نظام الاستبداد المعمم في سوريا مقدماته ومراحله - 6

لومـــــوند : نبيل ملحم
سادساً: عجز البرجوازية عن الهيمنة داخل المجتمع المدني الناهض
في السياقات الطبيعية لتطور المجتمع البرجوازي يمكن القول بأن المجتمع المدني الناضج يشكل نقطة الارتكاز الأساسية التي تفرض من خلالها الطبقة البرجوازية سيادتها وسيطرتها على كل الطبقات الاجتماعية، فقوة البرجوازية المتأتية من هيمنتها الإيديولوجية والثقافية داخل مؤسسات هذا المجتمع تسمح لها بما يمكن تسميته بالسيادة والسيطرة التلقائية الذاتية السلسة والتي تغنيها عن استخدام واستعمال نقطة قوتها الكائنة بالدولة، أي يغنيها عن استخدام سلطتها السياسية لقوة وسلطة أجهزة الدولة، كالجيش والشرطة والأمن ...الخ. من أجل فرض سيادتها وسيطرتها بوسائل القوة العارية. لهذا تبدو الدولة البرجوازية في شروط المجتمع المدني الناضج في البنى البرجوازية المتقدمة وشروط التطور الطبيعي للمجتمع وكأنها حيادية وفوق المجتمع وتمثل كل المجتمع و كل الطبقات الاجتماعية، حيث تستطيع الدولة البرجوازية أن تخبىء و تخفي تمثيلها لمصالح الطبقة السائدة البرجوازية، وتستطيع في الوقت ذاته أن تظهر على السطح وظيفتها العامة. وفي الحالات التي تعجز فيها البرجوازية عن فرض هيمنتها الإيديولوجية والثقافية داخل مؤسسات هذا المجتمع وتصبح سيادتها وسيطرتها معرضة للخطر، فإن مسألة تثبيت سيادتها وسيطرتها بوسائل القوة العارية وإن كانت هي القاعدة العامة في التاريخ إلا أن هناك استثناءات كثيرة تشذ عن هذه القاعدة ولا سيما في الحالات التي تكون فيها ثقافة وقيم هذه الطبقة ومعها ثقافة كل المجتمع تتعارض مع هذه الطريقة غير الديمقراطية في السيادة والسيطرة، كما أنه في الشروط الطبيعية لتطور البناء الاجتماعي وتطور الصراع الطبقي بداخله، فإن المجتمع المدني الناضج يشكل لكل الطبقات الاجتماعية - السائدة والمسودة - قوة و كياناً اجتماعياً يوازي ويوازن قوة الدولة وكيانها فيما لو حاولت سلطة سياسية ما استخدام أجهزة الدولة للتمدد والتعدي على حقوق المجتمع وطبقاته الاجتماعية. ولا يمكن بأي حال للمجتمع المدني أن يكون ناضجاً وله هذه الفاعلية والدور والتأثير في علاقة المجتمع بالدولة وسلطتها السياسية إلا إذا كان لمؤسساته ومنظماته وجود مستقل عن السلطة السياسية وسلطة الدولة وكيانها (مؤسساتها وأجهزتها المختلفة)، وفي كل مجالات البنية الاجتماعية الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية. لقد وجد المجتمع المدني في التاريخ على أرض الواقع وفي الفكر والثقافة مع بداية العصور الحديثة البرجوازية، وقد اختلف محتوى ودور ومغزى المجتمع المدني بين مفكر وآخر ممن التقطوا ظهور وتطور هذه الظاهرة الاجتماعية التاريخية، وذلك حسب فلسفة كل مفكر للتاريخ السياسي للمجتمع من جهة، وتبعاً لتطور التجربة التاريخية لهذا المجتمع من جهة ثانية، فالمجتمع المدني كأي ظاهرة اجتماعية تاريخية لم يولد مكتملاً وناجزاً دفعةً واحدةً لا في الواقع ولا في الفكر، لا في محتواه الاجتماعي ولا في دوره التاريخي، فحركة التطور التاريخي للمجتمعات الحديثة كانت دائماً تغني المحتوى والدور الذي لعبه المجتمع المدني في كل مرحلة، كما ستغني باعتقادي الدور الذي يمكن أن يلعبه هذا المجتمع في مستقبل البشرية. ومن جهة ثالثة فقد خضع مفهوم المجتمع المدني في كثير من الأحيان لاعتبارات سياسية وإيديولوجية، إن كان من جهة اليسار أو اليمين. لقد بدأ المجتمع المدني بالظهور على أرض الواقع وفي الفكر مع التحولات التي عرفتها أوروبا بدءاً من القرن الخامس عشر، فقد فرض ظهور الرأسمالية في تلك المرحلة، وبدء انهيار المجتمع الاقطاعي ضرورة تغيير العلاقة، بين السلطة والدولة، مع سندهم الروحي الديني ( الكنيسة ) من جهة، والمجتمع من جهة أخرى، لهذا يمكن القول أن بدء ظهور المجتمع المدني في الواقع والفكر ترافق وأسس لظهور شكل تاريخي جديد للدولة، أقصد بذلك الدولة الحديثة البرجوازية، ففي البداية كان ظهور المفكر والعالم نيقولا كوبرنيكوس ( 1473 – 1532 ) وغيره من المفكرين من أمثال جوردانو برنو، وليوناردو دافنشي، وجاليلو، الذين أسهمت أفكارهم كما يقول أنجلز " في تحرير العلوم الطبيعية من اللاهوت "، ثم أنجب الواقع الأوروبي بعدهم مجموعة من المفكرين أمثال هوبز ولوك وروسو ...