نظام الاستبداد المعمم في سوريا مقدماته ومراحله - 16

لومـــــوند: نبيل ملحم
السادس عشر: سيرورة تطييف وترييف الدولة والسلطة في سوريا:
لا بد في البداية من التأكيد وتنبيه القارئ على مسألتين ضروريتين لا بد من الإشارة إليهما في سياق تناولي لهذا العنوان:المسألة الأولى: تتعلق بالمنهجية التي سأتناول فيها قضية ترييف وتطييف الدولة والسلطة في سوريا، حيث أود التأكيد هنا على أني سأتناول هذه القضية لا من خلال منهج التناول المركب والمعقد الذي أشرت إليه سابقاًفحسب، بل من خلال الإشارة والانتباه إلى إضافة العنصر السيكولوجي (الجمعي) إلى ما هو سيسيولوجي اقتصادي وطبقي وسياسي وثقافي ...إلخ في هذا البحث.وثانياً: لا يمكن باعتقادي لأي باحث يسعى للكشف عن سيرورة الترييف والتطييف لكياني السلطة والدولة (مضافاً إلى ذلك ترييف المدن) في سوريا من دون معرفة الأطر والسياقات التاريخية التي تمت فيها هذه العملية المعقدة والمركبة، التي انتهت بعد حوالي خمسة عقود من الزمن بتحويل أبناء الطائفة العلوية في سوريا من أبناء ريف فقراء مهاجرين إلى المدن بحثاً عن العمل والرزق، إلى قوة احتلال داخلي لبعض المدن الرئيسية الكبرى في سوريا، وحيث كانت نقطة البداية في كل ذلك احتلالهم لكياني الدولة والسلطة، وحيث أن الدولة / السلطة هذه قامت بدورها باحتلال المجتمع السوري بأكمله بقيادة زمرة عسكرية عائلية طائفية. لقد تشكلت هذه السيرورة في سياق أربعة من الأطر التاريخية المتداخلة بعضها مع بعض،فالإطار التاريخي الأول: تشكل من خلال استغلال النظام الأسدي لحالة الحرمان التاريخي للطائفة العلوية من المدينة والتمدن، كون الطائفة العلوية تشكلت عبر التاريخ بوصفها أقلية طائفية ريفية معزولة متراصة، عاشت لقرون من الزمن كغيرها من الأقليات الريفية المتراصة معزولة جغرافياً وطبقياً عن المدن وبقية المجتمع السوري.والإطار التاريخي الثاني: تشكل من خلال استغلال النظام الأسدي الحاجات الاقتصادية للطائفة العلوية التي شكلت لها الوظيفة الحكومية المصدر الوحيد للرزق والترزقفي شروط اقتصاد خاص بنظم الاستبداد المعمم أطلقت عليه في هذا البحث اقتصاد الوظيفة الحكومية،فاقتصاد الوظيفة الحكومية شكل أهم الوسائل التي اعتمدها النظام في بناء صرح العصبية الطائفية العلوية التي بناها على مدار خمسة عقود من الزمن. أما الإطار الثالث الذي يمكن أن نسميه بالإطار السياسي: فقد تشكل في شروط نوع خاص من الصراع السياسي فرضه النظام الأسدي على المجتمع السوري، من خلال احتكاره للمجال العام السياسي واللعب على قضية الخوف التاريخي الذي تعيشه الطائفة العلوية، الأمر الذي وفر للنظام إمكانيةإعادة العلويين إلى دائرة الخوف على حد تعبير الباحث ليون –ت - غولد سميث،ولا سيما في مرحلة صراع النظام الأسدي مع الإخوان المسلمين أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي.أما الإطار الرابعفيمكن تسميته بالإطار الطبقي: وهو الإطار الذي تشكل في شروط نوع خاص من الاقتصاد السياسي الخاص بنوع كهذا من النظم، وفي ظل شروط خاصة من ولادة وتشكل الطبقات الاجتماعية، وهو الأمر الذي سأتناوله في بحث مستقل في المستقبل.في البداية سأتناول الإطار الأول والثاني وسوف أترك الإطار الثالث والرابع لبحث مستقل، مع الانتباه إلى أني سأتناولبعد ذلك في بحث مستقل ما يمكن تسميته بالجزء الأول من الإطار السياسي الذي أسميهبالإطار السياسي الانتقالي التأسيسي الواقع بين عامي 1963- 1970 تاركاً الجزء الأساسي من تناول الإطار السياسي إلى بحث آخر مستقل، حيث سيشكل صراع النظام مع الإخوان المسلمين شقه الأول وصراع النظام مع الشعب السوري وقواه السياسية بشكل عام شقه الثانية. من جهة أخرى سأتناول في هذا البحث ما يمكن تسميته بالإطار التاريخي الديمغرافي أو لنقل:ظاهرة ترييف المدن السورية كونها ظاهرة مرتبطة بشكل عضوي بظاهرة وسيرورة ترييف وتطييف الدولة والسلطة من جهة، وكونها من جهة ثانية ظاهرة عرفتها كل نظم الاستبداد المعمم العربية ذات الأصول البرجوازية الصغيرة القومية التي قطعت صيرورة التطور الطبيعي للمجتمع واستعاضت عنها بمسار جديد قائم على اقتصاد الوظيفة الحكومية.إن أهم ما سيأتي في هذا البحث هو تبيان الأسس الطبقية والأسس غير الطبقية التي بنيت على أساسها الدولة والسلطة الأسدية في سوريا، وكذلك تبيان كيف أن العلويين الريفيين أساساً الذين هاجروا إلى المدن السورية في البداية طلباً للرزق والعيش، تحولوا رويداً رويداً بعد أن تم استثمار هذه الهجرة من جهة، وتشجيعها وتوظيفها من جهة ثانية، إلى محتلين للدولة والسلطة والمجتمع. أيأن أهم ما سيأتي في هذا البحث هو تبيان الشروط الموضوعية والذاتية والتاريخية التي تمت فيها عملية اندماج أبناء الطائفة العلوية في كياني الدولة والسلطة، والتي قادت في النهاية إلى تطييف وترييف الدولة والسلطة السياسية في سوريا على مدار نصف قرن من الزمن الممتد من 8 آذار 1963 تاريخ وصول البعث إلى السلطة وصولاً إلى منتصف آذار 2011 وهو التاريخ الذي بدأ فيه النظام الأسدي بتدمير المجتمع السوري حجراً وبشراً في سياق المواجهة البربرية التي اعتمدها النظام في مواجهة الثورة السورية.إن ظاهرة ترييف وتطييف الدولة والسلطة لا يمكن لها - كما يظن البعض - أن تتحقق فقط لمجرد توفر الرغبة والإرادة لسلطة سياسية طائفية محددة، فهي وكأي ظاهرة اجتماعية سياسية لا يمكن لها أن تنغرس في أرض الواقع وتتحقق بشكل ملموس ومحسوس في التاريخ من دون توفر مجموعة من الشروط الموضوعية التي يبني عليها العامل الذاتي -إن كان فرداً مفرداً أو مجموعة أو زمرة سياسية مدنية أو عسكرية أو حتى حزب سياسي - إرادته ومشروعه السياسي الطائفي أو الطبقي أو الاثنين معاً.إن معرفة الشروط الموضوعية التي ساهمت وساعدت في تشكل هذه الظاهرة مهم جداً لا من أجل الوصول إلى الحقيقة فحسب،بل من أجل تجنب إعادة تشكلها مرة أخرى في الواقع من جهة أولى،ولأن ذلك ضرورياًلدواع أخرى من جهة ثانية،فحسب الفيلسوف برتراند رسل " في غمار فوضى العصبيات المتصارعة، يظل الالتزام بالحقيقة العلمية أحد قوى التوحيد والتآلف القليلة، وأقصد بذلك أن نعتاد على ترسيخ آرائنا ومعتقداتنا بالاستناد إلى الملاحظات والاستنتاجات المحايدة والمجردة عن التحيز للأمور المحلية والمزاجية بقدر ما هو ممكن للبشر ... ولكي نتوصل إلى تقليل التعصب وزيادة القدرة على التعاطف والتفاهم المتبادل، يجب أن تمتد هذه العادة في تحري الحقيقة والصواب من ممارستها في منهج الفلسفة على جوانب النشاط البشري "(1). وإذا أردنا أن نضيف على ما قاله الفيلسوف برتراند رسل بشكل ملخص وبلغة يفهمها ويعرفها عامة البشر أقول: علينا تذكر المثل الشعبي القائل "عندما يعرف السبب يبطل العجب".من المؤكد أن معرفة وتفسير أسباب نشوء أي ظاهرة داخل المجتمع لا يبررها، ولكن معرفة الأسباب ضروري لوضعها في سياقها الصحيح،فأهم ما أنجزه العلم والعلوم بكل الاختصاصات منذ أن بدأ العقل البشري بمغامرته الأولى لتفسير ما يحيط به من الظواهرالطبيعية والاجتماعية، لم يكن سوى وضع هذه الظواهر في سياقها الصحيح والابتعاد عن الخرافة والتفسير الخرافي، وفي موضوعنا هذا فإن وضع ظاهرة ترييف وتطييف الدولة والسلطة في سوريا ليس سوى محاولة لوضع هذه الظاهرة في سياقها التاريخي الصحيح بعيداً عن الخرافات والاتهامات والتفاسير الطائفية والمذهبية والدينية التي تعزي أصل نوع كهذا من الظواهر إلى أسباب لا علاقة لها بالعلم والعقل والتاريخ الحقيقي للبشر.لقد بنى النظام الأسدي مشروعه السياسي الطائفي الطبقي على مجموعة من الشروط التاريخية منها القديمة المعطاة من التاريخ الوسيط،ومنها ما قام بصياغتها وتشكيلها النظام ذاته عن وعي وسابق إصرار وتصميم. فما هي الشروط القديمة التي استغلها النظام؟؟؟ وما هي الشروط الجديدة التي خلقها وصاغها النظام كي ينجح مشروعه؟؟؟وهنا نجد، أولاً: استغلال الإطار التاريخي القديم:أقصد هنا استغلال النظام الأسدي للجوع التاريخي للمدينة والتمدن عند العلويين،ولا يمكن باعتقادي فهم وتفسير الجوع التاريخي عند العلويين للمدينة والتمدن، وكيف استغل النظام الأسدي هذا الجوع، دون معرفة الخلفية التاريخية والإطار الأول القديم لعلاقة المدينة بالريف في الواقع العربي بشكل عام من جهة،ومعرفة تميز هذه العلاقة في علاقة المدينة بالريف العلوي في سوريا من جهة ثانية.بشكل عام يمكن القول كما أشرت سابقاً في هذا البحث بأنه: " إذا كان التاريخ البورجوازي الأوروبي جهداً متواصلاً لتمدين الريف وتصنيع المدينة،فتاريخ البورجوازية العربية جهد متواصل لبدونة الريف وترييف المدينة: بدونة الريف بإفقاره الوحشي، وسيلة وغاية، بحيث يضطر بعض سكانه للهجرة إلى المدن ليتحول إلى بروليتاريا رثّة يقض لصوصها مضاجع التجار والأغنياء، ويضطر الباقون إما إلى الاعتصام بالمناطق الجبلية الجدباء أو للتحول مجدداً إلى قبائل رحّل تعتاش من نهب قوافل التجار وفرض الجزية على الفلاحين، وإما إلى ترك معظم أراضيهم بوراً وزرع ما يبقيهم على قيد البقاء البائس وحسب. وليس عجيباً إذن أن تخرب القرية: فولاية طرابلس التي كانت في مطلع القرن السادس عشر تضم 3000 قرية انحطت في القرن الثامن عشر إلى 400، وحلب التي ضمت 3200 قرية لم يبق منها في القرن الثامن عشر إلا 400، وانخفض مردود الزراعة السقوية في مصر العثمانية بنسبة 70 % عما كانت عليه في العهد المملوكي المقيت، مثلما بدونت الريف ريّفت المدينة لا عبر إعادة التوظيف في الأرض وحسب، بل أيضاً عبر إرغام التاجر، الذي يلاحقه شبح المصادرة حيثما يتلفّت، على التوظيف في الأرض بدلاً من المانيفاتورة والمصارف لسهولة مصادرتها. وبذلك ركدت قوى وعلاقات الإنتاج وأعاقت بالتالي تعاقب الطبقات على السلطة مما جعل المدينة العربية دائمة الحضور لكن قاعدتها الاقتصادية الدائمة كانت الملكية العقارية لا الحضرية "(2).