السياق التاريخي لنشوء وترعرع البربرية في سوريا ( 17 )

لومـــــوند : نبيل ملحم
السابع عشر : بداية ظهور الشهوة المعندة في الأمركة والوقوف على يسار الليبرالية العالمية المتوحشة لدى التيار  الإمبرقراطي  :
في 25 كانون الأول 1979 وفي لحظة الغزو السوفييتي لأفغانستان للإطاحة بحكومة " حفيظ الله أمين " لمصلحة حليفها الجديد " بابرك كرمل " هلل حينها القيادي البارز في رابطة العمل الشيوعي أصلان عبد الكريم بهذا الغزو - كما يشهد على ذلك العديد من رفاقه المقربين منه في تلك المرحلة - كون هذا الغزو كما كان يعتقد يشكل عجلة ضرورية في دفع المجتمع الأفغاني نحو الاشتراكية المنشودة، وبعد ما يقارب العقد من الزمن وتحديداً في 28 شباط 1991 عند انتهاء معركة عاصفة الصحراء بقيادة القوات الأمريكية التي أخرجت قوات نظام صدام حسين من الكويت، حزن كثيراً أصلان عبد الكريم - وكان حينها معتقلاً سياسياً في سجن صيدنايا وكان كاتب هذه السطور معه في نفس السجن في الجناح - أ - الطابق الأول - كون القوات الأمريكية وقفت عند الحدود العراقية الكويتية ولم تلاحق قوات صدام حسين إلى قلب العاصمة بغداد وتقوم بإسقاطه وإقامة نظام ديمقراطي بديل لنظامه. وبين الحدثين الأفغاني والعراقي استيقظ أصلان عبد الكريم في منتصف هذا الزمن وهو في سجنه، وتحديداً بداية من النصف الثاني من الثمانينيات من القرن الماضي على مقولة " دعه يعمل دعه يمر " التي تعود في وجودها الثقافي وفعلها في الواقع إلى عصر صعود ونهوض البرجوازية في الواقع الأوروبي، وحيث كانت تكثف هذه المقولة فكرة وعمل البرجوازية الصاعدة في الواقع الأوروبي إلى الحاجة إلى فتح وإنشاء أسواقها القومية في مواجهة العوائق التي كان يفرضها المجتمع الإقطاعي القديم، وهي المقولة التي شكلت من الناحية الثقافية والعملية إحدى الأسس التي نشأت عليها الليبرالية الاقتصادية والسياسية في الواقع الأوروبي، وهي المقولة التي ظل القيادي أصلان عبد الكريم يرددها في سجنه وبين رفاقه إلى الحد الذي جعل أحد " الصحابة المقربين منه " يقول : أن حزب العمل الشيوعي تحول حينها إلى حزب " دعه يعمل دعه يمر " . لقد ركز حينها أصلان عبد الكريم على هذه المقولة " والاكتشاف " للقول لرفاقه:
أولاً : إن المهمة المركزية لنضالنا لم تعد كما كنا نعتقد بأنها تتركز في القضية الوطنية، وأن القضية الديمقراطية هي التي أصبحت قضية نضالنا المستقبلي.
ثانياً : وبعد بدء تفكك الدولة السوفييتية وكتلتها الشرقية التي كانت تشكل السند التاريخي الثقافي والفكري لأغلب شيوعي العالم، أراد أصلان عبد الكريم من هذه المقولة القول لرفاقه: أن الثورة القادمة – التي تتحدد من خلال طبيعة العصر - لم تعد هي الثورة الاشتراكية كما كنا نعتقد بل أصبحت ثورة برجوازية ديمقراطية. وفي الواقع فإن أصلان عبد الكريم لم يكن مخطئاً في هذين التحولين، إن كان في طبيعة المهمة المركزية أو في طبيعة الثورة القادمة، بل يمكن القول بأنه تأخر كغيره من الشيوعيين على هذا الاكتشاف - على الأقل بالنسبة للشيوعيين في أطراف النظام الرأسمالي العالمي - لزمن يعود إلى مرحلة الخمسينيات من القرن الماضي حين فشلت كل الموجات والسيرورات الثورية داخل مراكز النظام الرأسمالي العالمي على مدى قرن من الزمن بدءاً من منتصف القرن التاسع عشر وصولاً لمنتصف القرن العشرين – وقد كانت آخر هذه الموجات والسيرورات وأضعفها الموجة الثورية التي عرفتها القارة الأوروبية في 1968 والتي عرفت بالحركة الطلابية - أقول : فشلت كل هذه السيرورات في إحداث انتصار وكسر أي حلقة مركزية من قلاع النظام الرأسمالي، كما يعود - بالتوازي مع هذا الفشل - إلى الزمن الذي انتكست فيه السيرورات الثورية في الحلقات التي تم كسرها في أطراف النظام الرأسمالي العالمي، حين ارتدت هذه السيرورات بثورات مضادة بداية من الحلقة الأم السوفييتية باتجاه معاكس للاتجاه الذي بدأت به، وحيث كانت النتيجة التي نعرفها جميعاً بأنه تم بناء نظم عبوديات حديثة بدل الاشتراكية المنشودة.