الخ، الذين أسهمت أفكارهم في تحرير الدولة والسلطة وعقل المجتمع من قبضة اللاهوت والكنيسة وطبقة الإقطاع، فهؤلاء المفكرين لم يروا في المجتمع المدني الناشئ سوى قضية رفع يد السلطة الروحية الدينية ( الكنيسة ) عن المجتمع والدولة والسياسية بدءاً بمسألة حرية الزواج المدني وإلغاء الطابع الديني للزواج وصولاً إلى مسألة فصل الدين عن الدولة، وإلغاء الطابع الديني للدولة، والحق الإلهي في السلطة. ومع سيادة الرأسمالية وبدء تفجر الصراع الطبقي مع الطبقة العاملة الجديدة في القرن التاسع عشر لم ير كارل ماركس بالمجتمع المدني سوى علاقات الإنتاج البرجوازية التي نقلت الإنتاج وقوى الإنتاج من الريف الإقطاعي إلى المدينة البرجوازية الحديثة، كما لم ير فيه سوى كونه ميداناً للصراع الطبقي السياسي، وفي كونه يشكل القاعدة والبنية التحتية التي تقوم عليها الدولة البرجوازية. وبعد أن فشلت كل محاولات الأحزاب الشيوعية كسر أي حلقة من حلقات النظام الرأسمالي القوية المركزية في النصف الأول من القرن العشرين، جاءت مساهمة المفكر الماركسي أنطونيو غرامشي الذي رأى أن المجتمع المدني لا يشكل البنية التحتية للمجتمع البرجوازي فحسب، بل هو كذلك جزء من البناء الفوقي، وأن الصراع الاجتماعي بين الطبقات الاجتماعية لا يحسمه المستوى السياسي فحسب بل ينبغي أن يحسم كذلك في مستواه الثقافي والإيديولوجي عبر ما سماه حرب المواقع. بمقابل كل ذلك نجد النظرة الليبرالية من جهة اليمين التي لم تر في المجتمع المدني سوى مسألة الليبرالية الاقتصادية وحرية قوى السوق ومشتقاتها الثقافية والإيديولوجية والسياسية الناتجة عنها داخل مؤسسات هذا المجتمع. كما نجد الذين أخضعوا مفهوم المجتمع المدني للاعتبارات السياسية والإيديولوجية إلى الدرجة والحد الذي جعل بعض النخب الثقافية العربية المعارضة والمهزومة سياسياً وإيديولوجياً تضيق هذا المفهوم في العقود الأخيرة إلى الحد الذي جعلها تحصره بمنظمات حقوق الإنسان ومنظمات المرأة وغيرها من المؤسسات البحثية الممولة من الخارج، فهؤلاء حاولوا تفريغ المجتمع المدني من محتواه الاجتماعي الحقيقي من خلال التركيز على الجانب السياسي فقط وتغييب الطابع الطبقي للنظم الاجتماعية والسياسية، وبما يعني التستر على عملية الصراع الطبقي الاجتماعي التي تحدث داخل المجتمع. يمكن القول كتحديد عام - لا يتطابق تماماً مع بعض الإسهامات التي حددت المقصود بالمجتمع المدني، إلا أن هذا التحديد العام يتضمن ويستوعب بداخله أغلبها- ويجمع عليه أغلب الباحثين(1). إن المجتمع المدني هو المجتمع الذي ينشأ ويتكون بوصفه ذلك الكيان الذي يضم بداخله كل وجود منظم و حر ومستقل عن السلطة السياسية وسلطة الدولة و كيانها (مؤسساتها و أجهزتها المختلفة)، إن كان في المجال الاقتصادي (اتحادات صناعية ونواد وجمعيات وغرف للتجارة والصناعة ....الخ)، أو في المجال السياسي (أحزاب وجمعيات سياسية وحقوقية من مختلف التيارات والإيديولوجيات)، أو في المجال الاجتماعي (نوادي وجمعيات ذات طابع إنساني أو طابع اجتماعي بحت من مثل الاتحادات النسائية والرياضية ....الخ)، أو في المجال الفكري و الثقافي (كاتحاد الكتاب أو الصحفيين أو الأدباء أو الفنانين .....الخ) أو في المجال المهني (نقابات عمال واتحادات ونقابات فلاحية وغير ذلك من الجمعيات المهنية ....الخ) . فمع مجيء الرأسمالية والدولة الحديثة التعددية ومع تحرير المجال السياسي من الاحتكار ومع ولادة المؤسسات والتنظيمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ذات الطابع الوطني في تمثيلها ينشأ المجتمع المدني ويحل مكان المجتمع الأهلي بكل أشكال وجوده إن كان الديني أو غيره من الأشكال التي يوجد فيها المجتمع الأهلي (تنظيمات قبلية أو عشائرية أو مناطقية .....