذلك، وأدت سياساته المدمّرة إلى إضعاف العملية السياسية الديموقراطية، إنه وضع مقلق جداً بالنسبة إلى مؤسسات الدولة، وتتعلق الأزمة اليوم بالدولة ولا تقتصر على الفوضى السياسية، فنحن نشهد على انهيار حُكم القانون. تؤكد التطورات الأخيرة على سيطرة شخصيات محددة على الأحزاب السياسية التي تفتقر إلى الثقافة الديموقراطية الداخلية، وباستثناء بعض الحالات المعدودة، تبدو جميع الأحزاب السياسية أشبه بشركات عائلية، إنه جزء من أسباب ضعف العملية الديموقراطية في البلد، وتثبت تركيبة الحكومة الأخيرة إلى أي حد أصبحت الوراثة السياسية راسخة هناك. من الصادم أن تتابع عائلات قليلة فرض نفوذها السياسي في باكستان، إنه السبب الذي يفسّر عدم حصول أي تغيير جوهري في بنية السلطة المحلية، رغم التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها البلد في آخر سبعة عقود، فهذه الظروف هي جزء من أسباب استياء الجيل الأصغر سناً من سياسة القوة، فكان صعود عمران خان السياسي ينجم أيضاً عن تطلع الشباب إلى تغيير الوضع القائم، لكن سرعان ما تبيّن أن نزعته الاستبدادية والمتغطرسة كارثية بمعنى الكلمة، فأساءت ممارساته إلى الديموقراطية أكثر من الوراثة السياسية. في غضون ذلك، قد يواجه البلد انهياراً مالياً مريعاً، فقد أصبحت باكستان معرّضة لانهيار اقتصادي مشابه لما يحصل في سريلانكا، لذا من الضروري أن تتخذ الحكومة الجديدة تدابير عاجلة لوقف الانهيار، وحان الوقت للتخلي عن الشعبوية واتخاذ بعض القرارات الصارمة قبل فوات الأوان، لكن من الواضح أن الحكومة الجديدة لا تزال أسيرة خطاباتها. أعلن رئيس الوزراء، في أول خطاب له، رفع معاشات التقاعد الخاصة بالمسؤولين المدنيين والعسكريين المتقاعدين من دون انتظار إعداد الميزانية، حتى أنه رفض الاقتراح المرتبط بزيادة أسعار البترول الذي كان يحظى بدعم حكومي مفرط لأسباب سياسية، فيصعب أن نتوقع نجاح التركيبة الانتقالية الراهنة في تنفيذ إصلاحات بنيوية أساسية خلال فترة زمنية قصيرة، لكن تبرز الحاجة حتى الآن إلى خطوات معيّنة لتجديد استقرار الاقتصاد، ولا يمكن تأجيل هذه التدابير نظراً إلى فداحة الوضع، ولن تكون هذه المهمة سهلة على الحكومة الائتلافية بأي شكل، فقد بدأت الأحزاب تستعد للانتخابات منذ الآن، لكن يبقى مستقبل البلد أهم من ألاعيب السلطة.
باكستان لا فرق بين النظام الجديد والقديم lemonde.in 5 of 5
لومـــــوند : عبد الباسط درويش قبل البدء في ديباجة هذا المقال لابد من استحضار مقولة الكاتب الفرنسي جان باتيست ألفونس كار يوماً: «كلما تغيرت ...
انشر ايضا على

عبر عن رأيك