التطبيع العربي وسقوط الأقنعة
لومــــــوند : محمد وزين
إن أهم ما ميز سنة 2020 انها كانت سنة التطبيع بامتياز يعني لم نكن نعلم ان الحضن الاسرائيلي دافئ الى هذه الدرجة فحتى اكثر الصهاينة تفاؤلا بحتمية انصهار كيانهم الغاصب في جسد الامة لن يصل سقف احلامه الى واقع الحال.من منا كان يتوقع ان يكون ارتداد البعض على القيم والاخلاق بهذه الرعونة وبهذه الفظاظة فبعد توقيع الإمارات والبحرين في 15/9/2020، وإعلان السودان في 23/10/2020 الموافقة على التطبيع، بعد أشهر من لقاء جمع الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني مع نتنياهو في أوغندا. ليلتحق المغرب بركب المطبعين كرابع دولة عربية توقع اتفاق تطبيع ف 2020، والحبل على الغارب فبعد عامين من المباحثات بين المغرب واسرائيل برعاية امريكية تم التوصل الى اتفاق يقضي باستئناف العلاقات العلنية بين المغرب واسرائيل واخراجها من جنح الظلام وفق مسار تطبيعي هادئ يشبه كثيرا التطبيع المصري والاردني لكنه يفتح له دعماً إسرائيلياً وأمريكياً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً لكنه يختلف عن التطبيع الاماراتي البحريني كونه نشطا بلا قيود فالمغرب حاول تفادي اي مسار تطبيعي قد يتعثر بسببه دوره ومكانته اقليميا وكذا استثماره داخليا كيف ؟ على المستوى العربي والاقليمي وفي سعي من الملك للحفاظ على دوره الرمزي كرئيس للجنة القدس في منظمة التعاون الإسلامي.أصدر الديوان الملكي المغربي بيان إعلان تطبيع العلاقات بين المغرب والكيان الإسرائيلي برؤية المغرب لحل القضية الفلسطينية بحل الدولتين عبر التفاوض لإنجاز الاتفاق النهائي والشامل والدائم؛ وختمه بتأكيد الالتزام الأخلاقي أن هذا الإعلان لا يمس بأي حال من الأحوال الالتزام الدائم والموصول للمملكة المغربية في الدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة، وانخراطه البنّاء من أجل إقرار سلام عادل ودائم بمنطقة الشرق الأوسط.و كان لافتاً إبلاغ العاهل المغربي الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن التطبيع مع إسرائيل لن يكون على حساب القضية الفلسطينية، فالتطبيع لن يصاحبه أي اعتراف ولو ضمنياً بصفقة القرن. فهل أدرك المغرب أنه أدخل معادلة المصالح الإسرائيلية في قلب الاهتمامات المغربية ضمن سياسته الخارجية، وأنه ألغى حالة العداء مع الكيان الإسرائيلي، وتحول إلى جوانب التعاون والصداقة، وبالتالي وبغض النظر عن الطرح الرسمي المتعاطف والمراعي للبيئة الشعبية، فإن المغرب قد أخرج نفسه من معادلة النصرة المباشرة للنضال الفلسطيني، إلى معادلة الوساطة وإدارة المصالح، وهذه خسارة كبيرة للقضية الفلسطينية. فكيف سيبدو الموقف المغربي عندما تمارس اسرائيل سلوكها الطبيعي العنيف والوحشي في مواجهة الفلسطينيين، وكيف سيتعامل، مع إجراءات تهويد القدس والسيطرة على المسجد الأقصى لا سيّما أن العاهل المغربي ما زال متمسكاً بتلك الصفة الفخرية كرئيس لجنة القدس ، وهو المسؤول عن ذراعها التنفيذية “وكالة بيت مال القدس الشريف” والتي تتخذ من الرباط مقراً لها، وفي صدر مهماتها بموجب اللائحة الأساسية: إنقاذ القدس الشريف، والحفاظ على المسجد الأقصى والأماكن المقدسة، وتراثها الديني، والحضاري، والثقافي، والعمراني. فكيف وكيف وكيف ....فالتطبيع خصم مباشر وعدو للقضية الفلسطينية مهما كانت أشكاله ولا يتَّسق مع دعم فلسطين ، وأنه يؤثر سلباً على استرداد الحقوق الفلسطينية وعلى برنامج مقاومة الاحتلال وجرائمه، ويطيل عمر هذا الاحتلال، ويؤخر إنجاز تحرير الأرض المحتلة، وتحرير المقدسات.