الخ), ومع تحرير المجال السياسي يصبح المجتمع السياسي ليس حكراً في وجوده وتمثيله على الدولة، فيصبح المجتمع السياسي موزعاً في التمثيل بين السلطة السياسية للدولة التي تمثل قسماً من المجتمع السياسي وبين المجتمع المدني الذي يمثل القسم الآخر المتبقي من المجتمع السياسي وهو القسم الذي يمثل الفئات الواقعة خارج السلطة والدولة وكيانهما, أي يبقى قسم من المجتمع السياسي وهو القسم الأكبر المتمركز في وجوده ونشاطه داخل المجتمع المدني، فالمجتمع المدني هو المجتمع الذي يحل مكان المجتمع الأهلي الذي يعرفه المجتمع الإقطاعي كتعبير عن إحلال المؤسسات المدنية السياسية وغيرها مكان المؤسسات الدينية وغيرها وبالتالي إحلال العقد الاجتماعي في بناء الدولة مكان العقد الإلهي الديني. إن البرجوازية السورية التقليدية – زمن وجودها في السلطة والسوق - كشقيقاتها في بعض بنى التخلف وبالرغم من إفساحها المجال لتشكل المجتمع المدني وخلقها لكل الشروط اللازمة لتطوره ونهوضه في ظل دولتها البرجوازية الحديثة الديمقراطية التعددية إلا أنها لم تستطع أن تصل بهذا المجتمع إلى المرحلة والمستوى الذي يمكننا من القول بأن المجتمع المدني في مجتمعاتنا قد وصل في زمن سيادة البرجوازية التقليدية في السلطة والسوق إلى مرحلة ومستوى المجتمع المدني الناضج. ففي الواقع السوري وكما كان الأمر في كل مجتمعات الأطراف ونتيجة لغلبة العناصر الكمبرادورية داخل صفوف البرجوازية، ونتيجة لضعف العناصر الصناعية داخل بنيتها، لم تستطع البرجوازية السورية أن تنجز بعض المهام التاريخية المرتبطة بعضها ببعض، وحيث يتوقف على إنجاز هذه المهام أهم العوامل المؤثرة التي تقود إلى إنشاء المجتمع المدني الناضج وهذه المهام هي:
أولاً: لم تستطع البرجوازية السورية من جهة نتيجة نشأتها التاريخية كأي برجوازية طرفية أو نتيجة قصر عمر تجربتها التاريخية في السلطة والسوق من جهة ثانية، أن تنشئ المجتمع الصناعي الرأسمالي الذي يعتبر العمود الفقري المركزي لتبلور ونضوج طبقات المجتمع البرجوازي، والعمود الفقري المركزي الذي يوفر الشروط الموضوعية لقيام المجتمع المدني الناضج. إذ يشكل المجتمع الصناعي البرجوازي السلسلة التي يولد فيها و حولها الحلقات الأساسية للوجود الطبقي و الاجتماعي والثقافي والسياسي داخل البنية الاجتماعية التي تعطي للمجتمع المدني محتواه ودوره ومغزى وجوده. فالطبقات الاجتماعية في المجتمع البرجوازي لا تقوم على الوجود المنعزل والمتقوقع في مناطق معزولة كطبقات المجتمع الإقطاعي، فهي بحكم طبيعتها ونمط إنتاجها وعلاقاتها لا توجد إلا على المستوى الوطني (السوق الوطنية)، فهي طبقات تتصف كل منها بالانفتاح والتواصل من خلال سوق العمل والإنتاج والتبادل، وهي تتصف بأنها تقوم على التنظيم إذ أن التواصل والاتصال داخل كل طبقة على مستوى السوق ومن خلاله يحتم عليها تنظيم نفسها على المستوى الوطني بنقابات واتحادات وأحزاب وهيئات تمثل مصالحها وتدافع عن هذه المصالح. ومع نشوء المجتمع الصناعي البرجوازي تقوم المدن التي تتركز فيها العمليات الأساسية للإنتاج الصناعي الرأسمالي وتصبح هذه المدن مركز استقطاب اقتصادي واجتماعي وسياسي وثقافي وسكاني لأغلبية سكان المجتمع، وحيث ينتقل مركز الوجود البشري من الريف إلى المدينة وذلك نتيجة لحاجات الصناعة الرأسمالية إلى قوة العمل، فالصناعة الرأسمالية تجذب إليها شيئاً فشيئاً الفلاحين وتحولهم إلى بروليتاريا صناعية وبما يعني نقل العملية الإنتاجية من الريف إلى المدينة، ويعني نقلهم من دائرة العلاقات الإقطاعية والبنى الإقطاعية إلى دائرة العلاقات الرأسمالية ولبنى الرأسمالية الحديثة وبكل المستويات، ومع تحرر المجتمع من البنى الإقطاعية يتحرر من الأطر الإقليمية أو المناطقية أو العائلية أو العشائرية أو القبلية أو الطائفية وينتقلون إلى بنى وأطر جديدة هي بنى وأطر المجتمع الرأسمالي (في شروط التطور الطبيعي طبعاً) حيث النوادي والنقابات والاتحادات والأحزاب ...الخ التي تكسر الانغلاق والانعزال الإقطاعي وتقضي على عقليته وثقافته وبناه الفكرية وهكذا ينتقل وعي الأفراد من الوعي الطائفي أو العائلي أو العشائري أو القبلي أو المناطقي إلى الوعي الطبقي والوطني و فضاءات الوعي السياسي بمعناها الواسع أي الوعي الذي مهما كانت اتجاهه فإنه يبقى وعياً وطنياً مفتوحاً على وعي كل أبناء المجتمع حيث يصبح الرابط الأساسي بين أفراد المجتمع هي المصالح العامة والواسعة التي تشمل قطاعات تغطي المساحة الجغرافية والبشرية للمجتمع وحيث تصبح هذه الأطر هي خط الدفاع الأول والأخير الذي يعتمد الفرد في الدفاع عن نفسه ومصالحه وكيانه وحقوقه وهنا يترك وراءه ويتخلى عن كل الأطر القديمة التي كانت تشكل له في الماضي الكيانات التي يحتمي خلفها و وراءها الفرد.
