مرفأ بيروت والانفجار الكبير

لومــــــوند : محمد وزيـــــن
لازال اللبنانيون لحد اللحظة لم يستفيقوا بعد من هول ما وقع في عاصمتهم وفي مرفئها ،قضية هزت العالم شهر غشت / اغسطس الماضي والحديث هنا عن انفجار مرفأ بيروت الذي خلف أزيد من 200 قتيل و6500مصاب ،ناهيك عن الدمار الكبير والمشهد الاكثر رعبا الذي شهدته بيروت بعد الحرب الاهلية ،وأحد أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ أو ما بات يعرف بكارثة بيروشيما و التي سببها انفجار حوالي 500 إلى 1100 طن من مادة "تي أن تي"، كما أن حجمه يعادل حوالي واحد على عشرين من حجم القنبلة الذرية التي ألقتها الولايات المتحدة الأمريكية على "هيروشيما" اليابانية، عام 1945.حسب تقرير فريق خبراء عاملين في قسم هندسة الانفجارات والصدمات في جامعة "شيفيلد" بالمملكة المتحدة .... دعونا من الارقام والمقارنات والتقارير ولنحاول بهدوء فهم ماجرى رغم أن أياد آثمة سارعت في خضم المأساة وهولها لتغليف الكارثة بسياج الغموض والتعتيم لانها تدرك أن شرفها الأخلاقي فقدته في سوريا و أن فهم حقيقة ماجرى في المرفأ سيدق آخر الأسفين في تمثلها المقاوماتي والممانعاتي في المخيال العام اللبناني والعربي . فانفجار بيروت لم يعد بالضرورة محصورا في الفعل الجرمي نتيجة اثاره الكارثية التي خلفها بل هو تجسيد اكبر لكارثة وطنية كبرى لم تكن وليدة لحظة إهمال عابرة أو قدر سيء، بل أنجبتها وقائع وممارسات سببتها الادارة السياسية الممسكة بزمام الامور في لبنان، والتي لم تُقم يوما أي وزن لحياة الناس ومصالحهم والامثلة على ذلك كثيرة، من فشلها في وضع الخطة اللازمة للخروج من الازمة الاقتصادية والمالية المزمنة، إلى الاستنسابية والهذيان اللذان ميزا تعاملها مع ازمة الدولار و تعاطيها الفاشل مع وباء كورونا، إلى باقي الازمات.لكن إنفجار المرفأ أظهر بوضوح أن لبنان إنزلق في مسار الدولة الفاشلة التي يتحدث عنها علنا حتى وزراء حكومة الرئيس حسان دياب، والتي لم يعد أحد يستسيغ محاولة تلميع صورة هذه الادارة السياسية التي تتجمل اسباب الانزلاق، لأنهم للامانة فقدوا كل الادوات التي تمكنهم من الاستمرار في ذلك من دون أن يفقدوا ماء وجوههم، فالجميع بات يعرف أن لبنان ينزلق نزولا بفضل “سلطة مرتهنة كليا للخارج “مما افقدها الاهلية الوطنية لقيادة عملية اصلاح حقيقية وفتح أبواب البلاد على مصادر الانقاذ الممكنة. قد نتساءل كما فعل بل واحتار المراقبون والاستراتيجيون عن اسباب تكتم “حزب الله” عن حادث يفترض انه يطال عمقه الامني وحاضنته اللبنانية،، ومؤسسات الدولة التي تعد “الحديقة الخلفية”، والواجهة الرسمية والحكومية لاعماله المخيفة و المخفية عن أنظار الكثيرين، كما يفترض انها “بعيدة” ايضاً عن “الموساد” و”السي اي اي”. ولكنها للاسف لم تعد كذلك. فقبل الدخول في فرضيات حصول الحادثة لا بد من التوقف عند نقاط هامة للغاية: فالتفجير جاء بعد أيام على اعلان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين ننتياهو، ان “حزب الله” اذا قصف مواقع الجيش الاسرائيلي او قام بأي عمل “عدائي”، ضد اسرائيل سيحمّل لبنان وحكومته المسؤولية وسيرد بقصف منشآته الحيوية، والمقصود هنا منشآت الدولة كالمطار والمرفأ والمؤسسات الخدماتية الخ ... عزيزي المشاهد فمثل هذه الاحداث تحتاج الى تحليل دقيق اكثر من الغوص في ارقام الضحايا وعد الخسائر المادية .