النخب السورية في مأزق التغيير

لومـــــوند : لمى الاتاسي
نقف اليوم في طريق مسدود و لن ينقذ سوريا من كارثتها الإجتماعية و الإقتصادية لا بقاء بشار السد و لا رحيله، و لربما السبب الحقيقي يكمن في غياب إرادة تغيير عميقة و حقيقية لدى النخب السورية التي تتحمل أيضا المسؤولية في الكارثة التي وصلنا لها لا بد ان نقر بموضوعية أن الشعب لم يقم مطالبا بالحرية و الكرامة بذات المعاني التي يراها المواطن، الغربي ، في الدول الديمقراطية الحديثة ، فهو كان له مفهومه المحلي الغير مسيس لتلك المصطلحات: الحرية كانت تتلخص بالتحرر من قبضة نظام عسكري و الكرامة هي ان يجد قوت و عمل و حياة طبيعية بحد أدنى يحفظه من ان ينذل للمتحكمين بتعسف بالبلد، هو لم يطالب ايضا بذات الديمقراطية المعروفة هناك في دول الغرب ، تلك التي انتجت مفهوم الحكم الديمقراطي. بالتالي الإسقاطات الغربية على المشهد السوري اخذتنا أحيانا الى تحليل غير صائب في البداية لأسباب الثورة ، اذا واقعيا لم تكن الديمقراطية الغربية و . الحريات الفردية هي اهداف الثورة او دوافعها ،بالتالي نستطيع اليوم أن نستنتج أن العوامل الإقتصادية كانت هي السبب الأساسي لإندلاع الثورة و يضاف اليها عوامل اجتماعية متعلقة بتاريخ تعددية المجتمع السوري إن فهم تلك الأسباب هو ما يمكنه ان يساعدنا على أن نجد أجوبة داخليا على ما يمكن ان يتم تجييره للقضية الوطنية خارجيا و ليس العكس،و لكن عيون السوريين من نخب لم تتوجه الى الداخل، الى مرآتهم بل الى الخارج فقط .فالمعارضة و النظام و الكورد لا يريدون مواجهة حقائق داخلية تستحق البحث. ينتظرون التحركات و الدعم ممن لا يعرفونهم. و في الواقع كان مطلوب من النخب ان تعي مسؤليتها و ان تقتنع هي قبل الشارع بأن التقوقع الطائفي ليس حل و الصبغة الدينية الشعبوية أو القومية على السياسة كارثة اجتماعية في سوريا، و الأهم هو أن كل الدول التي دعمت تلك النخب بما فيها الدول الغربية لم تكن مقتنعة بضرورة تغيير ما ببنية الحكم في سوريا. اقليميا مثلاً السعودية كانت معنية بإخراج إيران، أما قطر فبمنافسة السعودية و أما تركيا فكان لها أهداف عديدة منها دعم تيارها السياسي الإخواني و ابعاد شبح منظمة العمال الكوردستاني و كذلك تحدي اوروبا التي رفضت عضويتها. عمليا كل تلك الدول كانت محقة بالدفاع عن مصالحها القومية و لكن السوريون كان مطلوب منهم ايضا فرض مصالح الدولة السورية على .الأقل داخليا ضمن اي تحالف أو اتفاق .الثورة كانت اسبابها داخلية اقتصادية و اجتماعية و يجب تصحيح نظريات قديمة حول سر الإنفجار ، ككون أسباب دعم أميركا و الغرب للمعارضة أسباب نفطية، فسوريا ليست دولة نفطية قط و لا يجوز اعتماد معلومات غير موثقة في هذا المجال، و كما إن ما حصل في سوريا لم يكن سببه غضب قطري على بشار الأسد لإنه رفض عام2009 تمديد معابر الغاز في اراض سوريا ، هذا الحديث الذي تناولته الكثير من الأبحاث بات اليوم مؤكد علميا انه ليس السبب الحقيقي لغضب الشارع، هذا رغم أهمية الدور القطري في تدويل الربيع العربي اعلاميا في البدايات ،عاملين كانا هم السببين الرئيسيين للثورة و هم العامل الإجتماعي و العامل الإقتصادي و الإثنين مرتبطين طبعا. فالثورة أججت الفقر و التقوقع و الشروخات الإجتماعية الطائفية رغم أن تلك الشروخات بين .