ثانياً: و المهمة الثانية التي لم تستطع البرجوازية العربية أن تنجزها (وهي مرتبطة بالمهمة الأولى) هي عجزها عن القيام بكسر احتكار التبرجز داخل المجتمع وبما يعني دخول أغلبية سكان المجتمع إلى شبكة ودائرة وعلاقات السوق وعلاقات الإنتاج الرأسمالية (سوق العمل والإنتاج والتبادل)، أي تكوين و توسيع السوق على المستوى الوطني وبما يعني توليد وخلق قوة السوق الرأسمالية القوية التي تقوم على قاعدة صناعية مادية اقتصادية تحتية قوية ومتينة، حيث تقوم هذه القوى بتنظيم نفسها في كتل و اتحادات اقتصادية وسياسية واجتماعية متماسكة لها قوتها ونفوذها وهيمنتها وسيطرتها في إنتاج وإعادة إنتاج التكوين الاجتماعي البرجوازي والبنية الاجتماعية البرجوازية في كل لحظة من لحظات وجودها وتطورها التاريخي . كما أن تعميم التبرجز يعني تحطيم و تدمير البنى الإقطاعية وقيام الأطر البرجوازية وكل أشكال الوجود البرجوازي، وفتح آفاق أمام التطور البرجوازي بشكل واسع و شامل هذا بشكل عام وفتح آفاق التطور أمام البرجوازية الصغيرة داخل المجتمع بشكل خاص بالمعنى الطبقي والسياسي والاجتماعي والثقافي . إن ولادة مجتمع مدني في شروط عدم و جود مجتمع صناعي و في شروط احتكار التبرجز داخل المجتمع بيد قلة قليلة جعلت المجتمع المدني الذي نشأ في الواقع السوري مجتمعاً مدنياً ناهضاً ولكنه غير ناضج. فالمجتمع المدني الناضج هو ذاك المجتمع المتعدد والمتنوع سياسياً وطبقياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً والذي يشكل قوة تقف في موازاة قوة الدولة وتمنع الدولة وسلطتها السياسية من الطغيان والاعتداء على حقوق المجتمع بكل طبقاته وكل أشكال وجوده. ولأن البرجوازية السورية لم تستطع أن تنتج هكذا مجتمع مدني قوي فقد كان سهلاً على قوة الاستبداد أن تستولي على الدولة وسلطة الدولة وتقيم الدولة الاستبدادية الشمولية. فقوى الاستبداد لم تجد قوة حقيقية تقف في وجهها ومواجهتها. لقد استطاعت البرجوازية السورية في البداية أن تبني الدولة البرجوازية الحديثة التعددية الديمقراطية مستغلة في ذلك كما قلت سابقاً قوتها السياسية والثقافية قياساً بقوة بقية طبقات المجتمع السوري، ولكن هذه القوة لم يكن لها أن تستمر إلى ما لا نهاية، فقد كانت القوة السياسية والثقافية للبرجوازية السورية تتآكل شيئاً فشيئاً مع ظهور الجيل الثاني من القوة السياسية القومية والشيوعية ومع التغيرات الطبقية التي بدأت تدخل على بنية المجتمع السوري في الفترة التي سبقت الاستقلال الوطني وفي المرحلة التي تلتها، لهذا يمكن القول أن البرجوازية السورية لم يكن باستطاعتها ومقدورها أن تشكل القوة الثقافية والإيديولوجية المهيمنة داخل مؤسسات المجتمع المدني الناشئ والناهض في ظلها، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: عمق الأزمة الاجتماعية التي كان يعيشها المجتمع السوري قبل وبعد الاستقلال والناتجة عن عدم قدرة البرجوازية الخلاص من الإقطاع. فقد شكل عجز البرجوازية العربية عن القيام بالإصلاح الزراعي والقضاء على الإقطاع والعلاقات الإقطاعية بؤرة لعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي داخل المجتمع السوري في تلك المرحلة, بؤرة تنفخ فيها الأحزاب القومية واليسارية ليتفجر منها الصراع السياسي الاجتماعي بين الفلاحين أغلبية المجتمع السوري في تلك المرحلة من تاريخ سوريا وبين طبقة الإقطاع وحلفائهم. لقد كان أمام البرجوازية السورية لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي خيار القضاء على الإقطاع والعلاقات الإقطاعية الاستغلالية البشعة والتي كانت تعني امتصاص نقمة وهياج الفلاحين الذين يشكلون الأغلبية الساحقة من المجتمع, كما تعني كذلك وتعميم العلاقات الرأسمالية داخل البنية التحتية وتطوير هذه البنية، وبما يعني فتح إمكانية للمجال الاقتصادي أن يقوم بالهيمنة والسيطرة في عملية إنتاج وإعادة إنتاج النظام الاجتماعي البرجوازي من خلال تعميم وتوسيع التبرجز وتشكيل قاعدة اجتماعية يرتكز عليها النظام الاجتماعي كما هو حال النظم الاجتماعية البرجوازية (الكلاسيكية) التي عرفها التاريخ. لقد كان يستحكم بالساحة السورية تناقضين كبيرين, تناقض بين الفلاحين والإقطاع من جهة, وتناقض بين وجود دولة برجوازية حديثة وبين شروط عدم وجود رصيد برجوازي كاف ومناسب ترتكز عليه في البنية التحتية الاقتصادية للبناء الاجتماعي, وقد كان حل التناقض الأول يقود بالضرورة إلى حل التناقض الثاني, فقد كان القضاء على الإقطاع يقود بالضرورة إلى تعميم التبرجز واتساعه في البنية التحتية الاقتصادية, حيث تصبح بنية برجوازية صرفة تتناسب وتتماشى مع البنية الفوقية, وحيث يتحقق الاستقرار الاجتماعي والسياسي داخل المجتمع ولو بشكل نسبي. ولأن البرجوازية السورية قبل الاستقلال اكتفت ببرنامجها الوطني للتحرر من الاستعمار ولم تكن تحمل برنامجاً اجتماعياً(2). وكونها افتقدت كذلك لهذا البرنامج بعد نيل الاستقلال، إذ لم يكن بمقدورها تحرير المجتمع من الإقطاع نتيجة أصولها الإقطاعية من جهة، وعدم وجود تخوم واضحة تفصلها عن طبقة الإقطاع من جهة ثانية(3). فالبرجوازية السورية التي كانت أغلبيتها من الإقطاع المتبرجز أو من أولاد الإقطاع المتبرجزين، لم تقع في مأزق عدم قدرتها على تعميم التبرجز فحسب بل وقعت بسبب قصر عمرها التاريخي في مأزق عدم قدرتها على إتمام عملية التبرجز حتى النهاية، وبما يعني القطع التام مع أصولها الإقطاعية لا على صعيد تملكها للمصانع بدل الأراضي فحسب بل في القطع بمسافة زمنية بيولوجية مع الآباء والأجداد، وبما يعني تحولها إلى سلالة برجوازية صافية، ولا سيما أنها تختلف من حيث أصولها ونشأتها عن البرجوازية التي عرفها الواقع الأوروبي في كونها لم تنشأ من قلب المجتمع من الطبقة الوسطى التي عملت وراكمت المال والثروة من خلال تطور الحرفة أو من التجارة. لكل هذه الأسباب فقد كان مصيرها الوقوع في العجز، فلا هي حلت التناقض الأول ولا الثاني, وهو الأمر الذي استغلته القوى القومية ومعهم الشيوعيين في التحريض ضدها، بوصفها سليلة الإقطاع سيء السمعة، فكان أن بقيت الدولة تطفو على سطح بحر يموج بالتيارات السياسية والشعبية, تيارات تهدد بتدمير وهدم كل ما تم بناؤه من أركان الدولة البرجوازية الحديثة.