لم تقتصر خصائص التطور في الواقع العربي على صفة ترييف المدن وبدونة الأرياف بل كانت هناك خاصية أخرى عرفتها بعض الساحات العربية المشرقية، خاصية أن بعض الجماعات البشرية التي كانت تنتمي لطائفة دينية معينة لم تعرف المدينة وحياة المدينة حتى وقت قريب من التاريخ الحديث، لأسباب لها علاقة بخصائص الصراع الطبقي والسياسي والديني الذي ساد في الواقع العربي طيلة قرون العصر الوسيط وما تلاه، فتاريخياً اقتصر السكن في المدن العربية المشرقية على المسلمين السنة ومعهم المسيحيون - مع أقلية يهودية في بعض المدن- وهو ما أطلق عليه " جاك فولريس" نموذج المدينة العربية المشرقية "(3). وحيث أن الانتقال في العيش بين المدينة والريف كان ممكناً لهؤلاء حسب شروط الحياة الاقتصادية، في حين لم تعرف بعض الطوائف الدينية تاريخياً سوى العيش في الريف حتى وقت قريب من العصر الحديث، منذ أن استقرت وتشكلت في منطقة جغرافية محددة كأقليات " مدمجة أو متراصة "(4). وقد استمر هذا الوضع لزمن طويل حتى فتحت أبواب المدن أمام الجميع مع انهيار آخر دول الخلافة الإسلامية في الربيع الأول من القرن العشرين،وبدء تشكل الهويات والدول الوطنية الحديثة في الواقع العربي، فهنا بدأت تتشكل حسب رؤية " إيرا لا بيدوس" المدينة العربية المشرقية التي " يخترقها المجتمع الكلي بتياراته الطائفية والقبلية والاقتصادية "(5). فحتى الربع الأول من القرن العشرين نجد في المنطقة الجغرافية التي شكل فيها العلويون أغلبية سكانية، بأن سكان المدن فيها كمدينة اللاذقية التي شكلت عاصمة الدولة العلوية زمن الانتداب الفرنسي ومعها مدينة طرطوس وجبلة وبانياس كان يتألف فقط من المسلمين السنة ومعهم المسيحيون. إن هذا الواقع قاد تاريخياً في بعض الساحات-مثلالساحة السورية -إلى تشكل ما يمكن تسميته بالطوائف والجماعات البشرية الريفية البحتة كالعلويين والإسماعيليين والدروز، ومن المؤكد أن هذه الطوائف التي عاشت وانعزلت في الريف لعدة قرون من الزمن بشكل متواصل تشكل في لا وعيها الجمعي وذمة وعقدة – عقدة الدونية الحضارية - تجاه المدينة والتمدن وأبناء المدن، فإذا كانت المدينة التي تتركز فيها السلطة وقوة الدولة تشكل لكل أبناء الريف السوري والعربي عموماً رمزاً للاضطهاد الطبقي، فإن المدينة بالنسبة لهذه الطوائف الريفية كانت تشكل رمزاً للاضطهاد الطبقي والديني والحضاري معاً. وعموماً لم يكن للأقليات ما عدا الأقلية المسيحية دوراً يذكر في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سورية - طيلة القرون الوسطى وما تلاها من قرون وصولاً للقرن العشرين وتكون الدولة الوطنية الحديثة بعد الاستقلال الوطني - حتى أن بعضها عانى من الاضطهاد والتهميش بسبب معتقداتها الدينية والمذهبية، خاصة الأقلية العلوية "(6). يقول ستيفان وينتر في كتابه تاريخ العلويين من حلب القرون الوسطى إلى الجمهورية التركية، لقد:" أثبتت حلب أنها بيئة شديدة الخصوبة لتمدد الدعوة النصيرية في أواخر القرن العاشر. منذ عام 957 شكلت المدينة وقراها إمارة شبه مستقلة ذاتياً على يد الحمدانيين، وهي سلالة قبلية عربية مقرّها أرض الرافدين تولت ولاية الموصل. اعتمد الحمدانيون، كحال البويهيين، على القوة العسكرية لدعم الخلافة العباسية على الرغم من إظهارهم ميولاً شيعية أو (كونهم شيعة بشكل من الأشكال). اشتهر الحمدانيون بداية عبر قتالهم للخوارج إضافة إلى القرامطة، وهي فرقة إسماعيلية راديكالية منشقة مثلت أعظم تهديد مباشر للخلفاء السنة؛ أما الخصيبي (الحسين بن حمدان الخصيبي وهو واحد من كبار علماء ومؤسسي المذهب العلوي) فقد أمل على الأرجح في إطار سعيه للحصول على تأييد الحمدانيين أن يتبنى هؤلاء النصيرية لتكون هويتهم الشيعية الرسمية. لا شك في أن بلاط سيف الدولة الحمداني (المتوفي 967م) كان الأكثر تألقاً في زمانه حيث جمع شعراء وفلاسفة من أنحاء العالم الإسلامي، وأشهرهم أبو الطيب المتنبي، وهنا تحديداً أتم الخصيبي أعماله اللاهوتية التي ستحدد معالم التراث النصي الديني النصيري الرسمي. تبعاً للمسح الذي أجراه موجان مومِن moojan momen)) لمصادر التراجم الشيعية، كانت حلب واحداً من المواقع البارزة لنشوء علماء الإمامية بين القرنين العاشر والحادي عشر (متجاوزة بغداد في هذا الباب خلال القرن الثاني عشر، ومحتلة المرتبة الثالثة بعد الحلّة وجبل عامل حتى عصر متأخر مثل القرن الرابع عشر)، ومن المرجح أن العلويين واصلوا ازدهارهم فيها بوصفهم نخبة صوفية من الإمامية. توفي الخصيبي في عام 957 أو 969. أما ضريحه، الذي يقع خارج حلب إلى الجهة الشمالية، فعلى الرغم من أنه يُعرف غالباً اليوم بأنه مقام لشيخ مسلم من الحقبة العثمانية، فقد بقي محط تبجيل العلويين حتى العصر الحديث. ليس ثمة دليل قطعي على أن السلالة الحمدانية قد تبنّت النصيرية، غير أن الخصيبي وخليفته بن علي الجيلي (المتوفي 1009م) تمكنا انطلاقاً من قاعدتهما حلب نشر الدعوة على امتداد الشرق الأوسط. اعتمد برونو باولي (Bruno paoli)وهو أول مؤرخ درس كتاب خير الصنيعة ببعض التفصيل في القرن العاشر، وليبيّن أنه تشعبت بدرجة تفوق كثيراً ما كان يُفترض عادةً. حافظت الجماعة على اتصالها بفروعها في بغداد وحرّان، لكنها تمكنت فوق ذلك ضم أتباع جدد أو تأسيس خلايا تابعة لها في القاهرة، القدس، الخليل، نابلس، عسقلان، غزة، عينتاب، الرقة، ديار بكر، ماردين، تكريت، الحبة، عانة، الحلّة، النجف وأبعد من ذلك وصولاً إلى إيران واليمن. بعيداً عن قصرها على الجماعات الهامشية أو الريفية، اكتسبت النصيرية عدداً معتبراً من الأتباع بين طبقات الحرفيين الحضرية، ويعد الدعاة النصيريون مسؤولين أيضاً عن تحويل العديد من المسيحيين واليهود إلى الإسلام. والأهم من ذلك، يوحي كتاب خير الصنيعة بأن هؤلاء الدعاة تمكنوا تجنيد عدد من الأتباع السريين في أوساط النخبة السياسية حينذاك، وربّما حتى داخل البيت الحمداني، والبويهي، والفاطمي. قد لا تكون النصيرية بارزة للعيان مثل بعض الشيعة الإمامية والإسماعيلية الأكثر رسوخاً سياسياً، إلا أنه من المحتمل أنها شكّلت في مرحلة ما واحدةً من الفرق الأساسية أو الأكثر تأثيراً في الإسلام بأجمعه "(7). يقول دانييل لوغال في كتابه سورية في عهدة الجنرال الأسد:لقد انعزل العلويون في سوريا في جبالهم لمدة سبعة قرون من الزمن، فبعد انهيار الدولة الحمدانية في حلب بداية القرن الحادي عشر ميلادي، ومع مجيء العصر الأيوبي وبعده العصر المملوكي " أصاب الأقليات في الإسلام بضربة مميتة، بخاصة العلويين والإسماعيليين. وفي النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي، اجتاحت قوات السلطان المملوكي بيبرس أراضي العلويين – وكانت الغاية بالنسبة له تبرر كل الوسائل – واستولوا على قصورهم وحاولوا إعادة أسلمتهم بالقوة حيث بنوا المساجد في كل مكان. ومنعوهم من الدعوة لهاتين الطائفتين. ولتتويج كل ذلك أعلن ابن تيمية أحد أكبر المفكرين في بداية القرن الرابع عشر الميلادي، وفي منطقة العلويين حكماً – قطعياً- بإدانتهم، لا يزال يرجع إليه تطوعاً حتى اليوم الإخوان المسلمون، إذ كتب الجهاد شرعي ومقبول عند الله ضد الباطنيين فهم أكثر شركاً من النصارى واليهود، بل أكثر شركاً من الوثنيين،ولقد كانوا أكثر ضراراً بدين محمد (ص) من المشركين المحاربين من الفرنجة "(8). وحتى عندما " حصل تجديد ضخم في المنطقة بدءاً بعام 1535 بعد التوقيع على نظام الامتيازات- في العصر العثماني- الذي سمح للدول الأوروبية الكبيرة، وأولها فرنسا، بالتجارة مع الشرق الأدنى- سورية... وبخاصة حلب والمدن الساحلية، (...) وبينما أقام الأتراك واليونان والعائلات الكبيرة المسلمة والمسيحية في هذه المدن الكبيرة وجمعوا كلهم الثروات أو على الأقل اجتهدوا ببساطة لتحسين حياتهم اليومية، بقي الشعب العلوي غريباً تماماً عن هذا النظام الجديد الذي حلّ. ثابتون في السهول على أراضي لا يملكونها، أو معزولون في الجبال، يعيش العلويين البؤس، ويعاني فلاحو السهول بخاصة حياة قاسية لأنه من المستحيل عليهم الهروب من رقابة رجال الباشا. وبالمقابل توصل أبناء الجبال، مثل موارنة لبنان، إلى الاحتفاظ بحكم ذاتي شبه كامل "(9).يلخص الباحث ليون – ت – غولدسميث الشروط التاريخية التي عاشتها الطائفة العلوية طيلة القرون الوسطى وما تلاها في كتابه دائرة الخوف – العلويون السوريون - في - الحرب - والسلام فيقول: " خلال فترة عشرة قرون من الزمان ... من القرن التاسع تحت الحكم العباسي في العراق حتى بداية انهيار الإمبراطورية العثمانية في سورية حوالي 1830 انتقل العلويون من طائفة دينية عاشت في مدن العراق - في مدينة البصرة جنوب العراق، موطن الدعوة والولادة، ثم الموصل شمال العراق مروراً ببغداد وصولاً إلى مدينة حلب شمال سوريا زمن الدولة الحمدانية – إلى طائفة مجتمع قبلي منعزل في الجبال في سوريا. هناك عوامل أخرى هامة في تطور العلويين السياسي، وهي تحولهم من أقلية منتشرة في المجتمع إلى أقلية متراصة – عاشت معزولة في الجبال لمدة سبعة قرون متواصلة – وكذلك الفرص الاقتصادية الضيقة والمحدودة بسبب عيشهم في مناطق جبلية فقيرة نائية، والعوامل الاجتماعية الأخرى مثل التمييز القانوني والديني ضدهم "(10). إن من يدقق في هذا التكثيف لواقع العلويين القديم يستطيع بسهولة أن يدرك كيف قام النظام الأسدي باستثمار هذا التاريخ لتوجيه مسيرة وسلوك وحاجة العلويين على مدار خمسة عقود من زمن السلطة الأسدية؟؟؟ وهو السلوك الذي سأقوم بتبيانه في هذا البحث بالتفصيل، وحيث يأتي في مقدمة هذا السلوك والمسار والمسيرة:أولاً: سعي العلويين للانتقال من حالة الانعزال في الجبال إلى حالة العيش في ظل أضواء المدينة.ثانياً: سعي العلويين للانتقال من حالة الأقلية المتراصة التي تعيش في منطقة جغرافية محددة ومعزولة إلى حالة الأقلية المنتشرة في كل مكان بشري من الجغرافيا السورية، حيث سنجد أن الطريق والوسيلة الأنسب لهذا الانتشار سيكون عبر الاندماج بكياني الدولةوالسلطة اللذين يتميزان بصفة العمومية – ولو من الناحية الشكلية - والانتشار والامتداد في الكتل البشرية والمساحات الجغرافية للوطن السوري.