حسب تقديري فكل ماجرى هو ان إيران وبسبب صعوبة ومخاطر نقل الصواريخ الى دولتها في جنوب لبنان قررت العمل على استبدال نقل الصواريخ بتصنيعها داخل لبنان طبعا بمعونة وخبرات إيرانية !.فكانت أهم خطوة في هذا الاتجاه هي نقل نترات الأمونيوم المادة الأساس في صناعة الصواريخ من أهم مصادر إنتاجها في جورجيا ! فتم شراء الشحنة (2750طن) فكانت وجهتها موزمبيق بواسطة سفينة واسمها (روسوس) التي تعود ملكيتها لقبرصي يُدعي "خرالامبوس مانولي"،وهو صاحب أسطول بحري يتخفى وراء شركات وهمية أجرها لإيغور غريشوسكين، وقبطانها بوريس يوري بروكوشيف،اما التاجر فهو برتغالي يدعى جورج موريرا وهو الذي اشترى نيترات الأمونيوم وقد عمم الانتربول النشرة الحمراء بحقهم بناءا على طلب القضاء اللبناني .في منتصف يناير بعد تكتم غير مبرر عن هوية الاطراف الضالعة في العملية ....وصلت السفينة الى بيروت وادعت وجود عطل فيها. ( كذبًا ) فتوقفت ثم تم افتعال إشكال قضائي متفق عليه بين دائنين ادعيا الخلاف امام قاضي الأمور المستعجلة لاتخاذ قرار بوقف سفر السفينة فالقاضي هو حلقة السر في القضية مهمته إقرار نقل البضاعة الى المرفأ بحجة ان وجودها لمدة المحاكمة يشكل خطرا على السفينة وبالتالي فهذا القاضي اما انه من جماعة حزب الله او مجرد قاضي مرتشي فبدلًا من ان يسفر السفينة الى موزامبيق سمح للطاقم بمغادرة السفينة ثم في مرحلة لاحقة سمح للسفينة بالسفر بعد تسوية مفتعلة للخلاف وبحجة ان العطل قد تم اصلاحه . ثم أصدر قرارا رقمه 429 تاريخ 27-4-2014 موجها إلى مدير المرفأ لنقل الأمونيوم الى مستودعات في المرفأ .! فتم النقل الى مستودعات خاصة بحزب الله يخزن فيها الاسلحة والكيماويات والمتفجرات وكان فيها كميات بسيطة من الأمونيوم سابقا وأودعت الشحنة الكبيرة في مستودع يدعى العنبر 12.للاشارة ،فجميع هذه المستودعات تحت سيطرة حزب الله وتحرسها ميليشياته فلا تقربها لا جمارك ولا امن دولة ولا امن عام ولا جيش وتدخل المواد إليها وتخرج بإمرة حزب الله عبر ( بوابة فاطمة ) وهي بوابة خاصة معروفة لا تخضع لإدارة المرفأ وهي شبيهة بالمعابر الخاصة بحزب الله على الحدود مع سورية ،فمدير المرفأ ( بدر ضاهر ) أرسل الى قاضي الأمور المستعجلة محتجا على نقل المواد وبقاءها محذرا من خطرها في 5مراسلات :
في 5-12-2014
ثم 20-6-2015
ثم 13-10-2016
ثم 19-7-2017
وفي28-12-2017
وطلب اما بتسليمها للجيش او بيعها لشركة خاصة تبيعها للخارج ولكن القاضي لم يرد ،فالسبب واضح فهذه المستودعات تحتوي على اسلحة قادمة من إيران ومن أسواق التهريب وتستعمل لتغذية عمليات حزب الله في اماكن مختلفة :
- فهناك كميات من نترات الأمونيوم توجه لمعامل صناعة الصواريخ المتعددة في لبنان
- -وقسم منها الى مجموعات حزب الله في اليمن والعراق وسورية وغيرها .
