نظام الاستبداد المعمم في سوريا مقدماته ومراحله - 7

لومـــــوند : نبيل ملحم
سابعاً: مكونات الوطنية السورية الحديثة
يمكن القول أن الوطنية السورية التي عاشها السوريون في العقود الستة الأولى من القرن العشرين، نشأت نتيجة تراكب واندماج مجموعة من العناصر والمركّبات الوطنية، وحيث أن تعدد هذه المركّبات تأتى من تعدد الحوامل المشكلة للهوية الوطنية السورية الحديثة، وحيث أن كل حامل أنتج مركباً من مركّبات الوطنية المختلف عن الآخر إن كان في قيمته التاريخية ( السلبية أو الإيجابية ) أو في مدى أهميته في تشكيل الهوية الوطنية الراسخة لأي مجتمع من المجتمعات. فما هي الحوامل والمركبات التي أنتجت الوطنية السورية الحديثة ؟؟؟ ولكن قبل الإجابة عن هذا السؤال من المهم الإشارة إلى أن الحديث عن الوطنية السورية يحيلنا دائماً إلى العقود الستة الأولى من القرن العشرين، كون الوطنية السورية تلك تعرضت للتآكل والتقهقر إلى درجة الموت بفعل عوامل الاستبداد التي سادت في الواقع السوري بعد هذا التاريخ أي منذ بداية الستينيات - 8 آذار 1963- والتي لا تزال تخيم بشروطها على الواقع السوري وتقوم بقطع حبال وحوامل الوطنية السورية حتى يومنا هذا. فإذا ما أردنا تفكيك الوطنية السورية للكشف عن مركباتها التي تكونت منها خلال هذه العقود فإننا سنجد:
أولاً: إن أول مركبات الوطنية السورية الحديثة كان المركب المحمول على الهوية الجديدة للمجتمع، أي المحمول على قضية وعي الذات القومية أو يقظة الوعي القومي وبدء معارك التحرر الوطني بعد قرون من العيش في ظل دولة الخلافة الإسلامية الدينية المتعاقبة والتي كان آخر عصورها حكم استعماري أطلق على نفسه اسم دولة الخلافة الإسلامية العثمانية التي استمرت لمدة أربعة قرون متواصلة، ثم أعقبها مباشرة حكماً استعمارياً غربياً تحت مسمى الانتداب الفرنسي في سوريا. لقد قادت معركة الاستقلال عن دولة الخلافة الإسلامية العثمانية بقيادة كوكبة من النخب القومية العربية النهضوية إلى خروج المجتمع العربي من أحشاء دولة إمبراطورية دينية والانتقال من الرابطة الإسلامية الدينية النابذة والمفرقة للصفوف داخل المجتمع العربي إلى الرابطة القومية الجامعة، أي الانتقال من مفهوم الأمة الإسلامية المفرقة للصفوف داخل المجتمع العربي، وهو المفهوم الذي ابتدعته وأنتجته الطبقة المالكة للثروة والسلطة عبر كل العصور التي مرت بها دولة الخلافة الإسلامية إلى مفهوم الأمة العربية المجمع للصفوف العربية، فقد تنحت الرابطة الدينية بين أفراد المجتمع العربي والتي لطالما وقفت عائقاً أمام وقوف كل أفراد المجتمع على خط وصف واحد، فهذه الرابطة كانت تفرق بين المسلم العربي والمسيحي العربي واليهودي العربي أو بين المسلم العربي السني والمسلم العربي الشيعي أو العلوي أو الإسماعيلي أو الدرزي ...الخ فتم الانتقال نحو سيادة وطغيان الوعي والرابطة القومية على حساب الرابطة الدينية بين البشر، فالرابطة القومية جعلت الجميع يقفون على خط واحد بعد قرون من التفرقة والانقسام والتخندق والصراع المذهبي والتمييز الديني. يكفي هنا لمعرفة مدى التحول الذي حصل نتيجة الاستقلال عن دولة الخلافة الإسلامية العثمانية معرفة مدى تنوع التركيبة المناطقية والإقليمية والطائفية التي تشكلت منها أول حكومة في دمشق بعد الاستقلال عن دولة الخلافة العثمانية، يقول صقر أبو فخر في مقال بعنوان مائة عام على الحكومة العربية في دمشق : ملكية مقيدة ودستور علماني " لقد كانت الحكومة العربية في دمشق تجسيداً رائعاً لليقظة العربية التي انطلقت في أواخر القرن التاسع عشر بعد ركود طال، ورقاد تطاول في ظل الحكم التركي الذي امتد 400 سنة. واليقظة العربية تلك تمكنت، من دون قصد، من تفكيك الرابطة الإسلامية التي استخدمت باستمرار لتأبيد سيطرة الأتراك على العرب. آنذاك، صارت دمشق قبلة العرب وعاصمتهم ومهوى أفئدتهم وحاملة بيارق العرب كلهم وتطلعاتهم إلى الوحدة والحرية والاستقلال، وتجمع فيها، بعد دخول الأمير فيصل بن الحسين، رجالات العرب كلهم تقريباً "(1). " فهؤلاء وغيرهم تمكنوا من تأسيس حكومة جسدت الحلم العربي البهي الذي كان النقيض المباشر للإقليمية والطائفية، ومثل الخلاصة الباهرة لفكرة المواطنة المتساوية في دولة عصرية ديمقراطية "(2). " لم ينص دستور المملكة العربية السورية الذي صدر في 13 / 7 / 1920 على دين الدولة بل اكتفى بالنص على أن يكون دين الملك الإسلام وأن حكومة الملك هي حكومة مدنية نيابية ونص، فوق ذلك، على عدم جواز تكليف أي شخص من الأسرة المالكة تولي الوزارة،...الخ "(3). وقد عملت القوى الغربية الاستعمارية على محورين لتضييق الخناق على البرجوازية السورية وعلى الوطنية السورية الناشئة معها ومع دولتها الحديثة وسوقها الاقتصادية.