إذاً أين كان يكمن خطأ أصلان عبد الكريم في هذا الاكتشاف ؟؟؟ في الواقع كان يكمن الخطأ في الحوامل التاريخية الطبقية والاجتماعية والسياسية التي تصورها أو لنقل ركّبها وتوهمها أصلان عبد الكريم كقدمين ملقى على عاتقهما السير في اتجاه المهام التي حددها ، وحيث يمكن تسمية هاتين القدمين بالوهمين اللذين سيطرا على صاحبهما حيث نجد:
في الوهم الأول " والقدم الأولى للديمقراطية المنشودة " : إن أصلان عبد الكريم ومعه حزب العمل الشيوعي في سوريا لطالما استخدموا مقولة ومصطلح البرجوازية التقليدية السورية وذلك للتمييز بين نوعين من البرجوازية:
الأولى : البرجوازية التي في السلطة أو التي مثلها كبار رجال السلطة والدولة وحزب البعث الحاكم، والتي سماها بالبرجوازية البيروقراطية.
والثانية : البرجوازية التي كانت تعمل في السوق والتي سماها بالبرجوازية التقليدية، حيث حمل هذا الاسم - المقولة - من الحقيقة بمقدار من حملته من الوهم وقليل من التضليل غير المقصود والناتج عن وعي غير مطابق للواقع، ورغم أن الحزب ومعه أصلان عبد الكريم أشارا إلى حقيقة صيرورة طبقية سياسية ستنتج بالنهاية اندماجاً بين البرجوازيتين البيروقراطية والتقليدية مقتفين بهذا التحليل أثر ما حصل بالتجربة المصرية على شكل ما يمكن تسميته نسخاً ولصقاً للحالة المصرية على الحالة السورية . فإن الوهم كان له هنا وجهان، الوجه الأول للوهم : كان ناتجاً عن عدم التشديد والتمييز وملاحظة أنه في الحالة السورية تمت ولادة سلالة طبقية جديدة داخل البرجوازية السورية العاملة في السوق يصلح ويصح إن لم أقل كان ينبغي تسميتها ببرجوازية الحركة التصحيحية كما أشرت إليها في أكثر من مكان في هذه السلسلة من المقالات، وهي برجوازية مغايرة في بنيتها الطبقية وثقافتها وتقاليدها وأخلاقها عن سلالة البرجوازية السورية التقليدية التي كانت تعمل في السوق والتي عرفها المجتمع السوري بدءاً من ظهورها في بداية القرن العشرين وصولاً إلى المرحلة التي تم القضاء عليها مع وصول البعث إلى السلطة، حين تم القضاء على عمودها الفقري الاقتصادي من خلال ما عرف بإجراءات التأميم التي قامت بها نظم البعث المتعاقبة، وحين تم القضاء على عمودها الفقري السياسي والثقافي والأخلاقي، حين أبعد كل رموزها وتعبيراتها السياسية والثقافية عن المشهد السياسي السوري بشكل كلي، بدءاً من انقلاب 8 آذار 1963 ، وثانياً : وهم أن هذا الاندماج سيكون لمصلحة برجوازية السوق – كما حصل في الحالة المصرية - وبما يعني انتقال برجوازية ما تم تسميتها ببرجوازية بيروقراطية إلى مواقع البرجوازية العاملة في السوق بشكل أتوماتيكي وكلي - من دون الأخذ بالحسبان خصوصية الاستبداد الأسدي - وبما يعني أن هذا الاندماج كما الحالة المصرية سيقود بالضرورة إلى دفع هذا الهجين الطبقي البرجوازي الجديد العامل في السوق للسعي لطلب المشاركة في صنع القرار الاقتصادي والسياسي، الأمر الذي سينتج في النهاية حداً أدنى من الليبرالية الاقتصادية والسياسية على صعيد علاقة الدولة بالمجتمع ككل، أو على صعيد علاقة الدولة بالمجالات الثلاث – الاقتصادي والسياسي والإيديولوجي - وهنا نصل إلى القدم الأولى للديمقراطية المنشودة المتوهمة التي سيطرت على أصلان عبد الكريم، أي وهم أن تكون مقولة " دعه يعمل دعه يمر " صالحة لهذا النوع من البرجوازية، فبرجوازية الحركة التصحيحية التي اندمجت بطريقة معاكسة للطريقة المصرية، حيث تم تطويع برجوازية السوق أي برجوازية الحركة التصحيحية، لتأتي إلى موقع وساحة وميدان وجناح وإلى تحت أبط برجوازية السلطة والدولة أي البرجوازية البيروقراطية وحيث الأصح تسميتها الطبقة العليا للدولة الاستبدادية البرجوازية، وشكلت مع جناحها الأصيل أو ما يمكن تسميتهم بأصحاب الدولة الاستبدادية الحقيقيين الذين أسسوا للسلطة والدولة الاستبدادية ما يمكن تسميتهم بأهل وأصحاب الدولة الملحقين، أقول : أن هذه البرجوازية ونتيجة خصائص تطويعها واندماجها فإنها تعمل وبعكس الوهم الأصلاني لا بمبدأ " دعه يعمل دعه يمر " بل بمبدأ " دعه يستبد دعنا نمر ". ولكن ولما كان صاحب الوهم لا يمكن أن يرى سوى وهمه، فقد حصل مع أصلان عبد الكريم ومعه رهط كبير من النخب السياسية والثقافية المعارضة السورية كما حصل مع عالم الفيزياء نيوتن وهو يرى التفاحة الساقطة من على الشجرة وقوله الشهير لقد وجدتها، كإشارة