ونظراً لالتزام معظم القوى السياسية المغربية بسقف العرش الملكي في خياراته السياسية، فإن فرص معارضة هذا الاتفاق في التداول السياسي تبدو منعدمة حتى من حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، والمعارض مبدئياً وتاريخياً للتطبيع في وضع نفسه في مأزق حرج. بين فكي كماشة قناعته بسقف مؤسسة العرش والتزامه الكامل به، وشعاراته بدعم القضية الفلسطينية ورفض التطبيع، وهي الموازنة الصعبة التي جلبت عليه نقداً هجومياً مركزاً من التنظيم الدولي لاخوان رغم تناقضه الصارخ ومعياريته في التعاطي مع التطبيعين المغربي والتركي وهو ما يدل على جبن وانتهازية هؤلاء المهطعين كما لم تستطع العدالة والتنمية تقديم خطاب مقنع لانصارها ولمن يتقاطع معها من حيث المبدأ بالإضافة إلى الشامتين من حضور سعد الدين العثماني لكنهم في نفس الوقت مع الجمهور العام الذي اعتبر الامر انتصارا للدبلوماسية المغربية وليست هدية مسمومة ابدت الامر مقايضة مفضوحة ،بل رأوا في القرار الرسمي تماهيا نزقا مع محدثاث السياسة الدولية وفهم عميق لسياقاتها وفق شعار رابح-رابح وان الامن القومي المغربي خط احمر ولا مجال للمزايدات عليه رئيس الحكومة السابق عبد الاله بنكيران بما أوتي من نباهة وبدانة كان مع هذا الطرح وهو ما دفع الكثير من السياسيين والاعلاميين يهللون ويشيدون بحكمة الرجل وهو ما أراه انا حسب تقديري مناورة ماكرة تهدف الى وقف النزيف داخل حزبه الذي احس الجميع بتصدع اركانه وبالتالي بنكيران اراد ايصال رسالة الى تنظيمهم الدولي مفادها ان الأمر فوق طاقتهم فلا حول لهم ولا قرار . وفي المقابل عزفت شبيبتهم وجناحهم الدعوي ايقاعا آخر للتمويه بشكل محسوب وهو ما تم بايعاز حتى يسوق الامر انه فرض فرضا .لكن لا احدا منهم استقال لان مذاق الشهد ببساطة لا يقاوم . لكن ما يعاب على الكثير من رافعي شعار تازة قبل غزة وهو الانتقاص من القضية الفلسطينية والقائمين عليها وأما ما يعاب على رافضي التطبيع هو الانحياز للايديولوجيا على حساب الوطن فكانوا فلسطينيين اكثر من الفلسطينيين ما عدم الاكثراث لمآلات التصلب وهو مافهم اصطفافا في خندق الخصوم لكن ما يعاب اكثر على كلا الطرفين هو حشر نوتة الخيانة مما حول السجال الى حالة من الانقباض والاستفزاز فالمغرب لم يتجاوز سقف العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية نفسها ولم يخن في الماضي او حاضرا القضية الفلسطينية بل ساندها ماديا وسياسيا وفي نفس الوقت لم يكن مقطوع الصلة مع الكيان الإسرائيلي فثمة علاقة قديمة بين الطرفين تميل أكثر إلى السرية، وليس هناك حرج ديبلوماسي مغربي في الكشف عن بعض محطاتها مما يمكن وصفه بالعلاقات الدافئة. وقد ظهرت هذه العلاقة بشكل واضح عقب الإعلان عن اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الإسرائيلي سنة 1993، بينما كانت قائمة في ملفات أمنية، وعسكرية، وسياسية منذ ستينيات القرن الماضي .فمن الواضح أن القرار المغربي هو قرار المؤسسة الملكية بالأساس، لأن الشؤون الخارجية تقع في دائرة توجيهها؛وهذا الملف ككل الملفات المتعلقة بالسياسة الخارجية يُعد من من صلاحيات الملك ولا رأي عمليّ للحكومة أو البرلمان في هذا الملف السيادي لكن النظام في المغرب يدرك ان القضية الفلسطينية تعتبر من الثوابث المترسخة في المتخيل الشعبي وحجم المعارضة القوية والعميقة لدى غالبية المغاربة من التطبيع؛ مع عدم الرغبة في الاصطدام بالمشاعر الشعبية؛ وبالتالي تمرير التطبيع تم ضمن الأطر الرسمية للنظام، كشكل هادئ يحقق مصالح الطرف الإسرائيلي و المغربي بتركيزه على الجوانب السياسية والسياحية وبعض الخطوط الاقتصادية؛ دون ارتقائه الى الشكل النشط مع محاولة إظهاره معبراً لمكسب قومي هو الدعم الأمريكي لسيادة المغرب على الصحراء المغربية،وهو ماسيقوض اي فرصة سانحة للتراجع عن هذا التطبيع في ظلّ هذه الحيرة الناشئة عن وجود مكسب سياسي مباشر من ورائه، على الرغم من عدم أخلاقية هذا الابتزاز ونتائجه العكسية على الشعب الفلسطيني وقضيته ولعل السبب الأكبر في ضعف إمكانية التراجع عنه ،أن الملك يقف وراء هذه الاعتراف بقوة ويدعمه، وأنه اتخذ قراره هذا بالرغم من علمه بآثاره السلبية الكثيرة ، كما فهم في نفس الوقت مخاطر رفض ركوب قطار التطبيع وانعكاساته الخطيرة على الوحدة الترابية للمملكة وكذلك استقرارها خصوصا مع تربص دولة جارة اختطف قرارها ومصيرها عساكر السوء و استنزفوا خيراتها لاربعة عقود خدمة لمشروع يقطع اوصال المغرب والمنطقة والنتيجة دولة نفطية وغازية لكنها حسب مؤشر التنمية تتذيل الائحة وراء كل دول الوراء .