ثالثاً: الانتقال من حالة الفرص الاقتصادية الضيقة المحدودة بسبب عيشهم في مناطق جبلية فقيرة نائية وعرة إلى حالة السعي للاندماج مع كيان الدولة بوصفه ملاذاًوحيداً في شروط اقتصاد الوظيفة الحكومية، أي بوصفه موطناًللوظيفة وتأمين الرزق والترزق الاقتصادي.رابعاً: السعي للخلاص من عقدة التمييز الديني والقانوني من خلال الاحتماء بالإيديولوجيا والدولة القومية في البداية، يقول حنا بطاطو في كتابه فلاحو سوريا: " ولم تكن هذه الصبغة الريفية الواضحة لقاعدة الحزب – المقصود حزب البعث العربي الاشتراكي – نتيجة حسابات من جانب قيادته، بل تطورت بطريقة طبيعية، لأن رسالة الحزب وجدت استجابة أكبر بين الطلاب القادمين من القرى والبلدات الريفية أكثر مما وجدت بين أولئك القادمين من المدن، ولا سيما بين أبناء الفلاحين الدروز والإسماعيليين والعلويين والمسيحيين الأرثوذكس الميسورين نسبياً. ومن وجهة نظر هؤلاء الطلاب، بوصفهم أبناء أقليات أو منحدرين من طبقة عانت طويلاً الإهمال والاضطهاد، كان البعث، بوقوفه ضد الظلم الاجتماعي وانتقاد التمييز بين الطوائف وتركيزه على العروبة بدلاً من الدين، بمنزلة قطيعة نوعية مع الأحوال التي كانت تعيشها طوائفهم وصعوداً إلى حياة يكونون فيها على قدم المساواة مع جميع المواطنين الآخرين"(11). ثم بعد ذلك ومع وصول حزب البعث العربي الاشتراكي إلى سدة السلطة في 8 آذار 1963 ونتيجة الشروط السياسية والاقتصادية التي فرضتها السلطة والدولة الأسدية بدءاً من 16 تشرين الثاني 1970، وهي الشروط التيسأذكرها وأشرحها في السطور القادمة من هذا البحث،كان أولاً: الاندماج مع كيان الدولة الأسدية نتيجة حاجاتهم الاقتصادية. ثم كان ثانياً: الاحتماء بالسلطة السياسية الأسدية فيما بعد نتيجة شروط الصراع السياسي الذي فرضه الأسد على المجتمع السوري. فالسلطة الأسدية شكلتلهم من جهة ملاذاً يقضي على خوفهم التاريخي من الآخر أو لنقل: ملاذاًاعتقدوا واهمين أنه سيخرجهم من دائرة خوفهم التاريخي القديم. أقول: اعتقدوا واهمين لأن السلطة الأسدية شكلت لهم من جهة ثانية عقدة ثانية من الخوف، تختلف عن عقدة الخوف القديمة التاريخية، هي عقدة الخوف من ضياع السلطة من يدهم بعد أن التقطوها لأول مرة في التاريخ بعد ضياعها لمدة عشرة قرون من الزمن بعد سقوط الدولةالحمدانية في حلب،فعقدة الخوف هذه أصبحت تدفعهم شيئاً فشيئاً إلى الاستكلاب في التمسك في عظمة السلطة الأسدية إلى الأبد. لهذا أصبحت شيئاً فشيئاًأغلبية الطائفة العلوية تفسر أي صراع سياسي على السلطة الأسدية على أنه صراع يهدف إلى قلب النظام العلوي واستبداله بنظام سني معادلهم، وهو الأمر الذي أصبح يتماشى ويتوافقموضوعياً وذاتياً مع الشعار الأسدي الداعي للبقاء في السلطة إلى الأبد.لقد قاد هذا الحرمان والجوع التاريخي للمدينة والتمدن عند العلويين إضافة إلى أسباب أخرى أساسية وجوهرية وحاسمة وذات طبيعة اقتصادية وسياسية سأذكرها في سياق هذا البحثإلى بروزعدد من الظواهر التي عرفها المجتمع السوري بدءاً من خمسينيات القرن الماضي، وهي ظواهر ازدادت وضوحاً في ظل الحكم البعثي عموماً، ثم ازدادت وضوحاً وشمولاً في ظل النظام الأسدي خصوصاً، ظواهر من المهم رؤيتها ومعرفة دلالتها وخلفيتها:الظاهرة الأولى: كانت هجرة العلويين بكثافة إلى المدن ولا سيما العاصمة دمشق،وقد بدأتموجات الهجرة بدءاً من أوائل العشرينيات من القرن العشرين مع بدء تشكل الدولة الوطنية، ولكن الموجات الكبرى لم تبدأ إلا بعد قيام النظام البعثي بشكل عام والنظام الأسدي بشكل خاص، فالموجات الكبرى كانت بعد قيام النظام الأسدي 1970، والسكن في أحزمة الفقر المحيطة بالعاصمة وبقية المدن السورية، في أحياء لا يتوفر فيها الحد الأدنى من شروط تنظيم الأبنية والشوارع والساحات والحدائق والوجائب في البلدات والمدن، كما لا يتوفر فيها الحد الأدنى من مستوى الشروط الصحية والجمالية والعمرانية التي تتوفر عادة في أحياء المدن، فباستثناء ضوء المصباح الكهربائي الذي أنار بيوتهم الجديدة وخلو هذه البيوت من الحيوانات الداجنة التي كانت تعيش معهم في بيوتهم القديمة، لم يكن هناك أي جديد في هذه الأحياء يختلف كثيراً عن شروط ومستوى بيوت قراهم التي غادروها،وفي أحسن الأحوال في شروط مماثلة لشروط بيوتهم وقراهم وبلداتهم،مع فارق أن جمال الطبيعة في الجبال الساحلية المحيطة ببيوتهم وبلداتهم القديمة الريفية كانت هي أفضل بما لا يقاس مع طبيعة الجبال الجرداء التي تحيط بمنازلهم في الأحياء العشوائية الطرفية التي تطوق العاصمة دمشق.الظاهرة الثانية: كانت انغماس وغرق وهوس المهاجرين العلويين في مظاهر الحداثة إلى حد سبقوا فيه بعض البيئات المسيحية - السباقة تاريخياً إلى الحداثة - في تبني بعض مظاهر الحداثة، مستفيدين مما تيسر لهم - رغم قلته- من امتيازات السلطة. فكون الشروط التي عاشوها في هذه الأحياء التعيسة البعيدة عن مركز المدينة والتمدن وفي شروط نابذة للانصهار المجتمعي من جهة، ولا تؤمن المجال للدخول في دورة الحياة الاقتصادية الأساسية للمدينة من جهة ثانية، فلا الشروط العامة السياسية مناسبة لتحقيق انصهار مجتمعي طبيعي وتلقائي ولا الطبيعة العسكرية التي شكلت نواة لهذه الأحياء تسمح لهم بالاندماج مع مجتمع المدينة الأصلي، ولا طبيعة أعمالهم الوظيفية الاقتصادية داخل دورة حياة اقتصاد الدولة يسمح بذلك.لهذا كان صعباً عليهم الحصول على التمدن المطلوب والمرجوأو لنقل: كان صعباً عليهم حل عقدة التمدن، ولأن التحضر والتمدن يحتاجان إلى درجة عالية من تنظيم الوجود الاقتصادي والعمراني والبشري ويحتاج كي يتم اكتسابه من قبل أي جماعة بشرية أو مجتمع إلى المرور بدورة حياة طويلة وعضوية داخل نمط من العلاقات الاقتصادية والثقافية والأخلاقية والإنسانية يوفره في العادة وبشكل طبيعي اقتصاد السوق والإنتاج والتبادل في المدن، ولأنه لم يكن لاقتصاد وثقافة وأخلاق وقيم دولة الاستبداد المعمم الأسدية أن توفرها لكل من دخل إليها وغاص في أعماقها النتنة والفاسدة والمفسدة لكل أوجه الحياة والثقافة والأخلاق والقيم، أقول: لهذا استعاضوا عن التمدنالمستحيل ببعض مظاهر الحداثة التي يمكن الحصول عليها واكتساب بعض قشورها بسرعة وهي المظاهر التي تركزت على الحداثة في اللباس وبعض طرائق وأنماط الحياة والعلاقات الاجتماعية،ورغم شمول هذه الحداثة قضايامن مثل الاهتمام بتعليم المرأة ودفعها إلى سوق العمل ورفع سن الزواج وتحديد النسل إلا أن هذه الحداثة ظلت سطحية ولم تطلوتلامس المستوى الفكري العميق لمعنى الحداثة من جهة، وظلت من جهة ثانية غير متناسقة مع الأحياء البائسة ذات الطابع الشعبي التي يسكنون فيها. ولكن هذه الحداثة ورغم سطحيتها ورغم قشرتها الرقيقة إلا أنها كانت بالمقارنة مع بيئات أخرى تم تهميش مواقعها داخل المجتمع وداخل أجهزة الدولة والسلطة من جهة أولى، وحوصرت وتمت عملية مراقبتها واستفزازها من جهة ثانية، واشتغلت من جهة ثالثة عدة أطراف منها داخلية - بما فيها النظام –وأخرى خارجية على إغراقها بالدين والتدين ومظاهر التدين الوهابي البدوي الوافد من بعض البيئات الخليجية. أقول: إن ذلك أعاد إنتاج ثنائية بيئات تبدو من الخارج حداثية وأخرى تبدو من الخارج محافظة. إن المفارقة في هذه الثنائية لم تكن في عملية التحول المعكوس في نظرة السوريين القديمة إلى بعضهم البعض – وهي بالمناسبة نظرة تافهة ذات محتوى تعييري واستعلائي وتحقيري - بل في نظرة هؤلاء محدثي الحداثة إلى بقية السوريين، فما أن غادروا قراهم وبيوتهم القديمة وخلعوا سراويلهم القديمة وأصبحوا من أهل الدولة والسلطة حتى ظنوا أنفسهم أنهم امتلكوا المدنية والتمدن المفقود، وأصبحوا ينظرون إلى بعض البيئات السورية نظرة الاستعلاء- ولا سيما إلى بعض البيئات السنية التي تم إغراقها في التدين ومظاهر التدين-نظرة دونية محمولة على شحنة سلطوية استعلائية من جهة، ومحمية بسيف سلطوي قوي من جهة أخرى، وحيث أن هذه النظرة شكلت الأساس لا لمعاداة الدين والتدين الإسلامي السني عند هؤلاء فحسب، بل للتبرؤ الحضاري من الحضارة الإسلامية برمتها والعودة والارتداد إلى جذور حضارية ما قبل إسلامية، ولا سيما أن ذاكرتهم الجمعية لا تحتفظ من الحضارة الإسلامية إلا بما حملته أكتاف ذاكرتهم من مظلومية لم تنس، وظلت جاهزة للاستيقاظ في بطن التاريخ عندما يريد أي طرف استغلالها ومساعدتها على الاستيقاظ كي تأخذ بثأرها،وحيث أن التدين ومظاهر التدين في بعض البيئات السنية لا يذكرهم بمظلوميتهم ويساعد في إيقاظها فحسب، بل يعيدهم إلى دائرة الخوف وإعادة تشكيل عصبيتهم الطائفية كما يقول ليون – ت – غولدسميث. وحيث أن كل ذلك شكل شرخاً عمودياً داخل المجتمع، وحيث أن هذا الشرخ شكل البيئة الملائمة لتصدع وسقوط جدران المجتمع بعضها على بعض،عندما أصبح هذا السقوط مفيداً أو حلاً لأي أزمة يواجهها النظام مع المجتمع. لقد عمل النظام الأسدي إلى دحرجة قطبي هذه الثنائية بكلتا يديه في اتجاهين متعاكسين مباعداً بينهما قدر المستطاع، بانتظار أن تأتي لحظة سياسية مناسبة ومفيدة له كي يقوم بدحرجة قطبي هذه الثنائية باتجاهين متقابلين متصادمين متحاربين في صراع لا يستفيد منه سوى رأس النظام وقلة قليلة متحلقة حوله.الظاهرة الثالثة: كانت إعادة انتاج الوذمة الناتجة عن الحرمان من المدينة والتمدن وإنتاج صراع الريف مع المدينة،ولكن هذه المرة من خلال إنتاج ثنائية أحياء سكنية غنية منظمة أنيقة نظيفة مقابل أحياء سكنية فقيرة عشوائية غير أنيقة وغير نظيفة. لقد استبدلت نظرة ولوعة الحرمان من أضواء المدينة والتمدن التي كان يراها سابقاًمن بعيد من كان يعيش محبوساً في الجبال والأحراش الساحلية بنظرة حرمان ولوعة جديدة،عندما ينظر المهاجر العلوي إلى أنوار أحياء دمشق الراقية من بعيد وهو يسكن في الأحياء العشوائية الواقعة على سفوح الجبال المحيطة بالعاصمة دمشق،لقد كان يعلم النظام أكثر من غيره أن إنتاج هذه الثنائية كان يعني إبقاء الجمر تحت الرماد والأصبع على الزناد في قضية الصراع بين الريف مع المدينة مع كل ما يحمله هذا الصراع من شحنة طائفية خاصة،كان يعلم النظام مكان وزمان استخدامها عندما تقتضي مصلحته ذلك. لقد كان يعلم النظام أن هؤلاء الذين يسكنون في محيط العاصمة في الأحياء العشوائية الفقيرة ويعيشون من جديد حالة الحرمان من المدينة والتمدن يمكنه استخدامهم كقوة احتلال سياسي أو عسكري للعاصمة أو أي مدينة يسكنونها عندما تقتضي مصلحة النظام ذلك.