لاكتشافه وجود قوة الجاذبية الأرضية، أقصد هنا لما رأى أصلان عبد الكريم وغيره الكثير من النخب السياسية المعارضة في ظاهرة البرجوازي السوري رياض سيف الذي انشق عن صفوف البرجوازية السورية في فترة ربيع دمشق ( 2000 – 2001 ) في أنها ظاهرة يمكن تعميمها والاستناد عليها في عملية التغيير الديمقراطي، ولم يروا أن هذه الظاهرة لم تكن سوى ظاهرة فردية وسطحية ولم تكن تعكس حقيقة عمق وماهية بنية البرجوازية السورية ككل، وهو الأمر الذي جعل المتوهمين يتوقعون بأنهم وجدوا القدم الأولى البرجوازية التي ستخطو نحو عملية التغيير الديمقراطي - إن كانت كحامل للمهمة المركزية الديمقراطية كحد أدنى ، أو كحامل لثورة برجوازية ديمقراطية كحد أقصى، ولم يستيقظ هاملت السوري وكل الحالمين معه على حلمهم ووهمهم إلا حين فاجأهم أن أول من تمنع عن مناصرة الثورة وعملية التغيير الديمقراطي من بين كل طبقات المجتمع السوري كانت البرجوازية السورية في قلعتيها الدمشقية والحلبية. وحين وجدوا بأنه لم ينفع مع هذه البرجوازية كي يكسبوها لمصلحة الثورة حتى عندما تمت مغازلتها من خلال تعيين الدمشقي معاذ الخطيب رئيساً لائتلاف المعارضة السورية.
في الوهم الثاني " والقدم الثانية للديمقراطية المنشودة " : كما قلت في السطور السابقة رمى أصلان عبد الكريم حجره الأولى على ثلوج الليبرالية المتوحشة التي هبت بعد تفكك الكتلة الشيوعية الشرقية من الغرب الأمريكي عندما أبدى حزنه الشديد عام 1991 كيف أن الجنرال شوارزكوف قائد عاصفة الصحراء لم يزحف بها إلى قلب العاصمة العراقية ويقوم بإسقاط نظام الطاغية صدام حسين ، ثم تدحرجت هذه الحجر والشهوة وكبرت شئياً فشيئاً إلى الحد الذي أصبحت فيه شهوة معندة ، وفي لحظة تقديم أصلان عبد الكريم أوراق اعتماده لصاحب الشهوة الأولى زعيم التيار " الدينوقراطي " رياض الترك وفي لحظة تزاوج الشهوات وتقاطعها وتكاملها، وهنا أتفق مع ما جاء في مقال كتبه الباحث السوري محمد سيد رصاص بعنوان " نزعة الاستعانة بالخارج عند المعارضة السورية في مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي – مينا – " بتاريخ 30 / 11 / 2018 بانه "... منذ عام 2002، وقبيل أشهر من غزو العراق وعشية انعقاد مؤتمر لندن للمعارضة العراقية في الشهر الأخير من ذلك العام، بدأت تظهر أطروحة أن المرجعية الوحيدة في تقويم مجمل سياسات المعارضات والسلطات “هي الديمقراطية” (أصلان عبد الكريم، وهو قيادي سابق في حزب العمل الشيوعي في سوريا، في نشرة “الرأي” الناطقة باسم الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي، العدد 14، تشرين الثاني/ نوفمبر 2002، ص19). أدى هذا إلى طروحات حول “أولوية الديمقراطية ومفتاحيتها” في القضايا كلها؛ الوطنية والاقتصادية- الاجتماعية، وأنها جميعاً مؤجلة إلى ما بعد تحقيق الديمقراطية أو مشروطة بها، مع سكوت أو تصريح بالقبول بأي حامل يأتي بالديمقراطية، انطلاقاً من أطروحة تقول إن “الدكتاتوريات قد قضت على العوامل الداخلية للتغيير”، وهو ما تلاقى مع طروحات كان يقول بها بعض أيديولوجيي (المحافظين الجدد)، مثل ويليام كريستول، حول “صناعة الديمقراطية” في “الدول الفاشلة”." كما يقول أصلان عبد الكريم في نفس المقال " في المرحلة الفاصلة بين لقاءات واشنطن للمعارضة العراقية وانعقاد مؤتمر لندن لعدد من فصائل المعارضة العراقية في 14- 15 كانون الأول/ ديسمبر 2002 الذي حضره المبعوث الأمريكي سلمان خليل زاده، إن المعارضة العراقية “ تستميت ضد نظام صدام وهي على حق في ذلك ””. ثم جاء ما كان يطمح إليه أصلان عبد الكريم وتم الغزو الأمريكي للعراق بين ( 19 مارس 2003 و 1مايو 2003 ) وشرب ومعه رهطا من النخب السياسية والثقافية السورية كأس ما اعتبروه فتحاً لبوابة الديمقراطية في العالم العربي معتبرين أن من سقط في العراق هو نظام صدام حسين وليس سقوطاً للعراق وأن مسألة انتقال الديمقراطية إلى الجوار أصبحت مسألة وقت وأن القاطرة آتية إلى دمشق بعد أن تأخذ استراحة في بغداد. ويقول أيضاً الباحث السوري محمد سيد رصاص في مقال في جريدة الأخبار بتاريخ 23 آب 2017 بأنه " كان هناك رأي عند أحد قياديي حزب العمل الشيوعي التاريخيين هو التالي: «الدبابة الأميركية الواقفة عند الحدود في البوكمال هي مثل الباص الذي يقف في استراحة حمص أثناء توجهه من حلب إلى الشام». طبعا سيستيقظ أصلان عبد الكريم كما هاملت متأخراً ومعه كل هذا الرهط من النخب السورية التي صفقت للغزو الأمريكي للعراق 2003 على أن البديل العراقي الذي أتت به أمريكا - والذي كان قال عنه أصلان عبد الكريم في مقاله في جريدة الرأي الذي أشرت إليه في الأسطر السابقة - بأن هذا البديل الذي نفذ صبره من أجل التدخل الأمريكي في العراق هو ذاته الذي سيستل سكينه من خلال مجموعة من فصائل الإسلام السياسي الشيعي المدعومة من إيران ومن حكومة حزب الدعوة الإسلامي الشيعي الحاكم في العراق في زمن حكومة نوري المالكي ويقوم بذبح ثورة السوريين من الوريد إلى الوريد عندما سينفذ صبرهم – ولكن هذه المرة - من ثورة السوريين التي نادت بالحرية والكرامة وسعت للتخلص من نظام الطغيان الأسدي ، كما سيستيقظ – ومن غير المؤكد أنه استيقظ - على أن البديل الذي أتت به الدبابة الأمريكية لم يكن سوى الوجه الآخر لسكين صدام حسين التي كانت تذبح الشعب العراقي. وما يثير الاستغراب والاشمئزاز أن هذا البديل الذي كان ينتظره أصلان عبد الكريم كان معلوم الهوية والمعالم والبنية والانتماء وحيث كان على رأس هذا البديل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية المقاد تاريخياً من آل الحكيم وحزب الدعوة الإسلامي المدعومين إيرانياً وأكبر ممثلين للإسلام السياسي الشيعي في العراق المرتبط والمرتهن للقيادة الإيرانية الخمينية.
في الواقع لم تكن مشكلة أصلان عبد الكريم في الدعوة السياسية إلى إسقاط نظام صدام حسين من خلال الاستعانة بالدبابة الأمريكية أو غيرها فلا أتصور بأن هناك عاقلاً في هذا الكون يأسف ويحزن على سقوط نظام طاغية كنظام صدام حسين أو غيره من النظم المماثلة التي عرفتها المنطقة، كما لا يلام كل العراقيين الذين فرحوا بسقوط طاغية حول العراق الى سجن جماعي كبير، كما لا يوجد عاقل يدعو إلى الوقوف إلى جانب نظام الطاغية لمواجهة الغزو الأمريكي بحجة أن الغزو يأتي في إطار الهجمة الإمبريالية لليبرالية المتوحشة على المنطقة، فمثل تلك الدعوة لا تعدو كونها دفاعاً وغطاءً لاستمرار حكم أعتى نوع من النظم التي عرفها التاريخ الحديث والتي لا تستحق أن ندافع عنها مهما كانت هوية وأهداف الجهة الغازية، إن النقد الموجه للذين هللوا للغزو الأمريكي لا يتأتى من المفاضلة التي قاموا بها بين الغزو والاحتلال وبين نظام طاغية مجرم، فمن المؤكد أن الاحتلال أكثر رحمة على الشعوب من نوع كهذا من النظم المجرمة، أن النقد موجه إلى الآمال والأحلام والطموحات المفرطة في تفاؤلها لإيجابية هذا الغزو والاحتلال للعراق، أي أن النقد موجه إلى عملية تجميل وجه الغازي ووجه البديل القادم على ظهر الدبابة ، أن ما كان خطيراً في هذه الدعوة:
أولاً : هو الإيمان بأن الدبابة الأمريكية جاءت إلى العراق لبناء الديمقراطية لا في العراق فحسب بل في عموم المنطقة وهو ما كان يظهر بشكل جلي بقولهم أن من سقط في العراق هو نظام صدام حسين وليس العراق وبما يعني أن هذه الدعوة استبطنت ( إن كان صاحبها واعياً لما يقول أو إن لم يكن في كامل وعيه السياسي) فكرة التخلي عن القرار الوطني لعملية التغيير الديمقراطي في المنطقة وتسليم هذا القرار لصاحب الشأن والذراع " الديمقراطي " الأمريكي وهو ما تم تجسيده بشكل سريع وحسب الرغبة والطلب في الحالة السورية عندما طلبوا التدخل الأمريكي عندما بدأت الثورة السورية حيث كانت الاستجابة بالتدخل سريعة بعكس ما يظن الكثيرون ولكن على الطريقة الأمريكية ومن خلال أذرع محلية وإقليمية ومستعارة وحيث كانت مسألة التخلي عن القرار الوطني للثورة من قبل من ادعوا تمثيلها سهلاً وجاهزاً لهذا التدخل كما حصل من قبل في الحالة العراقية وقد كانت الاستجابة في التخلي عن القرار الوطني للثورة من قبل هؤلاء الأدعياء سريعة وحسب الطلب الأمريكي بل أكثر مما كان يطمح إليه الأمريكان وشركاؤهم الإقليميين حيث قامت أمريكا وبعلم هؤلاء الأدعياء بإنشاء غرفة " الموك والمور " بإشراف وإدارة المخابرات الأمريكية والإقليمية لخلق مجموعة من الفصائل المرتزقة والإسلامية كبديل عن مشروع إنشاء جيش حر وطني، وكعادة هاملت الذي تعلم الاستيقاظ متأخراً لن يستيقظ من كبوته إلا عندما قامت هذه الفصائل التي كان يقال عنها أنها ثورية بذبح الثورية السورية من الوريد إلى الوريد بالمشاركة والمصارعة مع من جاءت بهم أمريكا نتيجة غزوها للعراق 2003.