- من مستودعاته استعملت في مقتل الحريري بكمية 2،5 طن عام 2005
- كما استعمل نترات الأمونيوم في الكويت عام 2015 عبر خلية العبدلي. بكمية 500 كغ وكشفت
- الى قبرص عام 2012 بكمية 8،2 طن وكشفت
- الى بريطانيا عام 2015 بكنية 3 طن وكشفت
- الى بوليفيا عام 2017 بكمية 2،5 طن وكشفت
- الى ألمانيا عام 2020 واكتشفت في مايو الماضي
فكل ماذكرنا يدل على وجود نترات الأمونيوم في مستودعات حزب الله في المرفأ قبل وبعد الشحنة الكبرى و اسرائيل على علم بوجود مستودعات لحزب الله وتراقب وصول الأسلحة وتخزينها بالقمر الصناعي الدائم فوق لبنان. فالجميع يعرف انه خلال فترة السلام الافتراضي المبرم بين اسرائيل وحزب الله لم تتعرض المستودعات لأي هجوم بل وتغاضت اسرائيل عن دخول حزب الله الى سورية وحركته عبر المعابر الخاصة به. فبعد القرار الاميركي بطرد ايران من سورية استهدفت اسرائيل التجمعات المشتركة لقوات الحرس الايراني وحزب الله والنظام في سورية لكنها لم تتعرض لحزب الله في لبنان احترامًا منها لاتفاق الحدود معه.لكن عندما اكتشفت اسرائيل مخططا إيرانيا مع حزب الله للقيام بعمليات من لبنان بعد أن أرسل حزب الله مجموعة من 4 مقاتلين اخترقت الحدود اللبنانية - الاسرائيلية غرب القنيطرة ، اسرائيل اكتشفت محاولة الاختراق فأجهزت على الخلية المأمورة بغارة جوية ،كان ذلك بداية التحرك الاسرائيلي ضد حزب الله في لبنان ففي اليوم الموعود وصلت سفينة الى مرفأ بيروت فبمجرد إفراغ حمولتها في العنبر رقم 5 وهي عبارة عن شحنة من الأسلحة. قامت إسرائيل بالغارة على العنبر ودمرته. مع أن العنبر رقم 12 كان بعيدا نسبيا الا ان نترات الأمونيوم. تنفجر اما بسبب ماس كهربائي او إشعال نار مقصود او بسبب حرارة شديدة لذلك فإن الانفجار الناجم عن الغارة نشر شظايا وحرارة شديدة تسببت في انفجار مستودع نترات الامونيوم .!أهم شهادة على هذا هو ما ورد من السيدة نائلة تويني من جريدة النهار التي قالت انهم ( سمعوا أزيز طائرات فخرجوا إلى الشرفة المطلة على المرفأ لفهم ما يجري وفجأة رأوا وسمعوا الانفجار الأول الذي نشر غيمة سوداء ليليه الانفجار الهائل بعد أقل من دقيقة انتشرت معه غمامة صفراء او برتقالية وروائح مواد كيماوية) وتوازيا مع وقوع الانفجار دفع حزب الله بعناصر من ميليشياته الى مكان الانفجار ومنعوا أي مسؤول لبناني امني او عسكري من الاقتراب من محيط العنبر 5 و12 وغيره وكل من زار المكان كان على مسافة بعيدة من مكان الانفجار وشوهدت شاحنات تغادر على وجه السرعة المرفأ من بوابة فاطمة ،حسب شهادة الزميلين سيمون خليفة وبيير حوراني . وهذا جواب عن استفسار محتشم لرئيس الحكومة السابق حسان دياب بخصوص مصير الـ2200 طن المتبقية من الشحنة .استنادا الى تقرير إف بي آي .فاسرائيل كان هدفها من الغارة إرسال رسالة قوية لحزب الله تحذره من تبعات خرق الاتفاق المبرم معها ولم تقصد ابدا قصف العنبر 12 او لم تتوقع انفجاره بفعل الحرارة لذلك صمتت ولم تعلن مسؤوليتها بسبب العدد الكبير من الضحايا ، وكذا الدمار الهائل اما الحكومة اللبنانية فاول ما ادعته أن الانفجار وقع في مستودع مفرقعات ألعاب مخزنة ، فلا اسرائيل اعترفت ...ولا الحكومة ولا حزب الله اتهما إسرائيل في رسالة مضادة تعني أن حزب الله لا يريد الرد ولا خرق اتفاق السلام . وبالتالي فالشعب اللبناني وحده من دفع ويدفع وسيدفع ثمن هذا الصراع على أرضه بسبب وجود جيش فارسي يملك قرار الحرب والسلام مع تحول رئيس الجمهورية الى ديكور اكبر انجازاته جبر خاطر صهره كما تحول مجلس النواب الى كارتيل من المتسولين على أبواب مكاتب حزب الله الذي شكل دولة دخل دولة اختطفها بالكامل .فمع استمرار رفض لبنان إجراء تحقيق دولي في الانفجار وتفاقم الازمة الاقتصادية والسياسية بعد اصرار الفرقاء السياسيين فرملة كل جهود حلحلة الوضع والوصول الى تفاهمات لتسمية حكومة سعد الدين الحريري التي وإن شكلت لن تكون بروازا لوطن سماؤه ملبدة بغيوم الطائفية الفساد السياسي وبالتالي فالمتوقع سخط عارم وعودة المظاهرات بزخم اكبر لاسقاط قوى 14 و8 آذار وكل من يدور في فلكهما ودعم حياد لبنان كحل صار له بعد هذه المجزرة أنصار في العالم. فمقتل الحريري الذي عمر لبنان اخرج سورية من لبنان فهل تدمير ما عمره الحريري بالامس سيخرج الدولة الفارسية من جنوب لبنان ؟

مرفأ بيروت والانفجار الكبير lemonde.in 5 of 5
لومــــــوند : محمد وزيـــــن لازال اللبنانيون لحد اللحظة لم يستفيقوا بعد من هول ما وقع في عاصمتهم وفي مرفئها ،قضية هزت العالم شهر غشت / اغ...
انشر ايضا على

عبر عن رأيك