ثانياً: استغلال الجيل الثاني من السياسيين السوريين وخصوصاً الأحزاب القومية البرجوازية الصغيرة لقضية ونكبة فلسطين عام 1948، فقد حولت هذه الأحزاب القضية الفلسطينية إلى سلم تصعد عليه على أكتاف الجماهير من خلال بيعها الشعارات الوطنية الرنانة من جهة والنهش من جهة ثانية بأكتاف البرجوازية التقليدية السورية من خلال اتهامها بالعجز والتخاذل والخيانة بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب النكبة 1948، وحيث اعتبرت مسألة تحرير فلسطين المحتلة القضية المركزية عند كل إنسان عربي وعلى حساب أي قضية أخرى مهما علا شأنها، وقد ظل صوت القوميين مسموعاً في الشارع السوري والعربي حتى تمت هزيمتهم النكراء في مصر وسوريا أمام الجيش الإسرائيلي في 5 حزيران عام 1967. وقد كان استثمار هذه الأحزاب في قضية فلسطين من أهم العوامل التي سببت في استنزاف و تآكل القاعدة الاجتماعية و السياسية للبرجوازية السورية، حيث تم تجريدها من رأسمالها ورصيدها الوحيد الذي بنته في مرحلة التحرر الوطني. فكلنا يعلم أن أغلب الشخصيات المنتمية إلى الكتلتين المتنافستين من الكتل البرجوازية، أقصد بذلك كتلة الحزب الوطني وكتلة حزب الشعب، فقد كان اعتماد كل كتلة بالإضافة إلى رصيدها المالي كان رصيدها الوطني، ولا سيما أن أغلبهم كان من رجالات الاستقلال الوطني ولهم سجل نضالي في السجون العثمانية والفرنسية(4).
ثالثاً : إن الأخطر من كل ما سبق يكمن في أن القوى السياسية التي بدأت تسحب البساط سياسياً وثقافياً وإيديولوجياً من تحت أقدام البرجوازية السورية كانت قوى غير ديمقراطية، أقصد بذلك الشيوعيين والقوميين الذين بدؤوا يتمددون على حساب البرجوازية لا داخل مؤسسات المجتمع المدني الناهض فحسب بل حتى داخل أحد أهم مؤسسات وأجهزة الدولة السيادية، أقصد هنا مؤسسة الجيش، التي أصبحت بعد موجة الانقلابات الثلاثة الأولى- الزعيم والحناوي والشيشكلي- مؤسسة شبه مستقلة عن سلطة البرجوازية ولها سلطتها ونفوذها على رئيس الجمهورية(5). وهنا علي القول قبل أن أكمل بأن شرط الدفاع عن أي ديمقراطية في أي مجتمع، لا يكفي وجود المجتمع المدني الحر المستقل، بل ينبغي أن نضيف على ذلك أن تكون القوى الصاعدة داخل مؤسسات هذا المجتمع قوى ديمقراطية. فبالنسبة للشيوعيين ومعهم التيارات القومية البرجوازية الصغيرة لم يكن نموذج الدولة البرجوازية التعددية الديمقراطية هو ضالتهم المنشودة، فقد كانت الدولة البرجوازية الحديثة بالنسبة لهم مجرد وسيلة ونموذجاً يجب التخلص منه لمصلحة نموذج آخر، هو النموذج الستاليني بالنسبة للشيوعيين، ونسخته ومشتقه القومي الناصري بالنسبة للقوميين, ولا سيما أن الشيوعيين والأحزاب القومية البرجوازية الصغيرة لم تكن ترى في نموذج الدولة البرجوازية الحديثة ضالتها للوصول إلى السلطة, حيث كانت تدرك أن احتكار التبرجز داخل المجتمع يقود إلى احتكار السلطة من قبل البرجوازية لفترة ليست بالقصيرة, أي كانت تدرك أن الوصول إلى السلطة من خلال اللعبة الديمقراطية يحتاج إلى مسيرة طويلة من العمل الديمقراطي والخبرة والممارسة ومراكمة الخبرة والعمل بين الجماهير لإقناعها بفك ارتباطها وتبعيتها لأصحاب الثروة, وهذا الأمر كان يحتاج إلى وقت وعمل دؤوب ومضن, وهذا ما لم يكن يتناسب ويتماشى مع قيم وثقافة وأخلاق المشتقات العربية للستالينية المتعطشين للتغير والوصول إلى السلطة من قوميين وشيوعيين، من الفقراء من أبناء المدن والريف، من مدنيين وعسكريين, الذين ضاق صدرهم ممن يملكون السلطة والثروة أن كانوا من البرجوازيين أو من الإقطاع(6)، يكفي أن نشير هنا إلى أن أكثر من خمسين مقعداً في البرلمان السوري, أي ما يزيد عن نسبة ثلث عدد المقاعد الإجمالي كانت مقاعد مخصصة لنواب ثابتين, أي يتم انتخابهم في كل دورة انتخابية, وهؤلاء يشكلون كتلة المستقلين الذين " لا ينتسبون إلى حزب أو ينتمون إلى عقيدة ...