المحور الأول: تمثل في تضييق المساحة الجغرافية والبشرية والسياسية على حدود البرجوازية السورية ( تحديد إطار دولتها وسوقها ) من خلال ما عرف بالتاريخ الحديث مؤامرة سايكس 0 بيكو على شعوب المنطقة والتي تم بموجبها اقتطاع وسلخ أجزاء من سوريا الطبيعية(4). وإلحاقها بكيانات أخرى عربية أو أجنبية أو من خلال زرع كيانات جديدة في أحشائها. فبالإضافة إلى تقسيم المنطقة إلى كيانات قطرية كل منها يخضع لأحد الدول الاستعمارية الغربية، فقد تم إلحاق الأقضية الأربعة السورية بجبل لبنان لتشكيل ما عرف بلبنان الكبير(5). كما تم سلخ مرسين وأضنة من شمال سوريا ( منطقتي الاسكندرون وقيليقية ) وإلحاقهما بتركيا. كما تم التمهيد لغرس كيان غريب على أرض فلسطين من خلال ما عرف بوعد بلفور المشؤوم الذي تم بموجبه قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين عام 1948.
المحور الثاني: تمثل في تفتيت وتقسيم ما تبقى من سوريا الطبيعية إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات القائمة على أسس مناطقية وطائفية وإثنية، فتم إنشاء دولة للعلويين، ودولة للدروز، ودولتين للسنة، واحدة في دمشق، والأخرى في حلب، وسنجقاً مختلطاً في الجزيرة ( دير الزور – الحسكة ). لقد فشلت البرجوازية التقليدية السورية ومعها شقيقاتها العربيات في التصدي لمؤامرة تقسيم المنطقة ( ما يمكن تسميته تقسيم الكيان القومي العربي ) وفق مؤامرة سايكس – بيكو، فميزان القوى السياسي والعسكري والاقتصادي كان راجحاً لمصلحة القوى الغربية الاستعمارية صاحبة المصلحة في التقسيم، مضافاً إلى ذلك ما ولده وخلقه واقع تقسيم المنطقة إلى مجموعة من الدول القطرية من مصالح خاصة لدى بعض الزعامات السياسية العربية التي أصبحت تجد في استمرار التقسيم مصلحة لها، كونه يؤمن لها بسهولة مركز القيادة السياسية والسيادة في كيانها القطري من دون منازع من شقيق عربي أقوى، وهو الأمر الذي كانت تغذيه باستمرار القوى الاستعمارية التي كانت مصالحها تتحقق بديمومة واستمرار هذا التقسيم من خلال دعم الزعامات العربية المرتبطة بها. في المقابل فقد استطاعت البرجوازية التقليدية السورية إفشال المحور الثاني من الفعل التخريبي الاستعماري في الجسد والهوية الوطنية السوري الناشئة، من خلال رفضها لمشروع تقسيم سوريا إلى مجموعة من الدويلات الطائفية. فكانت معركة التحرر الوطني لنيل الاستقلال وتشكيل الوطن والدولة السورية المستقلة الواحدة. فقد خاضت البرجوازية السورية نضالاً دؤوباً على مدار أكثر من عقدين من الزمن، استطاعت في سياق هذا النضال أن تعبئ خلفها كل طاقات المجتمع في معركة إفشال التقسيم الوطني القائم على الطائفية والمناطقية. وبهذا استطاعت أن تشعل جذوة الوطنية السورية التي ظلت تسري في عروق المجتمع السوري وتمده بالحرارة اللازمة لبقاء الوطنية السورية حية ومزدهرة، وقد ظلت الوطنية السورية الناشئة متقدة إلى أن أتى الاستبداد في انقلاب 1963، الذي وفر المناخ اللازم لإطفاء جذوة الوطنية السورية من أساسها.
ثانياً : ثاني مركّبات الوطنية السورية كانت الوطنية المحمولة على الإيديولوجيا: فقد شكل عجز البرجوازيات العربية في إفشال مخطط التقسيم القومي الذي جاء في اتفاقية سايكس – بيكو، وبعدها عجزها في فلسطين، المقدمة الضرورية لصعود الجيل الثاني – بعد رجالات الاستقلال - من رجالات السياسة في الواقع السوري والعربي، ومركب ثان من الوطنية عرفته كل شعوب المنطقة العربية، وهي الوطنية المحمولة على الإيديولوجيا القومية البرجوازية الصغيرة. فتقسيم المجتمع العربي إلى مجموعة من الكيانات القطرية قطع الطريق على البرجوازية العربية من إمكانية تشكيلها للأمة العربية بالطريقة التي شكلت بها البرجوازيات الأوروبية أممها القومية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أقصد بذلك تشكل الأمة – الدولة من خلال تشكل السوق القومية الواحدة وبالتالي السلطة والدولة القومية الواحدة. إن هذا الواقع شكل الأرضية لصعود الأحزاب القومية البرجوازية الصغيرة وإيديولوجيتها القومية في الواقع العربي التي استبدلت ما فعلته مداميك قوى السوق في الواقع الأوروبي عبر قرون من التطور من عامل صاهر ومولد ومشكل للأمم الأوروبية بمداميك إيديولوجيتها القومية البرجوازية الصغيرة الواهمة والتي أخذت أكثر من اسم ومحتوى وشكل – قومي سوري اجتماعي، قومي بعثي، قومي اشتراكي، قومي عربي، قومي ناصري ...الخ، وحيث أن جميعها أنكرت الواقع القطري والوطنية القطرية، واعتبرت هذه الوطنية معطىً استعمارياً ينبغي رفضه واستبداله بوطنية نظرية " متخيلة "(6) أو شبه متخيلة، هي الوطنية القومية. وحيث أن أهم صفات هذا النوع من الوطنية:
أ: إنها وطنية زائفة وتنتمي للوهم. كون الإيديولوجيا أي إيديولوجيا عاجزة بمفردها عن تشكيل المداميك الضرورية واللازمة لتشكيل نوع كهذا من التطور التاريخي في حياة أي مجتمع من دون توفر مجموعة من الشروط الموضوعية السياسية ( توفر عامل الحرية ) والاقتصادية ( توفر قوى السوق الحرة ) التي تسمح بتحقق هذا الإنجاز والصهر التاريخي لمجتمع في أمة ودولة واحدة على أرض الواقع. فالوطنية القومية وكأي قضية تطرحها الإيديولوجيا أي إيديولوجيا، تحولت إلى قضية زائفة وتنتمي للوهم نتيجة إصرار أصحابها على طرحها واعتبارها الوطنية الوحيدة الممكنة في لحظة لا يوفر الواقع لها شروط التحقق والتجسد الواقعي، فشروط تحقق أي قضية في عالم الذهن والفكر هو غيره في عالم الواقع المادي، فابتعاد أي قضية أو فكرة عن عالم الوهم يأتي من مطابقتها لشروط الواقع لا من مطابقة الواقع - من خلال قسره وجعله واقعاً متخيلاً كي يصبح مطابقاً - لشروط الفكرة الذهنية.
ب: هي وطنية مؤقتة وعابرة. فحتى عندما تسمح الشروط الموضوعية للعامل الإيديولوجي بتحقيق ذلك في بعض اللحظات التاريخية فإن نوعاً كهذا من الوطنية تكون عابرة ومؤقتة ولا يمكن للإيديولوجيا أن تشكل عاملاً صاهراً إلى ما لا نهاية فالوطنية السوفييتية الستالينية مثلاً والتي قامت على الإيديولوجيا وفي شروط انعدام الحرية سرعان ما تفككت وتبخرت مع الزمن مع أول فرصة سمحت لها في التعبير الصريح عن ذاتها بشكل حر. كما أن الوطنية القومية التي نشأت في زمن الوحدة المصرية السورية 1958، سرعان ما تفككت وانتكست كونها قامت على العامل الإيديولوجي فقط وعلى حساب نضج العاملين السياسي والاقتصادي اللازمين والمناسبين لنجاحها واستمرارها.
ج: الصفة الثالثة لهذا النوع من الوطنية هي كونها وطنية مبنية على الصراع مع الخارج الذي تآمر وقطع الطريق على إمكانية بناء هذه الوطنية القومية بشكل طبيعي. إن الوطنية الحقّة هي الوطنية التي تنشأ أولاً بين أبناء المجتمع بمعزل عن معاداة الخارج, ثم يأتي استنهاض هذه الوطنية لمواجهة أي عدو خارجي كتجل و تجسيد ملموس للوطنية القائمة, فالوطنية الحقّة هي التي تنشأ في ساحات و ميادين الوطن الداخلية من خلال شبكة العلاقات والحقوق التي تقوم بين أبناء الوطن و بين المجتمع و الدولة الوطنية. أما الوطنية المبنية على العداء للخارج فأن أهم ما يميزها هو كون معيار الوطنية لا يقوم على ما يقدم من منجزات وأعمال على الصعيد القطري بل يقوم على الأعمال العدائية ضد الخارج حتى لو كانت هذا الأعمال مجموعة من المواقف والشعارات السياسية البراقة. والأخطر من ذلك أن القوميين أصحاب هذا النوع من الوطنية وبعد أن وصلوا إلى سدة السلطة أعفوا أنفسهم من القيام بأي إنجاز داخلي له قيمة بحجة أن كل الإمكانيات والجهود كلها تصرف لتحقيق الانتصار على الأعداء في الخارج، وبأنه لا ينبغي انتقادهم ومحاسبتهم من أي طرف، فحسب نظريتهم الوطنية القومية لا ينبغي أن يعلو صوت فوق صوت المعركة مع الأعداء في الخارج حتى ولو كانت هذه المعركة تخاض فقط عبر وسائل الإعلام.
إن المفارقة الكبرى في منطق أصحاب الوطنية القومية هو أنهم عندما كانوا خارج السلطة كانوا مستعدين للتفريط بما هو قطري على مذبح ما هو قومي ومهما كانت الشروط، كما فعلوا عندما جروا سوريا إلى قبضة دكتاتورية عبد الناصر وفرضوا الوحدة بين سوريا ومصر بشروط الديكتاتورية الناصرية. بالمقابل فإنهم عندما أصبحوا على رأس السلطة في سوريا والعراق بعد 1963 فإنهم جميعاً ( من تحت الطاولة وبعكس ما كانوا يتبجحون به فوق الطاولة ) كانوا يتهربون من الوحدة والاتحاد في دولة واحدة خوفاً من فقدان كراسيهم في رأس السلطة، ولا داعي لذكر الشواهد كونها لا تعد ولا تحصى وتشمل كل النظم التي حكمت باسم الإيديولوجيا القومية في سوريا والعراق ومصر وبعدها في ليبيا واليمن...الخ.