ثانياً : إن ما كان خطيراً لم تكن الدعوة الأصلانية للتغيير الديمقراطي من خلال الدبابة الأمريكية بل في التأصيل الفكري والثقافي لهذه الدعوة والتي يمكن تكثيفها وتلخيصها بالقول: إن هذه الدعوة ترافقت مع تجميل صورة أمريكا في العالم بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص ، كما أن ما ميز هذه الدعوة أنها تمت من خلال الثقافة الشفاهية غير المكتوبة ولا سيما أن هذه الدعوة ترافقت مع انتقال مركز ثقل العمل السياسي في الواقع السوري في العقدين الأخيرين من إطاره الحزبي كما كان سابقاً إلى العمل السياسي الحركي الشللي في الزوايا والتكايا المنزلية أو لنقل الشلل المنزلية. وما يهمنا هنا الكشف عن أساس هذا التأصيل والوهم السياسي والفكري. من المؤكد أن الرأسمالية الغربية في كل مراحل تطورها منذ نشأتها حتى يومنا هذا قدمت لشعوبها من المنجزات الحضارية ما لا يعد ولا يحصى وهنا لا أتكلم عن المنجزات المادية فهذا أمر مفروغ منه بل أتكلم تحديداً عن المنجزات الثقافية والسياسية التي يمكن تكثيفها بعبارة واحدة هو أن الرأسمالية استطاعت أن تصل بشعوبها إلى بناء الدولة الحديثة الديمقراطية البرجوازية مع كل ما ترافق مع ذلك من رفع قيم وثقافة حرية الإنسان والتفكير واحترام الكرامة البشرية لمواطنيها . وبالرغم من أنه حصل في مراحل من التاريخ الحديث نقل بعض من هذه المنجزات إلى دول المستعمرات بشكل مباشر في مرحلة الاستعمار المباشر ولكن هذا لا يجعلنا نتوهم كما توهم أصلان عبد الكريم ومعه الكثيرون ممن انضموا إلى فرقته الليبرالية الجديدة – كما سماهم الباحث السوري محمد سيد رصاص - أن هذه المنجزات سيتم نقلها إلينا مرة أخرى عبر الدبابة الأمريكية، فالأمر ذاته لم يعد ممكناً في الوقت المعاصر بالطريقة والكيفية القديمة وذلك يعود لسبب كنت قد أشرت إليه في أكثر من مكان في هذه السلسلة من المقالات إلى تطور وطغيان النزعة الشمولية في بنية القوة القائدة للنظام الرأسمالي العالمي والتي هي في الوقت المعاصر أمريكا التي يتم التغزل بها والتعويل عليها وعلى دبابتها " الديمقراطية " وحيث أن هذه النزعة تدفع بالقوة القائدة للنظام الرأسمالي العالمي أولاً : إلى تفتيت كل بنى النظام في الأطراف وفي المراكز – في الخواصر الرخوة - من أجل سهولة الحفاظ على كل ما يلزم لديمومة النظام والسيطرة على هذا النظام كله من جهة ومن أجل الحفاظ على مكانة وهيمنة القوة القائدة داخل النظام من جهة ثانية.
وثانياً : إن القوة القائدة لهذا النظام ومعها كل القوى الكبيرة في مركزه لم تعد تعتمد على استمرار مصالحها وتأمين هذه المصالح كما كان الأمر في السابق على الاستعمار والاحتلال المباشر بل من خلال الغزو المؤقت ثم الانسحاب، كما لم تعد تعتمد على استمرار مصالحها من خلال قوى طبقية ذات طابع وهويات وطنية رغم كل التشوهات التي ولدت في بنيتها ورغم كل ما كان يقال عن تبعيتها في الأطراف بل من خلال قوى أكثر سوءاً وعلى هيئة هويات ما دون وطنية طائفية أو قبلية أو عشائرية أو اثنية ترتبط مصالحها مع الخارج الاستعماري ...الخ وبما يعني تطابقها في المواصفات مع إرادة النزعة الشمولية ونزعة التفتيت الكامنة عند القوة القائدة للنظام الرأسمالي العالمي، وهو الأمر الذي يعني أن التدخل المباشر للقوة القائدة للنظام الرأسمالي في بنى الأطراف الرخوة سيقود إلى مزيد من تفتيت البنى السياسية والهويات الوطنية الأمر الذي يعني أن المنجزات الحضارية السياسية والثقافية التي كانت تنقل سابقاً للأطراف سنجدها معدومة الأن بل يمكن القول مقلوبة وبما يعني أن القوة القائدة للنظام الرأسمالي تعمل على إطلاق صيرورات من الجدل الهابط داخل مجتمعات الأطراف