وقد ظلوا من ظواهر الحياة البرلمانية السورية ويمسكون بزمام التوازن ما بين الكتلتين المتنافستين ويشكلون أرضاً صالحة للانتهازيين السياسيين حتى اختفاء البرلمان السوري عام 1958, لقد كان هؤلاء من ملاكي الأراضي ورجال الأعمال وزعماء القبائل والأقليات ورؤساء العائلات الكبرى البالغة القوة, وهم بعددهم الكبير في جميع الانتخابات السورية يشهدون على قوة أشكال الولاء المحلية والتقليدية وضعف التنظيمات الحزبية "(7). من هنا يمكن أن نجد تفسيراً كيف أن قيادات الأحزاب القومية من مثل : ميشيل عفلق وصلاح البيطار وأكرم الحوراني وجمال الأتاسي ...الخ ، قاموا بالتغطية السياسية لانقلاب 8 آذار العسكري 1963، من خلال الالتحاق بالسلطة الجديدة، وحيث لم يغادر أي منهم السلطة إلا مطروداً منها في سياق عملية الصراع على السلطة أو بقي فيها ذيلاً ذليلاً تحت سقف البوط العسكري الحاكم. ثم تبعهم في ذلك الشيوعيين الذين بدؤوا يتلقنون حينها نظرية سوسلوف السوفييتي حول التطور اللارأسمالي للأنظمة " الديمقراطية الثورية "(8). لقد كانت مهمة ردم الهوة بين الريف والمدينة, وبما يعني إيجاد شبكة من الطرق المعبدة تربط الريف بالمدينة, إضافة إلى كهربة الريف الذي كان يعيش على ضوء القنديل (السراج) لمدة قرون وقرون من الزمن, وكذلك بناء وفتح المدارس التعليمية في ريف تعشش فيه الأمية والجهل ...الخ, ولأن الإنجاز و الاستجابة لتنفيذ هذه المهام كان بطيئاً جداً ويمشي مشي السلحفاة, ولأن إنجازات النموذج الاستبدادي الستاليني الذي وصلت أصداؤه إلى كل أرجاء المعمورة, كان يدق الأبواب من كل الجهات, وحيث لم يكن مدركاً في الوعي السياسي والثقافي وحتى الإيديولوجي لدى النخب السياسية والحزبية ولا سيما منها القومية البرجوازية الصغيرة والشيوعية, إن سرعة الإنجاز ليست هي العبرة, وإنما ثبات المنجزات والاستمرار في التطور والإنجاز بشكل دائم هي من يشكل العبرة, نقول لأن ذلك لم يكن مدركاً فإن نموذج الدولة البرجوازية الحديثة ( التطور البطيء ولكن الثابت التراكمي ) كانت تهتز تحته الأرض من كل الجهات لمصلحة نموذج براق مضلل هو النموذج الستاليني في بناء الدولة والمجتمع. إن نموذج الدولة البرجوازية الحديثة الذي لا يقوم على احتلال الدولة للمجال الاقتصادي (من خلال تملكها لوسائل الإنتاج), كان يعني عدم امتلاك الدولة لقوة اقتصادية كبيرة, وفي شروط طبقة برجوازية ضعيفة وغير قادرة على تحقيق تنمية سريعة أقول: في هذه الشروط بدت الدولة الاستبدادية الشمولية (النموذج الستاليني) والذي تربطه صلة الرحم مع نموذج الدولة الاستبدادية الذي عرفته شعوب الشرق في العصور القديمة والوسطى, أي النموذج الذي يقوم على احتلال الدولة للمجال الاقتصادي (من خلال تملك الدولة لوسائل الإنتاج), الأمر الذي يوفر إمكانات وطاقات وقدرات هائلة واستثنائية للدولة (وهو ما يجعلها استبدادية), تجعلها قادرة على خلق وتوليد تنمية سريعة ومباشرة للمجتمع, ولا سيما في مرحلة صعودها وازدهارها, أقول: في هذه لشروط كان النموذج الستاليني هو الذي يجذب النخب السياسية القومية البرجوازية الصغيرة و الشيوعية معاً لتبني هذا النموذج وعلى حساب نموذج الدولة البرجوازية الحديثة, ولا سيما وكما قلنا في السطور السابقة أن هذه النخب لم تكن تدرك أن العبرة ليست في سرعة الإنجاز وإنما في ثباته. وإذا كان صحيحاً أن الدولة الاستبدادية المالكة للثروة تحقق في مرحلة صعودها وازدهارها الكثير الكثير للمجتمع, إلا أنه صحيح كذلك بأنه في مرحلة تحلل وانهيار وانحطاط هذه الدولة فإنها تدمر وتهدم وتبدد لا كل ما بنته وأنجزته في مرحلتي الصعود والازدهار فحسب, وإنما تدمر وتهدم وتبدد ما تم إنجازه عبر أجيال وأجيال سابقة حتى على قيام الدولة الاستبدادية, وأحياناً تدمر ما بناه المجتمع عبر قرون من الزمن.