د: يمكن القول بسهولة إن هذا النوع من الوطنية يقوم على التهييج الإيديولوجي من خلال اعتماد الخطاب الشعبوي، فهذا النوع من الوطنية هو أقرب إلى الهياج العاطفي والعابر وله طابع الموجات والمناسبات والفزعات العروبية، التي سرعان ما كانت تهدأ وتخبو لا بسبب الانتصار على العدو الخارجي بل في الغالب بسبب انكشاف كذب أصحاب هذا الخطاب والوطنية المزيفة. كما كانت تتحول في بعض اللحظات إلى نوع من الوطنية أو القومية الشوفينية المتعصبة، كما تحولها في لحظات أخرى إلى نوع من البضاعة والسلعة التي تباع وتشترى في سوق المزايدات السياسية والحزبية. والأخطر من كل ذلك هو تحولها إلى غطاء لتمرير سياسات دنيئة لا علاقة لها بالوطنية والقومية, وفي كثير من الأحيان يكون لها علاقة بنوع من المشاريع السياسية الطبقية الخاصة أو نوع من المشاريع السياسية الطائفية أو الدينية أو حتى القبلية, وفي كل الحالات كانت هذه الوطنية غطاء لتبرير نهب موارد المجتمع والدولة بحجة تأمين مستلزمات محاربة العدو الخارجي، وغطاء لاحتكار القرار السياسي الوطني واستبعاد بقية قوى المجتمع عنه.
ثالثاً: ثالث وأهم المركبات التي شكلت الوطنية السورية الحديثة كانت الوطنية التي يمكن تسميتها بالوطنية المحمولة على التحولات الكبرى التي تعرفها المجتمعات البشرية في لحظة من لحظات تطورها التاريخي، والتحول التاريخي في حياة المجتمع السوري في النصف الأول من القرن العشرين كان التحول نحو نظام اجتماعي جديد هو النظام البرجوازي. وهذا النوع من مركبات الوطنية عرفته كل المجتمعات البشرية في لحظة الانتقال من نظام اجتماعي قديم إلى نظام اجتماعي آخر جديد, حيث تنشأ وطنية ناجمة عن مجموعة الحقوق والمكتسبات التي تنالها الطبقات الاجتماعية في سياق التحول والانتقال إلى النظام الجديد, سواء كان نظاماً اجتماعياً أو سياسياً, حيث تفتح في هذه اللحظات آفاقاً جديدة للتطور أمام كل أفراد المجتمع أو أغلبيتهم وعلى كل الصعد الاقتصادية والسياسية والثقافية, وهذا النوع من الوطنية عرفته المجتمعات ما قبل الرأسمالية والمجتمعات الرأسمالية وما بعد الرأسمالية(7). صحيح أنه في الحالة السورية وكما في كل في مجتمعات الأطراف لم يتم الانتقال والتحول من المجتمع الإقطاعي إلى المجتمع البرجوازي بالكيفية والنوعية التي عرفتها مجتمعات المراكز الرأسمالية الأوروبية، إن كان من حيث المدى الزمني والتاريخي الذي استغرقته عملية التراكم والتطور البرجوازي وتكون السوق والطبقات الجديدة ...الخ ، ثم ولادة الأمة القومية في دولة، التي استهلكت قروناً من الزمن في أغلب المجتمعات الأوروبية، ولا من ناحية استكمال هذه العملية حتى شوطها الأخير وولادة لحظة القطع في ثورة، وبما يعني التخلص السياسي والناجز والنهائي من طبقة الإقطاع إن كان بطريقة سلمية وبطيئة كالحالة البريطانية أو بطريقة حاسمة وجذرية كما الحالة الفرنسية، أقول بالرغم من ذلك يمكن أن نتلمس آثار الانتقال إلى المجتمع البرجوازي في الحالة السورية وأثرها على تكون الوطنية السورية وذلك عبر ملاحظة:
أولاً: الوطنية المحمول على الحامل الطبقي نتيجة التحول التاريخي نحو الهويات الطبقية الوطنية الناتجة عن ولادة الوعي الطبقي بدل الهويات القديمة الدينية والطائفية والمناطقية. فالوطن ليس مجموعة من الأجزاء والكتل البشرية والجغرافية المتساكنة مع بعض أو الموصولة بعضها ببعض بشكل اعتباطي وإنما هو نسيج مركب تاريخي اجتماعي اقتصادي سياسي ثقافي روحي متشابك ومتداخل بخيوط متعددة الألوان والأحجام. وهذا النسيج هو ما نسميه النسيج الوطني والذي يشكل الوطن الحقيقي لمجموعة بشرية تعيش على بقعة جغرافية محددة. فمع تشكل هذا النسيج ومن خلاله يتم صهر كل الخيوط التي تشكل نسيجاً لا يعرف أي شكل من أشكال الانقسامات البدائية الأولية العمودية بل يعرف شكلاً جديداً أرقى من الانقسام هو الانقسام الطبقي السياسي, فمع وعي طبقات المجتمع في إطار علاقاته الإنتاجية يولد الإطار التاريخي لوحدة المجتمع، والصراع داخل المجتمع، أي نصل إلى المجتمع البشري الناضج الذي يستحق هذه الكلمة بكل ما تعنيه من معنى، فالانقسام هنا بين البشر غير قائم على أساس الدين أو العرق أو المنطقة أو العشيرة أو القبيلة ...