ثانياً: الإطار التاريخي الحديثواستغلال الوظيفة الحكومية كمصدر وحيد للرزق والترزق لأبناء الطائفة العلوية:فلا يخلو بحث أو كتاب سياسي عرف طريقه في السنوات القليلة الماضية إلى النشر وتناول سيرورة الصراع على السلطة البعثية في سوريا إلا وكانت فيه شهادة سامي الجنديالبعثي العتيق والمؤسس والناطق باسممجلس قيادة الثورة البعثية ووزير الثقافة والإرشاد القومي في حكومة صلاح الدين البيطار الأولى بعد انقلاب 8 آذار 1963 ثم بعد ذلك وزيراً للإعلام. تقول شهادته التي جاءت في كتابهالذي حمل عنوان "البعث" عن هجرة أبناء الريف إلى المدينة في السنوات الأولى من حكم السلطة البعثية: " كان مقياس نجاح الوزير قوائم التسريحات، فالحزبيون وأقرباؤهم وبنو عشائرهم يطالبون بحقوق النضال والقربى. بدأت قوافل القرويين تترك القرى من السهول والجبال إلى دمشق؛ وطغت القاف المُقلقلة على شوارعها ومقاهيها وغرف الانتظار في الوزارات، فكان التسريح لزاماً من أجل التعيين وحصرهما في مجلس الوزراء وإلا أخذ الوزراء حريتهم دون النظر لمصلحة الدولة والميزانية."(12). وهنا أرى أهمية بالغة للتعقيب على هذا القول: فبالرغم من صدق هذا القول ووضوح دلالاته السياسية لا بد من الإشارة إلى أن أغلب الشهادات التي ساقها الكثير من قادة البعث التاريخيين حول تلك المرحلة وبالرغم من صحة بعضها إلا أنها بالعموم تتصف بالسطحية السياسية والمعرفية من جهة أولى،ويغلب عليها طابع النميمة السياسية أكثر من التحليل من جهة ثانية، وتسعى لتبرئة الذات من أي مسؤولية تاريخية في تلك المرحلة من جهة ثالثة.وهنا لا بد من الإشارة إلى عدد من المسائل لطالما تجاهلها أغلب من ينقل هذه العبارة إلى بحثه أو كتابه للاستقواء بها لخدمة موقفه السياسي أو وجهة نظره التي غالباً ما تكون متمحورة حول التركيز على العنصر الطائفي في مسألة الاستقطاب والصراع داخل السلطة البعثية مع إغفال لبقية العناصر المؤثرة في هذا الصراع، وكذلك إهمال السياق التاريخي العام الذي حدثت فيه هذه الهجرة ومعها ومن خلالها عملية الصراع السياسي داخل السلطة البعثية.وهنا أقول:أولاً: من السطحية السياسية والمعرفية بمنطق المؤثرات والعوامل المحددة لاتجاه حركة الواقع السوري توقع غير ذلك، إن كان هذا التوقع صادراً من أي سوري بشكل عام أو من أي بعثي قيادي بشكل خاص. فهل كان يتوقع مثلاً سامي الجندي أو أي بعثي قيادي أن تمتلئ الإدارات في الوزارات أو في أي مؤسسة حكومية مدنية أو عسكرية بأبناء أو أقرباء خالد العظم أو ناظم القدسي أو أي من رموز النخب السياسية المدنية التي أسست الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية البرجوازية الحديثة السورية بعد وقبل الاستقلال الوطني، وهي ذات الدولة التي انقلب عليها البعثيون من خلال العسكر في 8 آذار 1963؟؟؟ فهل نسي سامي الجندي وهو يكتب هذه الشهادة بأنه كان من الموقعين في مجلس قيادة الثورة على منع حوالي المئة من أشهر الشخصيات السياسية القيادية المدنية، إضافة إلى حظر كل الأحزاب البرجوازية التقليدية، لا عن مزاولة السياسة ووضع حد لحياتهم السياسية فحسب، بل من خلال إبعادهم قسراًعن أراضي الجمهورية السورية، مضافاً إليهم هروب مئات رجال الأعمال والاقتصاد إلى خارج الحدود خوفاً على أموالهم وأرزاقهم قبل أن تضع دولة البعث العتيدة يدها على ثرواتهم؟؟؟هل كان يتوقع أي قيادي بعثي بعد أن استولى حزب البعث العربي الاشتراكي على الدولة والسلطة واستفرد بهما أن تمتلئ إدارات الدولة البعثية بأبناء مدينة دمشق التي لم تعط أصواتها لميشيل عفلق وهو أشهر الشخصيات البعثية في أول انتخابات نيابية عرفتها سوريا بعد الاستقلال في عام 1949. كما لم تعط أصواتها لصلاح الدين البيطار وهو شخصية بعثية مشهورة كذلك في الانتخابات النيابية الأخيرة التي عرفها المجتمع السوري بعد الانفصال عن مصر 1961 وقبل انقلاب 8 آذار 1963؟؟؟ أو لنقل: هل كان يتوقع أي قيادي بعثي ساهم في قطع سيرورة التطور الطبيعي من خلال وضع حد للحياة السياسية البرلمانية الديمقراطية مترافقاً ذلك مع اقتلاع وتدمير الطبقة المالكة للثروة داخل المجتمع السوري، من خلال انتزاع أملاكها بالقوة ووضع هذه الأملاك بيد دولة حزب واحد قاعدته وقياداته وكوادره هم أساساً من أبناء الفلاحين؟؟؟ أقول: هل كان يتوقع غير امتلاء دوائر الدولة والوزارات بغير أبناء الريف من كل الجهات بشكل عام، وأبناء الريف المحرومين تاريخياً من المدينة بشكل خاص؟؟؟ فأن تمتلئ دوائر الحكومة ومؤسسات الدولة بأبناء الريف أو لنقل: أبناء الفلاحين بعد استفراد حزب سياسي بسدة السلطة والاقتصاد والجيش والأمن ...إلخ فهذا من طبائع الأمور أو لنقل: هذا نتيجة منطقية في ظل نوع كهذا من النظم السياسية الاستثنائية التي قامت بتعميم نوع جديد من الاقتصاد يمكن تسميته باقتصاد " الوظيفة الحكومية"(13) المدنية أو العسكرية أو السياسية أو الحزبية ...إلخ، وإحلال هذا الاقتصاد كبديل عن اقتصاد السوق والمصنع والورشة القديم والطبيعي الذي عرفه المجتمع السوري في ظل سيادة البرجوازية التقليديةقبل صعود حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة. فأن يكون في ظل هذا الواقع الجديد نسبة أبناء الأقليات الدينية هي الغالبة في زحفها إلى المدينة والتمدن والوظيفة الحكومية، فهذا أمر منطقي في شروط حياة جماعات بشرية لم ترَ المدينة وتعيش حياة التمدن طوال تاريخها الوجودي. وهنا من المهم الإشارة إلى أن نسبة هجرة العلويين إلى المدن والالتحاق بالوظيفة الحكومية ولا سيما الوظيفة العسكرية كونها كانت الوحيدة المتاحة لهم أكثر من غيرها، كانت هي الأعلى من بين كل البيئات السورية الأخرى حتى قبل صعود البعث إلى السلطة،فحسبما جاء في كتاب حنا بطاطو فلّاحو سورية:"فقد كان في عام 1955 ما لا يقل عن 55% من ضباط الصف داخل الجيش السوري هم من الطائفة العلوية"(14).الحقيقة الأهم الواجب تسجيلها ومعرفتها هنا هو أن ترييف الجيش السوري وسماع القاف المقلقلة داخله باللسان العلوي والإسماعيلي والدرزي والإدلبي كما سماع الكاف والجاف باللسان الحوراني أو الديري ومعهم كل اللهجات السورية الريفية،كان سابقاً على وصول البعثيين إلى السلطة وأن معرفة هذه الحقيقة لا يمكن أن يشير إليها أياً من قادة البعث، فهذه الحقيقة تحتاج إلى شخصية من أمثال خالد العظم كي يشير إليها.فما ينبغي معرفته هنا هو أن الأحزاب القومية البرجوازية الصغيرة وعلى رأسها حزب البعث العربي الاشتراكي كانت هي المسؤولة عن ترييف الجيش السوري من اليوم الأول الذي تلا الاستقلال الوطني. وهنا من المهم تسجيل مجموعة من الوقائع والحقائق التي ربما لا يريد أن يعرفها أو يراها الكثيرون من قادة البعث كما لا يعرفها الكثير من السوريين.
الحقيقة الأولى: هي أنه خلال السنوات الخمس التي تلت انقلاب حسني الزعيم 1949 تم تسريح أو تصفية أو موت كل القادة الكبار داخل الجيش السوري، وأغلبهم إن لم نقل كلهم من أصول مدنية، ومن يريد التأكد من ذلك فما عليه سوى مراجعة مذكرات خالد العظم الجزء الثاني، ففي الصفحة رقم ( 188) من هذه المذكرات توجد قائمة بأسماء قادة الألوية وأهم الوحدات العسكرية الذين وقعوا على عريضة قدمها حسني الزعيم باسم قادة الجيش السوري إلى الرئيس شكري القوتلي عشية انقلابه 1949. يقول خالد العظم في مذكراته الجزء الثاني بأنه: " لم يبق من الموقعين على هذه العريضة على قيد الحياة أو في الخدمة الفعلية أحد من الضباط. وقد قتل منهم من قتل وسرح من سرح، خلال مدة لا تتجاوز خمسة أعوام "(15).ويقول العظمفي مذكراته الجزء الثاني: " وهكذا، فلم تمض على الجيش مدة تزيد على 12 سنة حتى أصبح عدد المسرحين يفوق عدد الضباط العاملين. وإذا نظرنا إلى الطبقة العالية، أي العقداء فما فوق، تبين لنا أن الزبدة قد قشطت ولم يبق إلا الضباط الصغار الذين لم يكتسبوا بعد الخبرة لتولي قيادة الجيش وقطعاته"(16). وكل ذلك نتيجة الصراعات والمؤامرات والتصفيات التي كانت تحتدم دائماً داخل صفوف الجيش السوري من أجل الحصول على امتياز الفوز بمجد السلطة والنفوذ والقوة التي بدأ قادة وأفراد الجيش يتلمسونها ويتذوقونها مع انطلاق الانقلاب العسكري الأول الذي بدأه حسني الزعيم 1949. يكفي هنا أن أشير إلى: " أن عدد الضباط السوريين الذين سرحوا زمن الوحدة (مع مصر) بلغ 1100 ضابط عامل و3000 ضابط احتياط "(17). الحقيقة الثانية: " لقد كان معظم الضباط في الجيش السوري من أفراد العائلات المتنفذة (...) ولكن الأغلبية الساحقة من طلاب الكلية العسكرية أصبحت بعد عام 1946 من الطبقة الوسطى والدنيا التي تربت فكرياً وهي على مقاعد الدراسة بوسيلة أو أخرى في مدارس حركات الشباب النظرية التي ظهرت للوجود في الثلاثينيات والأربعينيات "(18). وتحديداً أبناء الريف السوري الفقير، ومن كل الطوائف والمناطق. في المقابل: " كانت العائلات المسلمة مالكة الأراضي تحتقر الجندية كمهنة بسبب سيطرة العاطفة الوطنية عليها، وتعتبر الانتساب إليها في فترة ما بين الحربين العالميتين خدمة للفرنسيين، ولم تكن الكلية العسكرية تعني بالنسبة لهم سوى مكان يتجمع فيه الكسالى المتمردون المتأخرون دراسياً أو المغمورون اجتماعياً، وهناك قلة من الشباب دار في خلدها الانتساب إلى الكلية دون أن تكون مخفقة في الدراسة أو أن يكون أفرادها مفصولين من المعاهد. لقد غفل " اليمين " المحافظ في سورية عن الجيش كقوة سياسية - في ظروف نكبة مهلكة– يشكل أداة مندفعة مثقفة وموجهة دمرت فيما بعد نفوذ العائلات الإقطاعية وتجار المدن حتى أن ساسة الأربعينيات السوريين القدامى قد يجدون على المسرح السياسي بعد (15) عاماً القليل مما قد يقرونه أو يوافقون عليه."