تقود إلى تكوين بنى سياسية رجعية في مضمونها ووجودها وهويتها وثقافتها وتعود إلى عصور ما قبل عصر الحداثة السياسية على شكل هويات متصارعة ومغلفة بقالب شكلاني من ديمقراطية المكونات الطائفية والقبلية وهي الخدعة التي تقبلتها النخب السورية " المتلبررة " حين بدأت بالمفاضلة الغبية بين استبداد نظمها الشمولية وهذه الصيغة من " الديمقراطية " التي يمكن تسميتها بنظام جديد لنظام الملل الذي عرفته العصور القديمة، وحيث القبول بهذه الصيغة هو ما قاد أصحاب هذه المفاضلة إلى اعتبار هذه الصيغة أحد المنجزات الديمقراطية للدبابة الأمريكية. إن أساس الضلال والوهم الأصلاني تأتى من كونه لم يعد - بعكس حالته عندما كان موسكوفيا - يرى في تمثال الحرية في أمريكا غير وجهه المتجه إلى الشعب الأمريكي وبما يعني أنه لم يعد يرى مؤخرة تمثال الحرية الموجهة نحو العالم الخارجي أو إلى شعوب العالم كله، وفي الواقع لم يكن الخطأ الأصلاني بأنه أصبح يرى المنجزات الحضارية للرأسمالية والإمبريالية بل يمكن القول أنه تأخر كأغلب الشيوعيين الموسكوفيين عن رؤية هذه المنجزات والاستفادة منها إن كان على صعيد برامج الأحزاب المعارضة لنظمها أو على صعيد الأخذ بها من قبل الأحزاب الشيوعية التي وصلت إلى السلطة في بعض الساحات، كما لم يكن الخطأ الأصلاني في الكف عن رؤية مؤخرة تمثال الحرية الموجه نحو العالم الخارجي - وإن كان في هذا الكف مشكلة – إن المشكلة كل المشكلة في الرؤية الأصلانية تمثلت في توهمه أن هذه المنجزات يمكن أن تنتقل إلينا عبر الدبابة الأمريكية وبما يعني حث هذه الدبابة للتوجه إلى ساحاتنا لتفعل المطلوب وتبني لنا أول أحجار البناء الديمقراطي حتى وإن تتطلب الأمر عملية اغتصاب واستباحة مكشوفة لمجتمعاتنا التي هي بالأساس تعاني من ألف علة وعلة ناتجة من اغتصابها من قبل نظمها الاستبدادية الشمولية المجرمة. والرؤية الأصلانية الأحادية الجانب - المقلوبة هذه المرة بعد أن حول جهة قبلته من موسكو إلى واشنطن - قادته إلى التبشير الثقافي والفكري حول نية الإمبريالية الأمريكية نقل منجزاتها الثقافية والسياسية إلى شعوبنا عبر دبابتها وقد اندفع في وهمه إلى الحد الذي يمكننا من القول أننا أصبحنا أمام ما يمكن تسميته بالوله الأصلاني بالإمبريالية الأمريكية، ففي ندوة – حضرها كاتب هذا المقال - داخل سجن صيدنايا عشية عاصفة الصحراء الأمريكية 1991 التي أخرجت قوات صدام حسين من الكويت قال أصلان عبد الكريم: إن البشرية تعيش لأول مرة في تاريخها أمام حالة من تحقق حلم أكبر الفاتحين في التاريخ القديم اسكندر المقدوني وحلمه قبل ميلاد المسيح بحوالي الأربعة قرون في بناء حضارة بشرية واحدة موحدة وهو الذي أسس أكبر وأعظم امبراطورية التي عرفها العالم القديم ، فها هي الرأسمالية الإمبريالية الغربية بقيادة أمريكا تحقق ما حلم به اسكندر المقدوني على أرض الواقع لأول مرة في التاريخ ، وأن الحد الحضاري – وهي الجملة المحببة على قلب أصلان عبد الكريم في تلك المرحلة – الذي وصلت إليه المجتمعات الغربية الرأسمالية سرعان ما سينتقل ويعم إلى كافة أرجاء المعمورة في ظل الحضارة الرأسمالية التي أصبحت عالمية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى حتى ولو كان ذلك عبر الدبابة الأمريكية وحيث هنا جعل أصلان عبد الكريم مقولة " دعه يعمل دعه يمر " تتحقق لا من خلال السلعة والبضاعة الرأسمالية بل من خلال مرور جنازير الدبابة الأمريكية الفاتحة " لأبواب الديمقراطية " وناقلة معها الحد الحضاري إلى كل أرجاء المعمورة المحرومة منها ، ولهذا كان طبيعياً أن يكون موقفه ومقولته في تلك المرحلة وما بعدها إن كان موقفه من الغزو الأمريكي للعراق أو