الخ وإنما قائم على أساس المصالح المادية والحاجات المادية للبشر وحيث الصراع الطبقي من أجل هذه المصالح يصبح محركاً لتطور المجتمع وتقدم التاريخ. فما يلغي وينفي صفة الوطن لمجموعة بشرية تقيم على أرض محددة ليس أن يحكمها حاكم ونظام مستبد فحسب بل أن يقوم هذا الحاكم بتقسيم وتفتيت المجتمع إلى مجموعة من المزارع الطائفية أو القبلية أو العرقية أو الإثنية أو الكل معاً وحيث الكل هنا قطاعات من مزرعته الكبرى. وعلى هذا الأساس يكون أخطر ما تتعرض له الأوطان ليس أن يدوس ويدنس هذا النسيج احتلال أجنبي ما, وليس أن يقوم هذا الاحتلال بنهب وسرقة الثروات الوطنية للمجتمع, فمهما طال الزمن تستطيع الشعوب طرد المحتل وبطرق متعددة وتستطيع تنظيف نسيجها الوطني من رجس أقدام المحتلين والتخلص من كل أعمالهم وأفعالهم في النهب والسلب, فالأوطان تبقى مهما طال أمد احتلالها، كما أن أخطر ما يتعرض له مجتمع من المجتمعات هو أن يحكمها حاكم يعمل على تمزيق وتفكيك نسيجها الوطني, أي عملية فك خيوط النسيج الوطني بعضها عن بعض وإعادة المجتمع إلى حالة الاجتماع البدائي الأولي, أي إعادة المجتمع إلى حالة التكوين البدائي حيث يصبح كل خيط من الخيوط المشكلة للمجتمع عبارة عن كيان خاص مستقل لا يربطه أي رابط بالخيوط الأخرى للجماعات البشرية التي تقيم على نفس الأرض. لقد عرفت سوريا خلال العقود الستة الأولى من القرن العشرين ولادة وصعود طبقات اجتماعية جديدة على مسرح الحياة والتاريخ السوري، فكان أن عرف المجتمع إلى جانب طبقة الإقطاع والفلاحين القديمتين صعود البرجوازية السورية وإلى جانبها الطبقة العاملة، كما كانت ولادة واتساع حجم ومكانة الطبقة الوسطى من البرجوازية الصغيرة داخل طبقات المجتمع، وبالتوازي مع ذلك عرفت سوريا في نفس الفترة ولادة التعبيرات السياسية الحزبية التي مثلت كل طبقات المجتمع السوري، فكانت الأحزاب التي مثلت البرجوازية التقليدية السورية بكل شرائحها، والحزب الشيوعي السوري الذي تنطح لتمثيل طبقة العمال والفلاحين، والحزب العربي الاشتراكي بقيادة أكرم الحوراني الذي تركز نشاطه في أوساط الفلاحيين بشكل أساسي وعمل على حمل قضيتهم والدفاع عن مصالحهم، وكانت الأحزاب البرجوازية الصغيرة القومية بكل أشكالها والتي ادعت بدورها تمثيل العمال والفلاحين، وقد شاركت هذه الأحزاب كلها - وإن كان بدرجات مختلفة - من خلال حراكها السياسي والثقافي والإيديولوجي في توليد الوطنية السورية من خلال مساهمتها برفع مستوى الوعي الطبقي داخل المجتمع، ومن خلال وجودها وتمثيلها الطبقي السياسي الموضوعي لشريحة أو مجموعة شرائح طبقية داخل المجتمع، فقد لعب تمثيلها السياسي الطبقي دوراً مهماً في بناء الوطنية السورية الحديثة، حيث نقلت المجتمع السوري من مجتمع مكون من جماعات بشرية لا تميز نفسها وخصوصيتها وهويتها إلا من خلال الدين أو الطائفة أو المنطقة، إلى جماعات بشرية تتبنى وتعي هويتها وخصوصيتها الجديدة الطبقية – الفلاحية أو العمالية أو البرجوازية أو البرجوازية الصغيرة - الممتدة على كامل التراب الوطني والمخترقة للكيانات الطائفية والدينية والمناطقية...الخ، وهنا يمكن القول بأنه إذا وجدت علاقة – مباشرو أو غير مباشرة - في التاريخ الحديث كله بين أي سوريين من طوائف مختلفة ومن مناطق ومدن مختلفة وبعيدة بعضها عن بعض فأن الفضل في تلك العلاقة يعود إلى أحد الأحزاب السياسية السورية في تلك الفترة التي ربطت المجتمع السوري من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه بروابطها السياسة والطبقية، وقد شكل الحزب الشيوعي بشكل خاص وأكثر من غيره – دون التقليل من دور غيره - صورة مصغرة عن المجتمع السوري، فكان في صفوفه كل مكونات المجتمع السوري المناطقية والطائفية والقومية والدينية والإثنية. وحيث أن كل الذين كانوا يلتقون في صفوف الحزب الشيوعي أو غيره من الأحزاب- باستثناء حزب الإخوان المسلمين - كانت هويتهم الوطنية والطبقية تتقدم على هوياتهم السابقة الضيقة الطائفية او المناطقية ...الخ.