وهنا أقول: إذا كانت سرعة الإنجاز في ظل الدولة البرجوازية الطبيعية كما الإنجاز في ظل الدولة الإقطاعية الطبيعية يكون بطيئاً ويمشي مشي السلحفاة إلا أن ما يميز الإنجازات هنا, هو أن كل خطوة يخطوها المجتمع في ظل هكذا دولة تشكل عتبة ومقدمه لخطوة أرقى وأكبر, وهكذا يمشي المجتمع ببطء ولكن بثبات وإلى الأمام ولا يكون المجتمع عرضة للانتكاس والتراجع إلى الوراء, فهنا فقط يمكن القول إن حركة التاريخ لا تعود إلى الوراء وهنا فقط تأخذ هذه المقولة معناها الحقيقي والكامل. أما في حالة الدولة الاستبدادية المالكة للثروة وحيث تبدو الإنجازات سريعة إلا أن كل خطوة يخطوها المجتمع خلف هكذا دولة تشكل مقدمه لتدمير الخطوة التي سبقتها, فهنا الإنجازات تأتي مع الدولة وتذهب مع الدولة, تأتي بسرعة وتذهب بسرعة, إنها الحركة الدائرية التي لا تولد رصيداً في التاريخ وتجعل الانتكاس ممكناً. لقد شكلت تجربة الدولة البرجوازية الحديثة في سوريا في تلك المرحلة من التاريخ خطراً على المصالح الغربية، يفوق من وجهة نظري، الخطر الذي شكلته تجربة محمد علي باشا في مصر في بداية القرن التاسع عشر على المصالح الغربية. فالتجربة الديمقراطية السورية كانت تشكل نموذجاً يمكن أن يقتدى ويحتذى به، إن كان على مستوى شعوب المنطقة القريبة من سوريا أو ربما البعيدة عنها، وقد كان يعني هذا دخول المجتمعات العربية إلى مسرح التاريخ بوعي وإرادة حرة ومتفتحة، وخوض صراعاتها الداخلية والخارجية من أجل بناء مستقبلها وفقاً لما تراه مناسباً لمصالحها، وهذا ما كان يتعارض مع المصالح الغربية، ولا سيما المصالح الأمريكية التي تكفلت بعد الحرب العالمية الثانية برعاية دولة إسرائيل على أرض فلسطين العربية. هكذا بدأت تولد مشاريع كلها تهدف إلى وأد تجربة الدولة البرجوازية الحديثة، فهي بما توفره من حريات ديمقراطية، كحرية تشكل الأحزاب السياسية، وحرية الصحافة، وحرية التظاهر، وحرية الإضراب, أصبحت ذلك الشيطان الذي يفتح كل الأبواب والطرق أمام الطبقات الفقيرة والتيارات السياسية الطامحة للتخلص من الإقطاع والفقر والأمية والجهل، والتطلع إلى تحرير المرأة، وتبني قيم وثقافة وتقاليد الحداثة والعلمانية في كل مظاهر حياة المجتمع...الخ، لقد أصبحت سوريا في تلك المرحلة تشكل قلب وروح ومنارة العالم العربي الجديد(9)، ولاسيما أن كل ذلك يتم في ظل استقطاب دولي ومحلي تغذيه الحرب الباردة بكل الأدوات والوسائل السياسية والإيديولوجية اللازمة لفتح هكذا معركة مصيرية في الساحة السورية.
هكذا كانت كل السكاكين تشحذ لذبح التجربة الديمقراطية وتجربة الدولة الحديثة وقطع صيرورة التطور الطبيعي من الوريد إلى الوريد. وهكذا كانت كل الشروط تتراكم وتمهد لصعود القوى الاستبدادية على أنقاض وجثة الدولة البرجوازية الحديثة الديمقراطية.

.............................................................................................

المصادر والمراجع
(1). أشير هنا إلى أن ندوة المجتمع المدني التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت عام 1992 تبنت تعريفاً للمجتمع المدني على أنه " يقصد به المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المستقلة عن سلطة الدولة لتحقيق أغراض متعددة كالمشاركة في صنع القرار السياسي على المستوى الوطني عبر الأحزاب السياسية والدفاع عن مصالح العمل النقابي والمساهمة في العمل الاجتماعي والتنمية إلى جانب نشر الوعي الثقافي.
(2). يقول نشوان الأتاسي في كتابه تطور المجتمع السوري ( 1831- 2011 )، في معرض حديثه عن بيان تشكل الكتلة الوطنية في سوريا أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من القرن العشرين والتي جمعت أغلبية أطياف وشخصيات البرجوازية السورية. " لقد غاب عن بيان تأسيسها البرنامج الاجتماعي الاقتصادي، بينما ركزت على هدف معلن أساسي، أكد أن جميع طاقات سورية المادية والمعنوية ينبغي أن تسخر للهدف الوحيد المتمثل في النضال الوطني حتى تحقيق أهداف الأمة في الوحدة الكاملة لسورية وتكامل أراضيها واستقلالها..." ص 107.
(3). أشير هنا على سبيل المثال لا الحصر إلى الأملاك العقارية من الأراضي التي كانت بحوزة بعض من وجوه البرجوازية السورية حيث يذكر سامي مروان مبيض في مقاله المنشور بتاريخ 16 يونيو 2020 بعنوان من قصة نجاح عظيمة إلى مأساة رهيبة ... كيف أنهى قرار التأميم شركة " الخماسية " الصناعية في سورية : " إن قانون الإصلاح الزراعي الذي شمل أحد مؤسسي الخماسية، عبد الحميد دياب وصادر خمسة وعشرين ألف دونم من أراضيه في مدينة الشدادة في الحسكة، و306 دونم في بلدة سعسع في ريف دمشق ". كما يذكر المحامي علاء السيد في الموسوعة التاريخية لأعلام حلب 16 أيلول 2016 إن الشقيقان محمد وأحمد أولاد خليل المدرس وهما من مؤسسي شركة الغزل والنسيج بحلب 1933 " وهما اللذان ورثا مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية تصل لحوالي عشرة آلاف هكتار تبدأ من قرية رسم العبد قرب حلب وصولاً إلى الرقة على ضفاف الفرات على بعد ثمانين كيلومتراً عن حلب ".