(19).الحقيقة الثالثة: هي أن الأحزاب البرجوازية الصغيرة القومية بشكل عام، وحزب البعث العربي الاشتراكي بشكل خاص، كانوا وراء فكرة تقول:أن حل كل قضايا المجتمع الاجتماعية والوطنية يمكن حلها من خلال العسكر أو بمساعدة العسكر، ولهذا كانوا أول من عمل على تسيس الجيش وترييفه من جهة، ووراء تسليم سوريا عام 1958 إلى الحكم العسكري الناصري من جهة ثانية. يقول خالد العظم في الجزء الثالث من مذكراته:" وكانت الصلات بين الحوراني وضباط الجيش السوري متينة جداً، لا لسبب إلا لوحدة اتجاههم السياسي والاجتماعي.وقد تمكن الحوراني بمعونة أولئك الضباط من السيطرة على مدرسة حمص العسكرية التي كانت تخرج كل سنة عدداً من الضباط الشباب لا يقل عن المئة. والغريب أن أكثرية الطلاب الراسبين في مدارس التجهيز كانوا يهرعون إلى المدرسة العسكرية التي كان يرتادها كل طالب كسول يستطول مدة الدراسة في المدارس العادية، من تجهيزية وجامعية. فكان لا يواظب سوى سنتين، يتخرج بعدها ملازماً ثانياً، ثم يقفز المراتببسرعة خيالية، بحيث لا تمضي عشر سنوات حتى يصبح عقيداً أو زعيماً (...) وكانت جهود الحوراني منصرفة إلى حشد أكبر عدد ممكن من الشباب المنتسبين إليه في المدرسة العسكرية، والسعي لحمل بقية طلابها على الانخراط في حزبه. وكان يلاقي العون والمساعدة من رؤساء المدرسة ومعلميها، ومن أركان قيادة الجيش نفسه. ولم تمض فترة سبع أو ثماني سنوات، حتى كان معظم الضباط منتسبين لحزب البعث الاشتراكي "(20).ويقول نشوان الأتاسي في كتابه تطور المجتمع السوري (1831- 2011): " بعد الجلاء، وبضغط متواصل من أكرم الحوراني أيضاً، قرّرت الحكومة فتح باب الكلية العسكرية في حمص لجميع أبناء سورية دون تمييز عائلي أو مذهبي أو طبقي. كما ألغت أية رسوم تسجيل، وأمنت أمكنة للمنامة ووجبات للطعام، ومخصصات مالية شهرية للمنتسبين. وفي حين كان أبناء المدن يشقون طريقهم إلى الوظائف الحكومية والمهن الحرة، جذبت الكلية العسكرية أبناء الأقليات، الذين لم يأملوا في الحصول على فرص عمل لضعف تأهيلهم العلمي والمهني، فوجدوا في السلك العسكري مهنة واعدة. وقد استثمرت الأحزاب العقائدية، التي كانت قد بدأت في التشكل، هذه الفرصة كي تدفع الشباب من أعضائها، والقسم الأكبر منهم كان من أبناء الأقليات أيضاً، إلى الانتساب للكلية الحربية كي يصبحوا ضباطاً تعتمد عليهم في تحقيق طموحاتها السياسية لاحقاً "(21). وفي هذا الصدد يؤرخ كمال ديب لتلك الفترة بقوله: " لقد كانت غلطة تاريخية ارتكبتها العائلات السنّية المدينية والتجارية وعائلات الملّاكين في الأرياف.إن تعاليهم عن الخدمة في الجيش واحتقارهم لمهنة العسكر جعلا أعدائهم الطبقيين أصحاب نفوذ وسلطة في القوات المسلحة، استعملوها فيما بعد لاستلام مقاليد الحكم في سورية. إذ خلال فترة قصيرة بعد الاستقلال شكلت الأقليات المذهبية والعرقية نواة كبيرة في الجيش الوطني من جنود وعرفاء ورقباء وصغار الضباط. كما أن انتشار العقائد والتيارات السياسية في هذه الفترة المبكرة جعل من الجيش السوري الحاضن الأساسي لتفريخ الثورات والانقلابات المسلحة "(22).على هذا الأساس كان الترييف داخل الجيش بعد الاستقلال يسير بوتيرة عالية في وقت كانت تتم فيه على حد تعبير خالد العظم عملية قشط الطبقة العليا ذات الأصول المدنية من الجيش في نفس الفترة،وهو الأمر الذي يفسر الدور الذي بدأت تأخذه الرتب الأدنى داخل الجيش بدءاً من أواخر الخمسينيات، ففي عام 1957، وعندما تم الاتفاق بين قيادات الجيش على تشكيل مجلس قيادي يتألف من 23 ضابطاً من مختلف صنوف الأسلحة، فقد كان بينهم " 21 ضابطاً برتبة مقدم واثنان فقط من الضباط كانوا يحملون رتبة أعلى هم اللواء عفيف البزري رئيس الأركان والعميد أمين النفوري نائب رئيس الأركان"(23).والأمر ذاته يفسر الدور الذي بدأ يشغله أبناء الريف داخل مؤسسة الجيش في بداية الستينيات،كما يفسر الدور الذي قامت به اللجنة العسكرية البعثية السرية التي تشكلت في مصر عام 1959 رغم أن أكبر الرتب بداخلها لم يتجاوز رتبة مقدم وهو الدور الذي حدد في النهاية دورهم الذي شغلوه داخل سلطة 8 آذار 1963 في البداية، ثم داخل سلطة البعث في منتصف الستينيات، ثم فيما بعد داخل المجتمع والسلطة بعد 1970.من المؤكد بأنه بعد صعود البعث إلى السلطة فإن موجات هجرة العلويين إلى المدن تضاعفت عشرات ومئات المرات عما كانت عليه في السابق، ومن المؤكد كذلك أن هذه الهجرة لم يكن لها أن تكون من دون وجود حاجة موضوعية دفعت المهاجرين للسير في هذا الاتجاه والطريق، وأن الأمر غير الطبيعي والمدان هنا هو:أولاً: عملية الاستثمار السياسي والطائفي من قبل بعض التيارات والشخصيات السياسية داخل سلطة البعث بهؤلاء المهاجرين.وثانياً: تشجيع هذه الهجرة بما يمكن تسميته بالإنتاج الموسع لعملية الترييف والتطييف من خلال توسيع دائرة اقتصاد الوظيفة الحكومية من جهة، ومن خلال غلبة وتوسيع الطابع العسكري والأمني على الطابع المدني للوظيفة الحكومية من جهة ثانية. لقد كان على كل عاقل سوري ساهم في صنع خطوات التاريخ السوري عشية الانقلاب البعثي أو راقب تطور الأحداث بعد هذا الانقلاب أو يريد أن يقتفي أثر هذا الانقلاب وما أحدثه في الواقع. أقول: على كل عاقل إذا أراد أن يبتعد عن السطحية في التحليل وتفسير حركة الواقع والتاريخ أو إذا أراد أن يبتعد عن رغباته الذاتية وهواه الأيديولوجي والسياسي،أو إذا أراد أن يتنصل من جريمة المشاركة في قطع مسار التطور الطبيعي للمجتمع السوري، فإن عليه أن يخضع تحليله وتفسيره لحركة الواقع لمنطق الأحداث الخاص بها بعيداً عن أحلامه ورغباته وأوهامه، أقصد بذلك أن إحداث أي تغيرات في الواقع وفي معادلاته القديمة يستوجب منا حتماًإذا كنا واقعيينوعاقلين أن نتوقع نتائج مختلفة وجديدة قائمة على أساس منطق تطور الواقع الجديد. لقد كان على كل عاقلأن يدرك المبدأ الفيزيائي العلمي القائل بأن تغيير شروط التجربة سيفتح المجال حتماً للحصول على نتائج مختلفة، أي كان على كل عاقل بعثي أن يدرك بأنه إذا ما تمت عملية بعثنةالدولة والسلطة السورية- أي جعلها دولة وسلطة حزب البعث العربي الاشتراكي-وبما يعني دمج كيان الدولة السورية – أجهزتها ومؤسساتها المدنية والعسكرية - بكيان السلطة البعثية من خلال الحزب الذي يشكل الملاط اللازم لحالة الاندماج، فإن ذلك سيقود حتماً إلى ترييف الدولة والسلطة في البداية، ثم سيقود هذا الترييف إلى فتح الطريق إلى ترييف وتطييف الدولة والسلطة فيما بعد.فمن " أهم الخصائص التي ميزت نظام الاستبداد المعمم في سوريا كغيره من نظم الاستبداد المعمم التي عرفها الواقع العربي، نجد أصوله الفلاحية والريفية من جهة، وعمله إلى توسيع وتضخيم أجهزة ومؤسسات الدولة من جهة ثانية، وقد جاء توسيع النظام لكيان الدولة متماشياً ومتسقاً مع كونه نظاماً قام على أساس تأميم الدولة لمصالحه من جهة أولى، وكونه من جهة ثانية نظاماً صعد سياسياً وطبقياً من خلال الدولة بعد أن قام باحتلالها واحتكارها، وبعد أن دمج كيانه السياسي والحزبي بكيان الدولة بكل مؤسساتها وأجهزتها السياسية والاقتصادية والإيديولوجية والعسكرية والأمنية، ولم تسلم من هذا الدمج حتى المؤسسات الخدمية والعلمية والتربوية والرياضية والفنية والدينية بما في ذلك النقابات المهنية بعد أن تم تجريدها من استقلالها وحريتها المهنية والاجتماعية والطبقية وألحقت كتابع للدولة والسلطة السياسية.إن هذه الخصائص قادت إلى ترييف السلطة والدولة وإلى ترييف المدن الصغيرة والكبيرة، ولم تسلم حتى العاصمة دمشق من هذا الترييف، بل يمكن القول: بأن العاصمة دمشق كانت في مقدمة المدن التي جرى ترييفها كونها تشكل مركز السلطة السياسية ومركز أجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة. وإذا كان هذا الترييف هو نتاج سياسة الاستيعاب التي قامت بها الدولة والسلطة من خلفها لأبناء الريف في مؤسساتها المختلفة الاقتصادية والعسكرية والأمنية ...إلخ وهي السياسة والعملية التي يمكن أن نطلق عليها بعملية ابتلاع المجتمع في أحشاء الدولة الاستبدادية كون غالبية المجتمع هم من أبناء الريف – عندما صعد هذا النظام كان سكان الريف يشكلون ما يقارب 70 % من عدد السكان – وبالرغم من كون سياسة الاستيعاب هذه كانت لها صفة وسمة عامة إلا أنها اتسمت بطابع طائفي كما في (العراق وسورية ) أو قبلي وعشائري ( اليمن وليبيا ) أو جهوي ( السودان والجزائر ) دون أن ننسى العامل القومي – في الساحات التي فيها تعدد قومي - حيث تراكب في كثير من الساحات العامل القومي فوق الطائفي أو القبلي أو الجهوي، لقد كانت الأفضلية والأولوية في سياسة الاستيعاب هي لأبناء العصبية الطائفية التي كان يعمل النظام لتوليدها وإيجادها بوصفها نقطة ارتكاز اجتماعية تضاف إلى نقطة الارتكاز الطبقية والسياسية التي ترتكز عليها الدولة والسلطة السياسية، وعلى رأسها رأس السلطة السياسية أو رأس النظام السياسي. إن إعطاء أو منح أبناء العصبية الطائفية الأولوية والأفضلية في سياسة الاستيعاب شكلت الخطوة الأولى والدفعة الأولى ونقطة الارتكاز الأولى والأساسية في عالم الامتيازات التي ستمنح للعصبية التي بنتها السلطة الأسدية، أو لنقل: شكلت الأساس الذي شيد عليه النظام الأسدي بناء صرح العصبية الطائفية، وقد مر هذا البناء حتى اكتملت ملامحه النهائية بعدة مراحل، كما كان له أكثر من وجه وأكثر من مستوى، فما هي المراحل التي تم فيها تشييد هذا الصرح الطائفي داخل كيان وبناء الدولة الأسدية وما هي الأوجه التي اتخذها وبانت فيها في الواقع السوري ؟؟؟ أولاً: احتلال واحتكار أدوات القوة والعنف: ففي سياق عمل نظام الاستبداد المعمم لبناء الأذرع القوية لسلطته ودولته، فقد كان من الطبيعي والمنطقي أن يكون من أول أولوياته احتلال واحتكار المؤسسات السيادية القوية في الدولة أو لنقل: كان من أولوياته العمل على تحويل هذه المؤسسات من مؤسسات عامة تمثل المصالح العامة الوطنية للمجتمع إلى مؤسسات خاصة تمثل المصالح الخاصة للنظام السياسي، و تحديداً رأس النظام السياسي وذلك من خلال وضع اليد على هذه المؤسسات وإلحاقها بشكل مباشر برأس النظام السياسي، وقد كانت مؤسسة الجيش هي من أول المؤسسات العامة التي سعى النظام لوضع يده عليها، من خلال تحويلها من مؤسسة وطنية عامة وظيفتها الدفاع عن المصالح العامة للمجتمع إلى مؤسسة خاصة وظيفتها الدفاع عن المصالح الخاصة للنظام وتحديداً رأس النظام، والذي تتكثف مصالحه الخاصة في العصيان في السلطة إلى أبد الآبدين. ولتحويل مؤسسة الجيش من مؤسسة عامة إلى مؤسسة خاصة بالسلطة ورأس السلطة، فقد كانت أقصر وأسهل وأنجع الطرق هي في تحويل هذه المؤسسة إلى مؤسسة طائفية أو ذات طابع طائفي أو يغلب عليها الطابع الطائفي، وقد تم هذا التحويل في تركيبة وطابع ووظيفة مؤسسة الجيش من خلال فتح النظام أبواب هذه المؤسسة على مصراعيها كما في بقية نظم الاستبداد العربي لأبناء العصبية الطائفية أو القبلية التي أراد الارتكاز عليها، والتي ينتمي رأس النظام أساساً إليها طائفياً أو قبلياً.ففي الحالة السورية قام النظام الاستبدادي الذي قاده حافظ الأسد بدءاً من 1970 بإغراق الجيش العربي السوري بأبناء الطائفة العلوية، كما أضاف إلى الجيش تشكيلات عسكرية ذات طابع طائفي علوي صرف بدءاً بالحرس الجمهوري وصولاً إلى سرايا الدفاع مروراً بكل أنواع الأفرع الأمنية والفرق العسكرية الخاصة ذات الطابع الطائفي إن كان على مستوى القيادة أو مستوى الأفراد.
ثانياً: الأولوية في استيعاب قوة العمل:صحيح أن كل نظم الاستبداد المعمم التي عرفها الواقع العربي سعت إلى استيعاب وامتصاص كل ما تستطيع – قدرتها الاستيعابية - من قوة العمل العضلي والفكري لأبناء الأرياف بشكل عام إلى أحشاء الدولة الاستبدادية من خلال نشرهم على هياكل أجهزتها ومؤسساتها المختلفة الاقتصادية والسياسية والحزبية والعسكرية والأمنية ...إلخ، إلا أن هذا الاستيعاب والامتصاص لقوة العمل تميز في أن العصبية الطائفية التي عمل النظام على الارتكاز عليها أخذت منها حصة الأسد، أي تم امتصاص كامل العصبية الطائفية في أحشاء الدولة. ففي الحالة السورية تم إدخال واستيعاب كامل أبناء الطائفة العلوية وبشكل شبه مطلق إلى أجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة، إلى الحد الذي قاد بعد خمسة عقود من قيام النظام الأسدي إلى دمج كيان الطائفة العلوية بشكل شبه كامل بكيان الدولة ( أي بأجهزتها ومؤسساتها المختلفة )، حيث وصل حد الاستيعاب والامتصاص إلى الدرجة والحد الذي تم فيه تصدير الفائض إلى المحافظات والمناطق السورية الأخرى، بعد أن تم إشباع كل مؤسسات وأجهزة الدولة من قوة العمل في المحافظات التي يقطنونها – اللاذقية وطرطوس بشكل رئيسي – إلى الحد الذي جعل كل مؤسسة – مدنية أو عسكرية - تابعة للدولة وعلى امتداد الجغرافيا السورية لا تخلو من موظف حكومي ينتمي إلى الطائفة العلوية أو لنقل: ينتمي إلى الساحل السوري بشكل خاص حيث المركز الأساسي لوجود الطائفة العلوية في سوريا. فبعد خمسة عقود من وجود النظام الأسدي في قمة السلطة أصبح وجود أي من أفراد الطائفة العلوية خارج أجهزة ومؤسسات الدولة أمراً نادراً، فجميع أبناء الطائفة العلوية إذا استثنينا الأطفال والطلاب وبعض كبار السن أصبحوا موجودين ولو على شكل بطالة مقنعة داخل كيان الدولة، نتحدث هنا عن الفترة التي سبقت انهيار وانحطاط النظام ودولته بعد انفجار الثورة في وجهه في 18 آذار من عام 2011.لقد استغل النظام الاستبدادي الأسدي ظروف وشروط التهميش والاضطهاد الذي عاشته الطائفة العلوية في بعض المراحل من التاريخ السوري القديم كما أشرت في السطور السابقة من هذا البحث والتي جعلت منهم جماعة بشرية لا تملك لا تجارة أو صناعة أو حرفة ذات معنى للعيش، أي جعلت منهم جماعة بشرية مكونة من الفلاحين وبشكل شبه مطلق، كما استغل قلة الحيازة والملكية للأراضي الزراعية الصالحة للزراعة بحكم الطبيعة الجبلية للمناطق التي سكنوها لقرون وقرون من الزمن، كما استغل تفتت هذه الحيازة والملكية مع الزمن بين الورثة من الأبناء والآباء، وهو الأمر الذي جعل من الوظيفة الحكومية والاتجاه نحو تعليم أبنائهم في المدارس والجامعات، بعد أن أصبح التعليم متاحاً بعد قيام دولة الاستقلال والتحرر من نير الاحتلالات الأجنبية هي الوسيلة الوحيدة والأساسية للعيش عند العلويين، أقول: استغل النظام كل ذلك لسحب هذه الجماعة البشرية إلى أحضان الدولة أولاً ثم إلى أحضان النظام صاحب الدولة تالياً، ثم ليجعل منهم عبر مسار طويل ومعقد جماعة بشرية مرتبط كيانها وبشكل شبه عضوي بكيان دولته الاستبدادية التي حولها مع الزمن إلى مزرعة خاصة به في سياق سعيه لجعل سورية بأكملها مزرعة خاصة وحصرية ببيت الأسد، وهو ما أطلق عليه القاموس السياسي للنظام " بسوريا الأسد " أي في سياق سعيه للانتقال من الجمهورية العربية السورية إلى جمهورية بيت الأسد الحصرية وإلى الأبد .ثالثاً: سيادة الطائفة العلوية:لم تكن مشكلة السوريين من تشكل العصبية الطائفية العلوية ناتجة من اندماج كيان هذه الطائفة بكيان الدولة فحسب، فدخول هذه الطائفة إلى أقصى الحدود بكيان الدولة هو حق لأي جماعة بشرية لا تجد وسيلة للعيش إلا من خلال الدولة، كما لم تكن مشكلة السوريين ناتجة فقط عن ارتباط هذه العصبية بالنظام وتحديداً رأس النظام، ولم تكن مشكلة السوريين في تشكل هذه العصبية في كونها أصبحت تنتمي إلى كل طبقات المجتمع السوري بعد أن كانت تنتمي في غالبيتها الساحقة فقط إلى الطبقة الفقيرة في المجتمع، ولم تكن مشكلة السوريين فقط في أن بعض العلويين أصبحوا يشكلون النواة الأساسية داخل الطبقة العليا للدولة الاستبدادية، أي داخل البرجوازية السورية السائدة أو لنقل: داخل الطبقة " السائدة " المؤلفة من تحالف كبار رجال السلطة والمال والدين. إن مشكلة السوريين مع قيام العصبية الطائفية العلوية التي ارتكزت عليها السلطة تكمن في - تسييد - أو سيادة هذه العصبية كلها على المجتمع السوري كله. ففي شروط أصبحت فيها الدولة ومن خلفها السلطة السياسية هي من أصبحت تحدد وتولد الطبقات الاجتماعية وكل وجود اجتماعي أو سياسي أو طبقي داخل المجتمع، أي في شروط كون السيادة في المجتمع أصبحت ليست محصورة فقط بأصحاب الثروة كما هي الحالة في الشروط الطبيعية لوجود المجتمعات، بل أصبحت هي كذلك لأصحاب السلطة والدولة، فهنا نحن أمام مجتمع برجوازي لا تشكل فيه السلعة صنماً بل أصبحت السلطة هي الصنم. وكون العصبية الطائفية العلوية أصبحت من أهل السلطة ومن أصحاب الدولة وأهل الدولة فقد كان أمراً طبيعياً أن يقود ذلك إلى سيادتها أو تسييدها على المجتمع كل المجتمع. فكون النظام السوري كغيره من نظم الاستبداد المعمم التي عرفها الواقع العربي ارتكز على قاعدتين: قاعدة طبقية سياسية عامة، وقاعدة طائفية خاصة، فقد أحدث ذلك انزياح في موقع ومفهوم السيادة داخل المجتمع أو لنقل: أوجد ذلك نوعان من السيادة داخل المجتمع: سيادة طبقية: وهي سيادة منقوصة الجانب السياسي لأصحاب الثروة والسلطة بشكل عام، وسيادة طائفية: وهي كذلك سيادة منقوصة الجانب السياسي للعصبية الطائفية التي يرتكز عليها النظام، حيث بقيت السيادة المكتملة غير المنقوصة حصرية بيد رأس النظام الحاكم المستبد مالك الثروة والسلطة والدولة وحتى المجتمع.وإذا كان موقع ومكان فعل سيادة أصحاب الثروة والسلطة نجده في سوق العمل، إن كان سوق العمل داخل كيان الدولة، أي داخل مؤسساتها وأجهزتها المختلفة أو في سوق العمل الواقع خارج كيان الدولة، كما نجده في سوق تبادل وإنتاج السلع، أي نجده داخل دائرة العلاقات الرأسمالية المستبطنة في أحشاء الدولة، أو الواقعة خارج أحشاء الدولة، فإن موقع ومكان فعل سيادة العصبية الطائفية أو لنقل: مكان فعل وموقع سيادة الطائفة العلوية في الحالة السورية فإنها كانت في كل مكان تواجد فيه أي فرد انتمى إلى هذه العصبية. ففي كل بناية سكنية أو شارع أو حي أو مدينة وجد فيها العلويون – الذين انتشروا على كامل الجغرافيا السورية كما قلنا من قبل - أصبحوا هم السادة وهم أصحاب الحل والربط في أي أمر إن كان كبيراً أو صغيراً، أو في الحد الأدنى أن الحل والربط في أي أمر ينبغي أن يمر من خلالهم تحديداً، وكذلك في كل مؤسسة - عسكرية كانت أو مدنية - اقتصادية أو سياسية أو حزبية أو اجتماعية أو ثقافية أو فنية أو رياضية ...إلخ وجد فيها العلويون أصبحوا كذلك هم السادة وهم أصحاب الحل والربط فيها. وقد كان طبيعياً أن تتأتى هذه السيادة العامة في كل مكان وموقع وجد فيه العلويون من كون أي فرد ينتمي إلى هذه الطائفة – هنا نتكلم عن غالبية ساحقة - أصبح يتمتع بسند من السلطة بكل ما يمنحه ذلك من الإحساس والتمتع بالقوة المادية والمعنوية، فأي فرد ينتمي إلى الطائفة العلوية في سوريا بعد أن اندمج كيان الطائفة بكيان الدولة إما أن يكون مسؤولاً في الدولة أو موظفاً حكومياً رفيع المستوى أو موظفاً حكومياً عادياً، ولكنه مرتبط بشكل مباشر بأحد المسؤولين أو القادة العسكريين أو المدنيين أو موظف حكومي عادي ولكنه مرتبط بشكل غير مباشر بالسلطة من خلال الارتباط بأحد المتنفذين الكبار في السلطة، والذي قد يكون إما أحد الأخوة أو أحد الأقارب أو أحد أبناء الحي أو أحد أبناء القرية أو المنطقة أو مرتبط موضوعياً بالسلطة، فقط لكونه ينتمي إلى المنطقة الساحلية أو لهذه المحافظة أو تلك من المحافظات والمناطق التي يقطنها العلويون في سوريا.