ثانياً: الوطنية المحمولة على التحول التاريخي المرتبط بصعود الطبقة الجديد البرجوازية، وعملها لبناء دولة المواطنة البرجوازية الحديثة. فقد شكلت دولة المواطنة التي أقامتها البرجوازية التقليدية السورية أحد الحوامل التي أنتجت أحد أهم مركبات الوطنية السورية، فبالرغم من بعض شوائبها فإن المجتمع السوري لم يعرف يوماً مثل هذه اللحمة الوطنية لا قبل هذه المرحلة ولا بعدها, وطنية ظلت تقاوم حوالي نصف قرن من الزمن حتى استطاعت قوى الاستبداد أن تقضي عليها وتجعلها أثراً بعد عين أو تجعلها ذكرى جميلة من ذكريات السوريين. فالوطنية السورية نمت وترعرعت داخل إطار و ميادين و ساحات المجتمع المدني و تنظيماته و مؤسساته المستقلة و الحرة التي نشأت في إطار الدولة السورية الحديثة البرجوازية في كل ميادين الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية, كونها ارتبطت مع مجموعة الحقوق التي اكتسبها المجتمع داخل مؤسسات المجتمع المدني، تلك الحقوق التي اعترفت بها الدولة وأقرتها قولاً وعملاً إن كان على مستوى المنظومة الحقوقية أو في الممارسة السياسية اليومية. إن مفهوم الوطنية المبني على مفهوم المواطنة والتي تتمثل بوعي الفرد بانتمائه للمجتمع من خلال مجموعة الحقوق التي اكتسبها داخل المجتمع المدني و جعلته فرداً مواطناً صاحب حقوق، و فرداً مواطناً عليه واجبات اتجاه المجتمع، أي اتجاه وطنه، حيث يأتي واجب الدفاع عن الوطن كأحد هذه الواجبات، وتنشأ الوطنية هنا من خلال الوعي الجدلي لتلك العلاقة بين مجموعة الحقوق التي يكتسبها الفرد المواطن ومجموعة الواجبات المدعو للقيام بها اتجاه المجتمع والوطن، فلا مواطنة دون حقوق ولا وطنية دون مواطنة. فأي وطنية لا تقوم على أساس المواطنة هي وطنية ظرفية مؤقتة و عابرة أو لنقل وطنية غريزية تنشأ و تندفع في لحظات استثنائية من التاريخ ثم تخمد و تنطفئ في لحظات أخرى. فلا يمكن الحديث عن وطنية حقة دون قيام الدولة التي تعترف بالحقوق السياسية للمجتمع دون استثناء من عرق أو لون أو انتماء طبقي أو ديني أو قومي ...الخ, وهنا نقول الحقوق السياسية للتفريق بين المجتمعات الإنسانية والمجتمعات التي قامت على أسس بهيمية , حيث الحقوق الاقتصادية هي الحقوق الوحيدة المعترف بها للمجتمع وبشكل مقنن, ونقصد بالمجتمعات البهيمية تلك المجتمعات التي عاشت في ظل الدولة الاستبدادية الحديثة, أي دول العبوديات الحديثة الستالينية بشكلها السوفييتي أو الصيني الماوي أو بشكلها القومي (ذات الأصول البرجوازية الصغيرة)، كما دول العبوديات القديمة التي عرفتها شعوب الشرق بشكلها الإقطاعي أو العبودي. فالإنسان عندما يجرد من حقوقه السياسية يجرد من بعده الإنساني ويتحول المجتمع إلى مجتمع بهيمي حيواني، حيث يفقد فاعليته في التاريخ, ويصبح مجتمعاً منفعلاً في التاريخ بدل أن يكون فاعلاً وصانعاً للتاريخ وحركته، فالفرد الذي يجرد من حقوقه السياسية يجرد من بعده الإنساني, وكذلك المجتمع ودوره في التاريخ.
إن الوطنية تتسع وتكبر داخل أي مجتمع بمقدار اتساع دائرة أصحاب الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع, فإن ضاقت هذه الدائرة ضاقت الوطنية وإن كبرت واتسعت كبرت واتسعت و ترسخت الوطنية, وهنا من المهم الإشارة إلى أن الحقوق هي حقوق سياسية واقتصادية واجتماعية وليست حقوقاً اقتصادية فقط , فكل حق اقتصادي لا يمكن الدفاع عنه بأدوات سياسية هو حق بهيمي حيواني وليس حق إنساني, فعندما نقول دائرة الحقوق نعني دائرة الحقوق السياسية بالدرجة الأولى ثم الاقتصادية والاجتماعية بالدرجة الثانية, لأن الحق السياسي هو الحق الذي تتأسس عليه كل الحقوق وهو الحق الإنساني بامتياز, وهذه الإشارة مهمة للتمايز عن الماركسية الستالينية والماوية البهيمية التي لا تنظر إلى البشر إلا بوصفهم أصحاب حقوق اقتصادية.