من الغزو الأمريكي للثورة السورية " دعه يغزو دعه يمر " . وعندما تكلم أصلان عبد الكريم في تلك الندوة عن حلم اسكندر المقدوني في وحدة العالم لم يكن يعلم الكثير من رفاقه الحاضرين بأنه كان أصلان عبد الكريم يعيد قراءة البيان الشيوعي ولكن لا بمضامين كارل ماركس وفريدريك انجلز بل بمذاق ومحتوى أفكار وفلسفة فرانسيس فوكوياما للتاريخ الحديث. فقد تحول أصلان عبد الكريم بوعي منه او من دون وعي إلى أن يكون الحامل الثقافي السوري للفلسفة السياسية لفرانسيس فوكوياما، أو لنقل جعله فرانسيس فوكوياما الساحة السوري، ففي صيف 1989 نشر العالم والفيلسوف الأمريكي فرانسيس فوكوياما في مجلة ناشيونال انترست مقالاً بعنوان نهاية التاريخ ، وأطروحته الأساسية أن الديمقراطية الليبرالية بقيمها عن الحرية ، الفردية ، المساواة ، السيادة الشعبية ، ومبادئ الليبرالية الاقتصادية تشكل مرحلة نهاية التاريخ الإيديولوجي للإنسان ، وبالتالي عولمة الديمقراطية الليبرالية كصيغة للحكومة البشرية. وقد سار فوكوياما وبطريقة قزمة وكاريكاتورية على خطا الفيلسوف الألماني جورج هيغل فكما اعتبر هيغل أن الروح الكلية في تطورها وسعيها لتتحقق عبر التاريخ، وجدت في الروح الألمانية تحققها الكامل والنهائي، فأن فوكوياما وجد أن قمة تطور الليبرالية السياسية والاقتصادية قد وجدت سقفها الأخير في الليبرالية الاقتصادية والسياسية الأمريكية، وهو ما اعتبره آخر مراحل التطور ونهاية التاريخ، مبرراً ذلك بعدم وجود بديل أفضل. طبعا إن قول أصلان عبد الكريم المتكرر عن ذاته بأنه " شيوعي حتى إشعار آخر " أو " إني كنت ولا أزال وسأبقى ماركسياً بالمعنى الذي أفهمه " كما جاء على لسانه بتاريخ 21 يونيو عام 2000 في مقابلة مع ابراهيم حميدي في جريدة الحياة، لا يغير من اتهامي له بأنه النسخة السورية عن فوكوياما الأمريكي، فالسيد أصلان عبد الكريم في هذه الازدواجية الثقافية الفكرية السياسية، كموسكوفي قديم وليبرالي جديد على الطريقة الأمريكية، وضع نفسه في حالة كاريكاتورية تشبه من يشرب قهوته الصباحية على الطريقة الأمريكية – مع بن خفيف – ولكن على أنغام صوت المطربة سميرة توفيق وهي تغني " يلله صبولي الكهوة وزيدوها هيل ".
لقد اختلط لدى أصلان عبد الكريم المصران الدقيق لوعيه الفكري والثقافي الذي هضم ثقافة عصر الأنوار وثقافة البرجوازية في عصر نهوضها مع المصران الغليظ في بطنه السياسي الذي امتلأ بالهوى والغرام الأمريكي الليبرالي المتوحش، وهو الأمر الذي أفقده القدرة على رؤية:
أولاً : الاختلاف بين أثر التدخل الخارجي للقوة القائدة للنظام الرأسمالي العالمي في الخواصر الرخوة المأزومة والمقسومة أفقياً إلى هويات طبقية سياسية اجتماعية وطنية وبين أثر هذا التدخل الكارثي في الخواصر الرخوة المأزومة والمقسومة عمودياً على أساس هويات ما قبل وطنية – طائفية أو قبلية - نتيجة تفتيت الهوية الوطنية بسبب حكم نوع من نظم الاستبداد المعمم لعقود وعقود والتي استندت إلى نوع من العصبيات الطائفية أو القبلية كما هو حال الكثير من نظم المنطقة، وهو الأمر الذي جعل التدخل الخارجي الأمريكي المباشر في هكذا نوع من الخواصر في زمن تهيمن وتسود فيه داخل النظام الرأسمالي العالمي وتحديداً في قيادته نزعة تفتيت العالم إلى أصغر وحداته السياسية، حيث التدخل في هذا النوع من الخواصر لا يعدو كونه فقء خراجات نظم الاستبداد المعمم - الطائفية أو القبلية كحالة العراق وسوريا واليمن وليبيا - وإغراق المجتمع في بحر صديدها القذر والاستثمار السياسي في هذا الصديد، كما حدث أثناء الغزو الأمريكي للعراق الذي هلل له السيد أصلان عبد الكريم وكما هلل وطبل لإعادة الكرة في الساحة السورية.