(4). للمزيد راجع كتاب باترك سيل الصراع على سوريا. ص 44 -49.
(5). يروي خالد العظم في الجزء الثاني من مذكراته( ص 272 ) في معرض حديثه عن التغيرات التي حصلت في عقلية ضباط الجيش السوري بعد موجة الانقلابات الأولى التي حصلت بعد الاستقلال والعلاقة الجديدة التي قامت بين الجيش والسلطة السياسية بالقول: " ووصل بهم الزهو إلى ذروته، كما حصل ذات مرة عندما استدعاني رئيس الجمهورية شكري القوتلي وطلب مني إحضار اللواء عفيف البزري معي، فحضرنا ومعنا الحلفاء الارشيدون: السراج والنفوري وعبد الكريم ... وحمدون. فجاملهم الرئيس طويلاً ثم أطلعهم على سبب دعوتنا كلنا، فإذ بها استمزاج الأركان عما إذا كان لديهم مانع من أن يأتي دمشق طبيب الرئيس السيد شاؤول المصري الجنسية ! وتطلع الضباط، بعضهم ببعض، مستخفين عقل الرئيس على هذا الطلب السخيف. وأجابوه، طبعاً، إن ليس لديهم مانع لإجابة أي طلب يتقدم به. فإذا كان الوضع هكذا بين رئيس الجمهورية وضباط الأركان، فكيف تريدونه أن يكون بين من هم أدنى درجة في سلم الوظائف الحكومية ؟ ".
وفي ذات السياق من المهم الإشارة إلى ما قام به مجموعة من ضباط الجيش السوري عشية الوحدة مع مصر، عندما " قام وفد عسكري مؤلف من 14 ضابطاً برئاسة رئيس الأركان عفيف البزري بزيارة سرية للقاهرة يوم 12 كانون الثاني، حيث التقوا عبد الناصر تحت عنوان توحيد القيادتين العسكريتين، لكنهم دفعوا باتجاه وحدة سياسية اندماجية، كانوا قد أعدوا قبل سفرهم إلى القاهرة مذكرة تتضمن تفاصيلها، وقد تم ذلك دون استشارة الحكومة السورية أو طلب الإذن منها " مقتطف من كتاب تطور المجتمع السوري ( 1831 – 2011 ) لنشوان الأتاسي ص 218.
(6). في كل الانتخابات النيابية التي عرفتها سوريا منذ الاستقلال حتى انتهاء الحياة البرلمانية الديمقراطية بعد انقلاب 8 آذار 1963، لم يحصل حزب البعث العربي الاشتراكي في كل الانتخابات التي شارك فيها منذ تأسيسه على مرتبة بين الكتل البرلمانية تزيد عن المرتبة الثالثة أو الرابعة، حيث كان دائماً المستقلين يحصدون المرتبة الأولى ثم يليهم حزب الشعب أو الحزب الوطني في المرتبة الثانية أو الثالثة، ففي أول انتخابات نيابية شارك فيها عام 1954، حصل على المرتبة الثالثة متقدماً على الحزب الوطني بفارق ثلاثة مقاعد فقط ، وفي الانتخابات التي جرت في الأول من كانون الأول 1961، بعد الانفصال عن مصر حصل على المرتبة الرابعة، وقد كان ثلثا الفائزين محسوبين على كتلة أكرم الحوراني، وقد فشل صلاح البيطار في هذه الانتخابات في الحصول على مقعد نيابي عن مدينة دمشق.
(7). كتاب باترك سيل الصراع على سوريا. ص52-53.
(8). جاء دعم الحزب الشيوعي السوري للنظام البعثي اعتماداً على " مقولات نظرية أنتجها السوفيات في عامي 1963 و 1964 مثل وصف أنظمة عبد الناصر وحزب ( البعث ) في دمشق وبن بيللا في الجزائر وعبد السلام عارف في بغداد بأنها " أنظمة ديمقراطية ثورية " وبأنها تسير في " طريق التطور اللارأسمالي " أو كما وصفته عام 1971 وثيقة " الملاحظات السوفياتية على مشروع برنامج الحزب الشيوعي السوري ". وهي وثيقة شارك فيها قادة سوفيات كبار مثل سوسلوف وبوناماريوف مع آخرين مثل رئيس الوزراء الروسي في التسعينيات بريماكوف ..." مقتطف من مقال محمد سيد رصاص المنشور في جريدة الأخبار اللبنانية بعنوان رأسمالية " طريق التطور الرأسمالي " بتاريخ 16 تموز 2018.
(9). ينقل عن الرئيس الراحل اللبناني شارل الحلو بأنه في إحدى لقاءاته التلفزيونية قبل وفاته في مطلع 2001 تحدث عن علاقته التاريخية مع سوريا والشعب السوري، وعندما سأله المذيع عن بداية حياته المهنية أجاب أنه وبعد تخرجه من الجامعة اليسوعية عام 1934 عمل صحفياً يكتب باللغة الفرنسية في إحدى جرائد مدينة حلب السورية... فسأله المذيع ولماذا سوريا وليس لبنان ؟؟؟ فأجابه الرئيس اللبناني بكل هدوء وثقة بأنه في ذلك الوقت إذا كنت تريد أن تبني لنفسك سيرة ذاتية محترمة عليك أن تعمل في سوريا وإذا أردت أن تصل إلى نخبة النخبة في المشرق العربي فعليك أن تعمل في مدينة حلب.

نظام الاستبداد المعمم في سوريا مقدماته ومراحله - 6 lemonde.in 5 of 5
لومـــــوند : نبيل ملحم سادساً: عجز البرجوازية عن الهيمنة داخل المجتمع المدني الناهض في السياقات الطبيعية لتطور المجتمع البرجوازي يمكن القول...
انشر ايضا على

عبر عن رأيك