إن القول أن العامل الحاسم في تشكل إن كان الهوية الوطنية القطرية أو الهوية القومية المتبلورة والمتجسدة بأمة يتمثل فقط وبشكل مجرد بوحدة السوق الاقتصادية القطرية أو القومية دون الإشارة إلى المناخ والتربة والبيئة التي تتم فيها هذه الوحدة هو قول ستاليني مضلل إيديولوجياً ومعرفياً، فالسوق الواحدة لتشكل الأمة لا تصنع أمماً و لا تصنع وطنية غير الوطنية والأمة الزائفة، إن جل ما تصنعه السوق الواحدة دون شروط و بيئة الحرية (8)، هو نوع من الحظيرة البشرية تحت اسم أمة أو روح وطنية, إن الذي يجعل السوق الواحدة رابطاً و جامعاً و صانع وطنية قطرية أو أمة قومية في المجتمع الرأسمالي أو في إطار النظام الاجتماعي البرجوازي هو المناخ الذي تنشأ فيه هذه السوق, و نقصد بذلك مناخ الحرية الاقتصادية التي يتم في إطارها تشكل وقيام السوق, وتحديداً حرية قوى السوق التي تم التعبير عنها في القاموس البرجوازي الأوروبي بذلك الشعار الشهير " دعه يعمل دعه يمر "، ومناخ الحرية السياسية الذي يترافق مع الحرية الاقتصادية أو يعقبها, أي في شروط ولادة المجتمع المدني الذي يضم في إطاره قوى السوق وغيرها من قوى المجتمع, حيث تصبح منظمات و مؤسسات المجتمع المدني الحرة المستقلة ومنظمات قوى السوق هي الخيط الرابط الذي يتم من خلاله الاتصال والتواصل بين المجموعات البشرية وبين الأفراد داخل المجتمع, وهذا الخيط وهذا التواصل هو الذي يولد الروح الوطنية وروح الأمة, فلا قيمة لأي تطور مادي اقتصادي يحققه أي نظام سياسي أو اجتماعي ما لم يترافق ذلك مع تطور القيم الإنسانية والأخلاقية والثقافية والروحية والحضارية للبشر. فأي تطور لا يكون محوره وهدفه الإنسان وتطور كينونته أو أي تطور لا يعكس نفسه موضوعياً على تطور كينونة الإنسان الشاملة هو تطور أجوف فارغ يتلاشى مع الزمن. أنه نوع من الفقاعة التاريخية الجوفاء، وهذه الفقاعة التاريخية تحدث أكثر ما تحدث في التاريخ عندما تقود الدولة عملية التطور، وهي الحالة التي عرفتها شعوب الشرق في العصور القديمة والوسيطة والحديثة. فالوطنية وروح الأمة لا تقوم وتولد إلا من خلال العلاقة الحرة والمباشرة بين الأفراد الأحرار داخل المجتمع, وهذه الرابطة والعلاقة المباشرة لا يمكن أن تتشكل وتولد إلا من خلال المؤسسات والمنظمات داخل المجتمع المدني, والتي تقوم على كامل المساحة الجغرافية والبشرية للمجتمع دون تمييز بين فرد وآخر على أساس الطائفة أو القبيلة أو العشيرة أو المنطقة أو حتى العرق أو الدين. أما الارتباط والاتصال بين أفراد المجتمع من خلال منظمات ومؤسسات غير حرة ومستقلة كالتي نجدها في السوق والمنظمات التي تقيمها النظم الشمولية تحت قيادة السلطة والدولة الاستبدادية بشكلها ونموذجها الحديث الستاليني (القومي أو الشيوعي) فإنه لا يقود إلا إلى الوطنية الزائفة والهشة والتي لا ترتكز على أي أساس مادي تحتي اقتصادي أو سياسي أو ثقافي, ولهذا نجد أن الروابط الوطنية التي تتكون في ظل هكذا أنظمة شمولية استبدادية تنهار بسرعة أمام أول أزمة يمر بها النظام الاجتماعي أو لنقل الدولة الاستبدادية, ويمكن أن نجد الكثير من الأمثلة في التاريخ القريب والبعيد عن أمم قامت في مناخ وشروط انعدام الحرية وكيف أن هذه الأمم كانت عرضة للانهيار والانكسار والتراجع أمام أول أزمة عاشها النظام الاجتماعي أو أمام أول أزمة تعيشها الدولة الاستبدادية التي نما وتطور في ظلها النظام الاجتماعي، وأبلغ مثال هو حال المجتمع والأمة العربية التي تارة تكون فيها الأمة والوطنية في القمة وتارة تكون فيها في الحضيض وهذه الحركة التموجية بين الصعود والانكسار ناتج عن عدم توفر وتكون الأساس المادي الاقتصادي والسياسي والثقافي لنشوء وتكون الأمة العربية بشكلها الناجز إن كان على المستوى القطري أو القومي.
............................................................................................
المصادر:
(1). مقال صقر أبو فخر بتاريخ 23 / 7 / 2020، المنشور في موقع الأوان حيث يتابع في نفس المقال كاشفاً عن أسماء هذه الشخصيات فيقول: " فمن العراق: ياسين الهاشمي وطه الهاشمي وجعفر العسكري ومولود وجميل المدفعي وعلي الأيوبي وناجي السويدي وتوفيق السويدي ونوري السعيد وتحسين العسكري وتحسين علي وثابت عبد النور واسماعيل نامق ورشيد الخوجة وإبراهيم كمال. ومن فلسطين: الحاج أمين الحسيني وعوني عبد الهادي ومحمد عزة دروزة ومعين الماضي وعبد القادر المظفر وسعيد البديري الكرمي وأحمد حلمي عبد الباقي وصبحي الخضراء وإسحق البديري وسعيد الحسيني ومحمد علي التميمي وإبراهيم هاشم. ومن لبنان عادل أرسلان ورشيد طليع ورستم حيدر وفؤاد سليم وسعيد عمون وأسعد داغر ورشيد الحسامي وتوفيق الناطور ورضا الصلح ورياض الصلح. ومن سوريا: هاشم الأتاسي وإبراهيم هنانو وصبحي بركات ومظهر رسلان وإحسان الجابري وأحمد مريود ومحمود الفاعور ومصطفى الشهابي وكامل القصاب وعبد الرحمن الشهبندر وخالد الحكيم وشكري القوتلي وسلطان الأطرش ونبيه العظمة وخير الدين الزركلي وفخري البارودي ويوسف العظمة وفارس الخوري وساطع الحصري ونجيب شقير وجميل مردم ".