ثانياً : إن أصلان عبد الكريم لم يعد يرى مقولة حزب العمل الشيوعي في سوريا الذي كان ينتمي إليه، والقائلة أن استقرار نظم الطوق العربية المحيطة بكيان دولة إسرائيل المغتصب لفلسطين العربية من خلال حكم نظم ديكتاتورية مستبدة هي مطلب أمريكي إسرائيلي، وأن النظم الديمقراطية غير المستقرة كالتي عرفتها المنطقة في الخمسينيات من القرن الماضي، كانت تشكل خطراً على المصالح الأمريكية وخطراً على وجود واستقرار الكيان الإسرائيلي، أكثر من نظم الاستبداد التي أتت كبديل عن النظم الديمقراطية. وهنا نسأل أصلان عبد الكريم إذا كان قد نسي أو تناسى ذلك فإن سيده الأمريكي الجديد لم ولن ينسى يوم كانت طائرة وزير الخارجية الأمريكية في الخمسينيات زمن النظام الديمقراطي في سوريا تحتاج إلى إذن من البرلمان و الشارع السوري كي يسمح لها بالمرور بالأجواء السورية، وإذا كان أصلان عبد الكريم لم ينس كل ذلك ولا أعتقد أنه نسي، فهنا لنا الحق أن نسأله إن كان لديه مشروع نظام سياسي بديل عن نظام الأسد يقدمه للأمريكان وإسرائيل ويستطيع أن يقدم نفس الخدمات التي يقدمها نظام الأسد في حماية حدود إسرائيل وإذا كان الجواب بنعم فلنا الحق أن نطالبه بكل ما له علاقة بمواصفات هذا النظام الذي ربما ينشده. وإذا كانت كل هذه الأفكار لم تخطر على بال أصلان عبد الكريم عندما علق الآمال على الدبابة الأمريكية المتجهة إلى المنطقة وهي الدبابة التي لا تمشي إلا وفق الإرادة الإسرائيلية وتحديداً صوب منطقتنا بشكل عام وسوريا بشكل خاص، أقول : إن كان لم يفكر بكل ذلك فلا أتصور أن سببه يعود كون شخصية بمكانة أصلان عبد الكريم الثقافية تهرف بما لا تعرف، بل كونه صاحب شهوة سياسية معندة، فهو في ذلك يشبه أي صاحب شهوة غريزية معندة، حيث يغيب العقل لمصلحة الهوى والشهوة، أي كان طبيعياً أن يتغلب هوى قلبه الذي وقع في غرام الليبرالية الأمريكية وإغوائها لعقله السياسي، إن كان في إدراك ومعرفة الاتجاه العام السائد داخل النظام الرأسمالي العالمي أو في معرفة القوة الإقليمية، وهي هنا إسرائيل بكل تأكيد، التي لا تقرر بقاء نظام الأسد من عدمه فحسب بل تقرر كذلك مصير الديمقراطية في سوريا عندما تترك مسألة تقرير الديمقراطية السورية للعم سام الأمريكي أو في معرفة طبيعة نظام الأسد والدور الوظيفي الذي يقوم به في المنطقة منذ عقود.
أخيراً أقول بأنه من المفارقات المضحكة والمبكية في الآن ذاته هو أن مؤسس التيار الإمبرقراطي عندما عجز وهو يفتش على مدار ثماني سنوات من عمر الثورة السورية ولو عن إنجاز بسيط إيجابي قامت به الولايات المتحدة الأمريكية اتجاه ثورة السوريين، فإن شهوته السياسية المعندة التي أثقلت خصيته السياسية المحتقنة، وحيث كان لا بد له من تفريغها ولو على شكل فضيحة لا تعرف الخجل، لهذا قام برفع القبعات للتحالف الدولي الذي يقوده سيده الأمريكي للإنجاز التاريخي على حد زعمه الذي حققه في تحرير قرية الباغوز من تنظيم داعش وقد نسي هنا مؤسس هذا التيار أو تناسى، وعلى الأغلب فإن الشهوة أعمته عن رؤية أن الولايات المتحدة الأمريكية وكل من دخل معها في هذا التحالف من دول عملت ليل نهار بأيديها وأرجلها الإقليمية والمحلية السورية على أسلمة الثورة السورية، وحيث أن تنظيم داعش لم يكن سوى أحد تفريخات هذه الأسلمة التي قضت على ثورة السوريين بالتشارك مع عصا وسكين النظام، وأن كل ذلك تم بإدارة ومعرفة وإشراف الإدارات الأمريكية المتعاقبة بدءاً من باراك أوباما وصولاً إلى المقاول الجديد الجشع الرئيس ترمب، إن لب الفضيحة في رفع مؤسس هذا التيار القبعات للسيد الأمريكي وإعلاء شأنه في دوره " التاريخي " في القضاء على داعش يكمن في أن مؤسس هذا التيار ومعه لفيف المعارضة السورية لم يكن مطلوباً منهم بالأساس طلب المساعدة من الحكومات القذرة وعلى رأسهم أمريكا، بل كان عليهم من اليوم الأول للثورة أن يطلبوا من هذه الحكومات الكف عن دورهم التاريخي في التآمر على ثورة السوريين، ولكن الشهوة المعندة كانت تقتضي دائماً طلب المساعدة وتقديم الشكر دون رؤية فصول التآمر الذي كانت تقوم به هذه الحكومات. كما أن لب الفضيحة في رفع القبعات إلى أمريكا التي قادت التحالف الدولي ضد من اسماهم الخارجين من كهوف الماضي – أي داعش - يكمن في عدم رؤية مؤسس هذا التيار أن من أخرج داعش وغيرها من كهوف القرون الوسطى لم تكن شروط نظم الاستبداد في المنطقة فحسب بل شروط النظام الرأسمالي العالمي الذي تقوده أمريكا بدءاً من الحرب الباردة واستخدامها للدين والإسلام السياسي كأحد أدوات الصراع الدولي وصولاً إلى استخدمها الحديث للدين والإسلام السياسي كأدوات لإجهاض الربيع العربي بشكل عام والسوري بشكل خاص. .


السياق التاريخي لنشوء وترعرع البربرية في سوريا ( 17 ) lemonde.in 5 of 5
لومـــــوند : نبيل ملحم السابع عشر : بداية ظهور الشهوة المعندة في الأمركة والوقوف على يسار الليبرالية العالمية المتوحشة لدى التيار  الإم...
انشر ايضا على

عبر عن رأيك