فجلاوزة الحركي لا يفهمون معنى عصر التكتلات الكبرى ومنافع الشراكات الاستراتيجية فعقولهم الصدئة لا تقيم وزنا لكل هذا الكلام وعقيدتهم السياسية الفاسدة يغذيها حقد غير مبرر لجار لاضير ان وصفوه بوقاحة عدوهم الكلاسيكي فلو كان عرض التطبيع مقابل الانفصال اكانوا سيرفضونه ؟ بدون شك لا ....فغاية مطمحهم توجيه الطعنة النجلاء للمغرب واستقراره ، ستتولد المبرارات وسينبري اعلامهم الذي اثبث انه يكذب بصدق ليزيح عن التطبيع لباس القذارة ويبلسه لباس الطهارة . فالمغرب ادرك أن السّياق الحالي لا يقبل بتطبيع جزئي فالمنطقة أمام سيناريو محتوم لإعادة رسم الخرائط في المنطقة بعد الربيع العربي، بدأ بالانقلاب على الشرعيات ودعم الاستبداد، في أفق تطويق المنطقة بسياج تطبيعي من زٌبر ". فبعد قرار التطبيع حاز المغرب على إنجاز كبير لواحدة من قضاياه المركزية فالواضح أن ثمة إرادة أمريكية تحركت بسرعة وقوة لإنجاز هذا الملف بتسارع غير طبيعي، وقوة دفع استثنائية اشتغل عليها المستوى الأعلى في الإدارة الأمريكية بقيادة صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر ، لا سيّما أن هذا الملف يتضمّن مقاربات أمريكية استراتيجية، تتعلق بتغيير السياسة الأمريكية تجاه قضية الصحراء منذ أكثر من أربعين عاماً؛ حيث كانت الإدارة الأمريكية ملتزمة بقرار الأمم المتحدة بتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية، وهو الأمر الذي تعارضه المملكة المغربية، وتعرض بدلاً منه الحكم الذاتي تحت السيادة الملكية المغربية. ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية كانت حريصة على تسريع هذا الإعلان لاعتبارات تتعلق بمكانة ترامب ، وتصويره بطلاً أنجز الكثير لـ”إسرائيل”، حتى في أسوأ أحواله السياسية. ولتأكيد التزام الولايات المتحدة بتنفيذ بنود الصفقة فقد أكدت عزمها فتح قنصلية بمدينة الداخلة ويبدو أن الإغراء الأمريكي باستئناف حالة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي يتجاوز المعلَن عنها في نصّ الاتفاق؛ إذ تتحدث بعض المصادر عن صفقة أسلحة أمريكية للمغرب تتجاوز قيمتها مليار دولار، تتضمن بيع أربع طائرات مسيرة من طراز إم كيو-9 بي سكاي غارديان من صنع شركة جنرال أتوميكس ، وذخائر موجهة بدقة من نوع الأي جي أم-114 هيلفاير A، وبيف واي وذخائر الهجوم المباشر المشترك جيه دي أي إم ، إضافة إلى تعهد واشنطن بتنفيذ استثمارات في المغرب بنحو ثلاث مليارات دولار على مدى ثلاث سنوات، ولا يبدو أن بمقدور الرئيس الأمريكي القادم جو بايدن التراجع عن إعلان ترامب لئلا يغضب الحليف المغربي والإسرائيلي، فالقرار خيار استراتيجي امريكي اسرائيلي بدأ بافتتاح قنصلية إماراتية في الصحراء المغربية؛ وإعراب أبوظبي عن تأييد تحرك الرباط الأخير بمنطقة "الكركرات"، وتسليط الضوء على علاقات البلدين التي عاشت "توترا صامتا" لأكثر من عامين. بعد رفض المغرب المشاركة في حصار قطر بل كسره واحتفاظه بعلاقة جيدة مع تركيا، ثم الخلاف حول الأزمة الليبية، بالاضافة الى موقف الامارات المعادي للتيارات السياسية الذي جوبه برفض تقليدي مغربي لأي تدخل خارجي في شؤون بلاده. يعني ان أبوظبي أدركت أن أسلوب المواجهة الذي اتبعته مع المملكة المغربية لن يجدي نفعاً، وبدا أن الحل في أسلوب آخر، هو إقناع الملك بالتطبيع بزعم أن حسم ملف الصحراء سيكون عبر "تل أبيب" وبالتالي فالإمارات لعبت دوراً ما في تسهيل هذه الصفقة، وتقريب وجهات النظر ربما لتوسيع دائرة المطبّعين، ومحاصرة المواقف المعارضة، وبناء حلف استراتيجي أمريكي يضم أطرافاً عربية فاعلة تؤطرها رؤية أمريكية ناظمة.وبالتالي فليس غريبا ان ننتقل من مرحلة رفض التطبيع وادانته الى بداية مرحلة التنافس بين الجيران حول من يقدم أفضل عروض للتطبيع .