(2). مقال صقر أبو فخر بتاريخ 23 / 7 / 2020، المنشور في موقع الأوان، حيث يتابع في نفس المقال فيقول: " فسورية آنذاك كان الملك فيها حجازياً ( الملك فيصل )، ورئيس برلمانها المؤقت مصرياً من أصول لبنانية ( رشيد رضا )، وقائد جيشها عراقياً ( ياسين الهاشمي )، ووزير داخليتها لبنانياً ( رضا الصلح )، ووزير خارجيتها فلسطينياً ( سعيد الحسيني )، وحكام المناطق يتحدرون من معظم بقاع العراق وبلاد الشام، والجميع سوريون، ولا أحد يستهجن ذلك قط. ومدينة دمشق نفسها التي كان حاكمها سنياً دمشقياً (علي رضا الركابي ) لم تجد أي غضاضة في أن يكون رئيس مجلس الشورى العسكري فيها سنياً من بغداد ( ياسين الهاشمي )، وأن يكون رئيس العدلية مسيحياً من دير القمر ( اسكندر عمون )، ورئيس المالية مسيحياً من الشويفات ( سعيد شقير )، ورئيس الأمن العام مسيحياً من طرابلس ( جبران حداد )، ورئيس الخارجية مسيحياً من دمشق ( توفيق شامية )، ورئيس الصحة مسيحياً من جبل لبنان 0 سليم موصلي ). حتى أن محكمة الاستئناف العليا التي تطبق أحكام الشريعة الإسلامية، خصوصاً في قضايا الأحوال الشخصية ( الإرث والوصية والزواج ) كانت تتألف في إحدى تلك الحقبة من ثلاثة قضاة مسيحيين: نجيب الأميوني رئيساً ( من حاصبيا )، وأسعد أبو شعر ( من دمشق )، وفايز الخوري ( من الكفير ).
(3). مقال صقر أبو فخر بتاريخ 23 / 7 / 2020 المنشور في موقع الأوان.
(4). " آنذاك اتفق الأمير فيصل بن الحسين مع الزعماء القوميين العرب على أن يعلن والده الثورة ضد تركيا، وتسلم منهم ميثاقاً يتضمن مطالبهم، ويرسم حدود البلاد العربية في آسيا الساعية إلى الوحدة والاستقلال. واتفق الجميع على أن تكون حدود المملكة العربية العتيدة كالتالي : من خط مرسين وأضنة ( مرسين وأضنة مدينتان سوريتان قبل إلحاقهما قسراً بتركيا ) إلى حدود إيران شرقاً، ثم جنوباً إلى الخليج العربي ( على إن تكون الأحواز وخوزستان أو عربستان ضمن حدود المملكة العربية )، ثم نحو المحيط الهندي، وغرباً على امتداد البحر الأحمر حتى البحر المتوسط، فإلى مرسين شمالاً عبر المدن الساحلية السورية وهي غزة ويافا وعكا وصور وصيدا وطرابلس واللاذقية " من مقال صقر أبو فخر بتاريخ 23 / 7 / 2020 المنشور في موقع الأوان.
(5). " عندما سيطرت القوات الفرنسية على دمشق بعد معركة ميسلون في الرابع والعشرين من تموز 1929 م، اتخذت سلطات الانتداب الفرنسي عدة إجراءات لتوسيع نطاق لبنان على حساب سورية، حيث زار الجنرال غورو بعلبك وألقى خطاباً أعلن فيه قرار رقم 229 الذي صدر في الثالث من آب 1920 والقاضي بفك الأقضية الأربعة عن سورية، وهي بعلبك والبقاع وحاصبيا وراشيا وضمها إلى لبنان الكبير وطلب الفرنسيون من قائمقام بعلبك إنزال علم الحكومة التي تشكلت في دمشق ورفعوا العلم اللبناني " منقول عن مقال سليمان عبد النبي المنشور بتاريخ 2 / 5 / 2019 في موقع التاريخ السوري المعاصر.
(6). لم يخرج الإسلاميون والشيوعيون عن هذا الإطار، فقد قام وتأسس تنظيم الإخوان المسلمين في الواقع العربي بالأساس بهدف إعادة دولة الخلافة الإسلامية وهو الأمر الذي كان يعني إنكارهم للوطنية القطرية ومعها القومية التي عرفتها الشعوب العربية بعد تفكك وانتهاء الخلافة العثمانية لصالح وطنية إسلامية متخلية. كما كان للشيوعين وطنيتهم المتخيلة المتمثلة بالأممية الشيوعية، فمواقف الشيوعيين السوريين بقيادة خالد بكداش المتعلقة بالقضايا الوطنية كانت تمر عبر فلترة ما تطلبه الأممية الشيوعية الستالينية وهي وطنية متخيلة لم توفق في علاقة الجدل التي تقوم بين الخاص والعام، لهذا كانت مواقف الحزب الشيوعي السوري في بعض المحطات تتخذ على حساب القضايا الوطنية كالموقف من حكومة الجبهة الشعبية في فرنسا 1936 زمن الاحتلال الفرنسي لسوريا، والموقف الممالئ للسوفييت في قضية قرار تقسيم فلسطين عام 1948.
(7). هكذا عرفت الشعوب الأوروبية الوطنية الناتجة عن الانتقال إلى الرأسمالية حيث تكون على أساس هذا الانتقال عصر تشكل أممها القومية، وهكذا عرف الشعب الفرنسي عشية انتصار الثورة البرجوازية الفرنسية أواخر القرن الثامن عشر هذا النوع من الوطنية الناتجة عن التآخي بين طبقات المجتمع الجديد في لحظة القطع مع النظام القديم وطبقاته الحاكمة, وهكذا عرفت الشعوب السوفييتية الوطنية السوفييتية عشية الثورة التي بدأت في شباط 1917, قبل أن تصعد البلشفية ومن بعدها الستالينية وتلتهم وتبدد هذه الوطنية بحد سيفها القمعي.
(8). هناك استثناءات في التاريخ البشري لنشوء أمم دون توفر شروط و بيئة الحرية و لكن هذه الاستثناءات لا تشكل القاعدة العامة.




نظام الاستبداد المعمم في سوريا مقدماته ومراحله - 7 lemonde.in 5 of 5
لومـــــوند : نبيل ملحم سابعاً: مكونات الوطنية السورية الحديثة يمكن القول أن الوطنية السورية التي عاشها السوريون في العقود الستة الأولى من ا...
انشر ايضا على

عبر عن رأيك