إن التسييد والسيادة الذي أتحدث عنها لم تقتصر على العلاقة التسلطية التي تقوم بين السيد القوي والضعيف المسود، إنني أتحدث هنا عن السيادة بمعنى قدرة جماعة بشرية أو طبقة اجتماعية على تعميم قيمها وثقافتها وفنونها وأخلاقها ...إلخ على المجتمع ككل، فإذا كان صحيحاً أن الطبقة العليا للدولة الاستبدادية وتحديداً نواتها ونواة النظام السياسي – المنتمية إلى أسرة بيت الأسد والمقربين منهم عائلياً وطائفياً - قد استطاعت تعميم ثقافة وقيم وأخلاق الطبقة العليا للدولة ككل على المجتمع من خلال الطبقة الوسطى للدولة،فإنه علينا أن نعترف أن ذلك التعميم تم بمشاركة العصبية الطائفية – العلوية – التي ارتكز عليها النظام السوري، فكون هذه العصبية كانت كالطبقة الوسطى للدولة أكثر التصاقاً بالدولة وأكثر التصاقاً بالسلطة السياسية فقد كان أمراً طبيعياً أن تشكل وتكون الحامل الاجتماعي الذي يتبنى أولاً ثم ينشر ويعمم ثانياً قيم وثقافة وأخلاق الطبقة العليا للدولة والسلطة، حتى يمكن القول: إن الحامل الاجتماعي الذي عمم قيم وثقافة وأخلاق الطبقة العليا للدولة في الحالة السورية تشكل من جناحين: جناح شكلته الطبقة الوسطى التي عاشت في أحضان الدولة، وجناح شكلته العصبية الطائفية التي ارتكز عليها النظام والتي عاشت كذلك في أحضان الدولة، حيث الدولة شكلت الحاضن المولد لا للفساد وقيم الفساد فحسب، بل المولد لكل القيم داخل المجتمع بدءاً بالقيم السياسية والاقتصادية وصولاً إلى القيم الأخلاقية والفنية ولكل مستوى من مستويات البناء الفوقي للمجتمع، وبحكم السيادة السلطوية التي تمتعت بها العصبية الطائفية، فقد قاد ذلك إلى أن تضفي طابعها القيمي والثقافي الخاص بها على كل القيم المنتجة، مضيفة إليها قيمها وثقافتها بعد أن تحولت إلى عصبية طائفية سائدة. وقد وصلت السيادة الطائفية إلى كل مستوى من مستويات الوجود الاجتماعي ومستويات البناء الاجتماعي حتى وصل الأمر إلى أبعد مستوى فوقي للمجتمع حيث سادت الفنون والأغاني الخاصة بالبيئة العلوية على ما عداها من الفنون وأشكال الفنون الخاصة بهذه البيئة أو تلك من البيئات السورية، وقد شكلت أغاني (علي الديك) التي أصبحت في فترة من الأغاني " الوطنية " خير دليل على تلك السيادة، كما شكل مسلسل باب الحارة ردة الفعل المقابلة التي شكلت وجه العملة الآخر لقيم الطبقة العليا المالكة للثروة والسلطة. رابعاً: سيادة ثأرية عدوانية:لقد جرت في ظل نظام الاستبداد المعمم الأسدي تغيرات وتحولات عميقة على بنية المجتمع السوري، طالت بنية وثقافة وقيم وأخلاق الطبقات الاجتماعية وكل شكل من أشكال الوجود والاجتماع البشري وفي مقدمة هذه التحولات وأهمها على الإطلاق نجد،أولاً: التحولات العميقة التي جرت على بنية وثقافة وأخلاق وقيم الطبقة المالكة للثروة أو السلطة أو المالكة للاثنين معاً، فقد طغت وبشكل كاسح العناصر محدثة النعمة داخل الطبقة البرجوازية " السائدة " وهي العناصر التي نمت وترعرعت في ظل السلطة ومن خلالها.ثانياً: التحولات العميقة والجذرية التي جرت على بنية وقيم وأخلاق وثقافة العصبية الطائفية التي ارتكز عليها النظام، حيث تحولت الطائفة العلوية على مدار ما يقارب الخمسة عقود من العمل على استجرارها إلى حضن الدولة أولاً ثم السلطة ثانياً من طائفة فقيرة ومهمشة إلى طائفة محدثة النعمة، حيث توزعت هذه النعمة داخل الطائفة العلوية بين مالك للثروة أو مالك للسلطة أو مالك للاثنين معاً أو في الحد الأدنى مالك للسلطة والقوة في حدها المادي، نتيجة الانتماء أو الانتساب لأحد أدوات وأجهزة القوة داخل الدولة من جيش وأمن ...إلخ أو في حدها المعنوي نتيجة قربه العائلي أو الجغرافي أو الطائفي من أحد مصادر القوة في السلطة والدولة، إن ما ميز تحول العصبية الطائفية العلوية التي اعتمدها النظام السوري إلى عصبية سائدة لم يكن في سيادتها على المجتمع فحسب، بل في النزعة العدوانية التي ميزت هذه السيادة. فإذا كانت السيادة أي سيادة إن كانت لطبقة أو جماعة بشرية فيها حد من العدوانية يمارسها الطرف السيد على الطرف المسود، فإن السيادة التي مارستها الطائفة العلوية وبدعم وتشجيع ممنهج من رأس النظام حملت حداً عالياً من هذه العدوانية لعدد من الأسباب، حيث نجد:أولاً: إن هذه السيادة حملت شحنة عدوانية كونها تراكبت مع شحنة عاطفية بدائية طائفية تغذيها نزعة ورغبة – رغبة شعورية واعية في بعض الحالات ولا شعورية في حالات أخرى - في الثأر لماضي وتاريخ الفقر والتهميش الذي عاشته الطائفة العلوية في الماضي من التاريخ، وهنا يمكن القول:أن أحد الطرق والأساليب التي اعتمدها النظام لجر الطائفة إلى خندقه وصفه كانت دعمه وإيقاظه للغرائز الطائفية النائمة في أعماق الطائفة العلوية أو لنقل: كان اللعب على هذه الغرائز والمشاعر الطائفية البدائية أحد وسائل النظام الأساسية في جر الطائفة إلى خندقه وتحويلها إلى عصبية طائفية يرتكز عليها في الحكم أولاً، وفي الاستمرار في الحكم والعصيان في السلطة إلى الأبد ثانياً،ثانياً: إن نشوء وظهور العصبية الطائفية العلوية كعصبية وجماعة بشرية محدثة النعمة داخل المجتمع السوري شكل موضوعياً حالة عدوانية على المجتمع، وذلك كون هذا النشوء والظهور،أولاً: أتى من خلال العلاقة مع السلطة ومن خلال أبواب السلطة بكل ما تعنيه وتحمله كلمة سلطة من مضامين عدوانية اتجاه الآخر المختلف أو المعارض أو الرافض للخضوع لها أو الراغب أن يقف على مسافة بعيدة عنها.وثانياً: كون هذا النشوء والظهور أتى على حساب كل وجود اجتماعي قديم وسائد داخل المجتمع السوري قبل صعود نظام الاستبداد الأسدي.وقد وصلت عدوانية العصبية الطائفية العلوية إلى ذروتها في المرحلة التي تحول فيها النظام السوري إلى نظام حثالي، ففي هذه المرحلة من أصبحوا في قمة السيادة الطبقية والسياسية هم من حثالة كل الطبقات الاجتماعية وحثالة كل وجود اجتماعي في سورية، ومن أصبحوا في قمة السيادة الطائفية العلوية أو من أصبحوا يمثلون هذه السيادة أو لنقل: من وضعوا في واجهة هذه السيادة هم من حثالة كل وجود اجتماعي داخل الطائفة العلوية أو لنقل: هم حثالة الطائفة اجتماعياً وسياسياً وحتى دينياً،ثالثاً : إن ما جعل السيادة الطائفية العلوية تأخذ بعداً وحداً عالياً من العدوانية هو البنية العدوانية الخاصة التي تتصف بها كل الجماعات البشرية - والطبقات كذلك – محدثة النعمة والناتجة لا عن الجشع تجاه مراكمة الثروة فحسب، بل من طريقة حصولها على الثروة والتي لا يمكن أن تتم إلا من خلال النهب واللصوصية والتي وصلت في الحالة السورية إلى حد النهب واللصوصية المكشوفة والعارية من أي غطاء لقطاع الدولة وأموال الدولة والتي هي في النهاية أموال سرقتها وكدستها السلطة في خزينة الدولة من جيوب جميع السوريين – ضرائب وغيرها – أو من خلال نهب ثرواتهم الطبيعية أو من كدهم وعرق جبينهم أو من خلال المتاجرة بقضاياهم كشعب في سوق النخاسة الإقليمي والدولي،رابعاً : إن الطابع العدواني الذي ميز السيادة الطائفية العلوية داخل المجتمع السوري كانت بسبب النزعة الاستعراضية التي تميز في العادة الجماعات البشرية – كما الطبقات – محدثة النعمة، فاستعراض الثروة المستمدة من السلطة أو استعراض القوة المستمدة من القرب من السلطة هو من أهم الصفات التي ميزت السلوك العام لكل الشرائح الاجتماعية داخل الطائفة العلوية، بدءاً من رجل السلطة الكبير – إن كان أمام منزله من حرس وغيره أو في الشارع مع مرافقته وسياراته الفخمة – وصولاً إلى عنصر المخابرات الذي يميز نفسه وعضلاته بالمسدس الموضوع على خصره مروراً بالموظف الحكومي الصغير الذي يرعب الآخرين – في المناطق والمدن الداخلية من سورية - بشتى الوسائل والأساليب المعروفة.وقد تمادى هذا الاستعراض إلى الحد الذي أنتج ظاهرة التشبيح داخل المجتمع السوري، والتي يمكن تعريفها وتكثيفها بأنها نمط من السلوك الذي يتجاوز ويقفز فوق الأعراف والتقاليد المعروفة والسائدة في علاقات البشر فيما بينهم، كما تجاوز القوانين والقفز من فوقها من خلال الاستقواء بالسلطة ورجال السلطة.وإذا كانت ظاهرة التشبيح ومقولة " نحنا الدولة ولاك " محصورة في بداية حكم الأسد الأب – حافظ الأسد - بالدائرة العائلية لبيت الأسد والمقربين منهم من آل مخلوف وشاليش وغيرهم إلا أن هذه الظاهرة بدأت بالاتساع والتدحرج داخل الطائفة العلوية بمقدار ما كان النظام قادراً على جر الطائفة إلى حظيرة دولته وسلطته، وإذا كان العلويون في المدن الساحلية ولا سيما في مدينة اللاذقية هم أول من تذوق مرارة تشبيح بيت الأسد وأقربائهم، فإن المفارقة في الحالة السورية والعلوية هو أن ظاهرة التشبيح اتسعت دائرتها وامتدت داخل الطائفة العلوية لتصبح سلوكاً عاماً يمارس على السوريين جميعاً وينحى منحىً بربرياً في اللحظة التي قرر فيها السوريون إسقاط النظام بدءاً من 18 آذار 2011.إن عبارة " نحن الدولة ولاك " التي عرفها الشارع السوري قبل وبعد الثورة هي تعبير لفظي عميق الدلالة للحالة التي اندمج فيها في المجتمع السوري كيان الدولة مع كيان السلطة السياسية من جهة، وكيان الدولة والسلطة مع كيان العصبية الطائفية التي تستند عليها دولة الاستبداد المعمم الأسدية من جهة ثانية، فهذه العبارة أتت كدلالة عن حالة التماهي التي تمت بين ثلاثة مستويات من الوجود السياسي والاجتماعي والطبقي الخاص، حيث يصعب التمييز والتفريق بين السلطة والدولة التي تم تفريغها من وظائفها العامة، وبين القاعدة الاجتماعية الخاصة الطائفية التي تستند عليها الطبقة العليا لدولة الاستبداد المعمم الأسدية، وحيث أن هذا الاندماج أنتج فائضاً من القوة امتلكته السلطة والدولة وقاعدتهما الاجتماعية معاً، وهو الأمر الذي أنتج الطغيان الأسدي من جهة، ووفر من جهة ثانية الشرط اللازم والكافي لممارسة أقصى مستويات العنف وأشكاله البدائية البربرية، ولهذا نجد أن العنف الذي مارسه النظام الأسدي في مواجهة السوريين كان دائماً وفي كل محطة حاسمة محملاً بشحنة مركبة سياسية وطبقية وعاطفة طائفية بدائية "(24).

...................................................................................

المصادر:

(1). الصفحة 14 من كتاب دائرة الخوف – العلويون السوريون – في – الحرب – والسلام. تأليف: غولد سميث.ترجمة: د. عامر شيخوني الدار العربية للعلوم ناشرون الطبعة الأولى 2015.

(2). الصفحة 218 من البيان الشيوعي ماركس وإنجلز في أول ترجمة غير مزّورة ترجمه وقارنه عن الألمانية وعلّق بقاموس ماركسي على كلماته النظرية والتاريخية العفيف الأخضر. منشورات الجمل، بيروت – بغداد 2015.

(3). الصفحة 285 من كتاب " سورية ... الدولة المتوحّشة " تأليف ميشيل سورا. ترجمة أمل سارة ومارك بيالو، منشورات الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الأولى، بيروت، 2017

(4).الأقليات " المدمجة أو المتراصة " هو تعبير أخذ في البروز لتعريف أقليتين سوريتين رئيسيتين وهما الأقلية العلوية والأقلية الدرزية، بحكم أن هاتين الأقليتين تشكلان نوعاً من الأغلبية في المناطق الجبلية التي تقطنها كل منهما. وهذا لا ينطبق على باقي الأقليات التي تتوزع، دون تركيز، على مساحة الجغرافيا السورية. والتي جرى تعريفها كأقليات " مبعثرة أو متناثرة "ص60 كتاب تطور المجتمع السوري (1831 – 2011) تأليف نشوان الأتاسي. منشورات دار أطلس، بيروت، الطبعة الأولى 2015

(5). الصفحة 285 من كتاب " سورية ... الدولة المتوحشة " تأليف ميشيل سورا. ترجمة أمل سارة ومارك بيالو، منشورات الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الأولى، بيروت، 2017

(6). صفحة 60 من كتاب " تطور المجتمع السوري (1831 – 2011) تأليف نشوان الأتاسي.منشورات دار أطلس، بيروت، الطبعة الأولى 2015

(7).الصفحة 45 – 46 – 47 من كتاب تاريخ العلويين من حلب القرون الوسطى إلى الجمهورية التركية تأليف ستيفان وينتر ترجمة أحمد نظير الأتاسي وباسل وطفة منشورات مركز حرمون للدراسات المعاصرة ودار ميسلون للطباعة والنشر والتوزيع الطبعة الأولى 2018.

(8).الصفحة 66 من كتاب " سورية في عهدة الجنرال الأسد " تأليف دانييل لوغاك 1991. الطبعة الأولى 2006 تعريب حصيف عبد الغني مكتبة مدبولي القاهرة.

(9).الصفحة 69 نفس المصدر السابق.

(10).صفحة 83 – 83 من كتاب " دائرة الخوف – العلويون السوريون – في – الحرب – والسلام " تأليف غولد سميث ترجمة د. عامر شيخوني الدار العربية ناشرون الطبعة الأولى 2015.

(11).صفحة 268 من كتاب " فلّاحو سورية ... أبناء وجهائهم الريفيين الأقل شأناً وسياساتهم " تأليف حنّا بطاطو ترجمة عبد الله فاضل ورائد النقشبندي. منشورات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الطبعة الأولى 2014

(12). صفحة 136- 137 من كتاب " البعث " تأليف سامي الجندي دار النهار للنشر بيروت 1969.



(13)." فقد ازدادَ عدد موظفي الدولة والقطاع العام، باستثناء الشرطة والقوات المسلحة، من 33979 في عام 1960 إلى 198079 في عام 1971 وإلى 367649 في عام 1980 وإلى 546146 في عام 1985 وإلى 717387 في عام 1992 "الصفحة 208 – 309 من كتابه" فلّاحو سورية ... أبناء وجهائهم الريفيين الأقل شأناً وسياساتهم " تأليف حنّا بطاطو ترجمة عبد الله فاضل ورائد النقشبندي ".منشورات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الطبعة الأولى 2014

(14).صفحة 304 من كتاب " فلّاحو سورية ... أبناء وجهائهم الريفيين الأقل شأناً وسياساتهم " تأليف حنّا بطاطو ترجمة عبد الله فاضل ورائد النقشبندي.

(15).الصفحة 189 من كتاب مذكرات خالد العظم الجزء الثاني. منشورات الدار المتحدة للنشر الطبعة الثالثة 1973.

(16).الصفحة 272 نفس المصدر السابق.

(17).الصفحة 7 من بحث منشور في مركز حرمون للدراسات المعاصرة بعنوان إعادة هيكلة الجيش في سورية الجديدة. فريق الدراسة اللواء محمد الحاج علي باحث رئيسي العميد خالد إبراهيم باحث مساعد 2021.

(18).الصفحة 60 من كتاب " الصراع على سورية دراسة للسياسة العربية بعد الحرب 1945- 1958 " تأليف باترك سيل. ترجمة سمير عبده ومحمود فلاحة طبعة 1986.

(19).الصفحة 60 – 61 نفس المصدر السابق.

(20).الصفحة 44 – 45 من كتاب مذكرات خالد العظم الجزء الثالث. منشورات الدار المتحدة للنشر الطبعة الثالثة 1973.

(21).الصفحة 196 – 197 من كتاب نشوان الاتاسي تطور المجتمع السوري (1831- 2011). دار أطلس بيروت الطبعة الأولى 2015.

(22).الصفحة 197 نفس المصدر السابق

(23).الصفحة 132 من بحث بعنوان " تحولات المؤسسة العسكرية السورية تحدي التغيير وإعادة التشكيل " منشورات مركز عمران للدراسات الاستراتيجية.

(24). الصفحة 11- 20 من كتاب السياق التاريخي لنشوء وترعرع الهمجية في سوريا تأليف نبيل خضر ملحم منشورات دار نرد للنشر والتوزيع الطبعة الأولى 2021.



نظام الاستبداد المعمم في سوريا مقدماته ومراحله - 16 lemonde.in 5 of 5
لومـــــوند: نبيل ملحم السادس عشر: سيرورة تطييف وترييف الدولة والسلطة في سوريا: لا بد في البداية من التأكيد وتنبيه القارئ على مسألتين ضروريت...
انشر ايضا على

عبر عن رأيك