المكونات كانت متواجدة حول الأسباب الإقتصادية نستطيع ان نقول باختصار ان نتائج سياسة الإنفتاح المفاجئ على العولمة التي انتهجها بشار السد داخليا منذ بدايات حكمه، بعد فترة التقشف السوفيتي التي عاشها الشعب قبل هذا ، أدت الى نشوء ظواهر غير صحية في المجتمع و انتجت فساد أدى الى إغناء فئة مقربة من عائلة بشار الأسد من تجار على حساب الأغلبية ، هذا مع تفقير و إهمال كبير لمناطق الضواحي في بعض المدن الكبيرة كدمشق و حلب و كذلك إهمال تطوير الخدمات لبعض المناطق و القرى و كذلك اهمال تام لبعض المدن كدرعا و دير الزور و الرقة. إن تفشي الفساد و غياب التنظيم و خدمات الدولة في مناطق عشوائيات واسعة من سوريا أدى الى الشعور بالغبن و الظلم و الحرمان لدى المواطن و مما زاد الطين بلة هو عدم انتهاج منذ عهد حافظ الأسد اي سياسة تنظيم لألسرة السورية مما أحدث انفجار سكاني مما صعب توفير إمكانيات الدولة لتأمين مستوى تعليم جاد للجميع و مما أدى طبعا لانقراض فرص عمل للشباب و أزمة .سكن و غير. فنسبة البطالة و البطالة المقنعة كانت قد بلغت ذروتها عشية الثورة الذين قاموا على النظام كانوا الفقراء و لم يكونوا من برجوازية دمشق أو حلب و لم تهتم البرجوازية في البداية بالثورة لنها كانت تخشى على مصالحها. تركت القيادة بسرعة للحركات الدينية التي استولت على . المشهد. ثم التحق بعض التجار بالموكب لضمان مصالحهم هذا الجانب الإقتصادي الذي كان يشكوا منه المواطن السوري قبل الثورة تفاقم جدا خلال السنوات الماضية أي ما بعد الثورة، و ازداد التشتت اإلنساني و انحدر مستوى المعيشة لدى اإلنسان السوري ليصل أدنى الحدود. ولكن خارجيا حيث يتم تباحث الملف يمكننا ملاحظة أن الأسلوب الذي تدار به الأمور حاليا من قبل الدول الغربية و الإقليمية يدل على ان أحد منهم لا يطرح فكرة حل حقيقي لأزمات المجتمع السوري و تنظيمه داخليا بواقعية، و كثيرا ما يتحدثون عن إعادة إعمار دون التعرض للقضايا الإقتصادية الملحة؛ الجانب الأخر للأزمة السورية هو الجانب الإجتماعي و هو طبعا مرتبط بشكل حتمي بالجانب الإقتصادي أي بالتقسيم الطبقي ، حيث إلغاء الطبقة الوسطى تم بشكل ممنهج منذ التسعينات مع إنتشار الفساد . و كذلك لا بد من التذكير أن للأزمة علاقة وطيدة بتاريخ الخلافات بين المكونات و تاريخ الصراعات المحلية ، ففي سوريا الوضع له خصوصية معقدة تعود لتركيبة المجتمع المحلي و التاريخ السياسي لسوريا ، هذا التاريخ الذي كان دائما يميز مكونات على حساب غيرها و يهمش البعض. على سبيل المثال النظام في عهد الأسد ميز الطائفة العلوية على حساب غيرها ، بينما في بدايات البعث همش النظام البرجوازية القديمة و الكورد و كل المكونات اللعربية ، و تجاهل الثقافات السورية المحلية بكاملها فارضا التعريب على الكورد و الجميع و اعطى للجمهورية السورية صفة الدولة المركزية بالمفهوم الجاكوبي الفرنسي ، الذي في عهود سابقة في . فرنسا ايضا ظلم الأقليات و لغى حقوقهم الثقافية تماما أما عن تقاعس النخب السورية فيكفي ان نراقب مواقف الوزراء و النخبة الموالية لنرى بأنه لا توجد لديهم نية إعادة نظر أو نقد ذاتي بعد كل ما حصل ، و يكفي من جهة اخرى ان نتابع خطاب المعارضة المعتمدة خارجيا بشقيها الإسلامي و الماركسي لنلمس مدى بعدها عن الموضوعية ، اذ أنهم يقفون منذ البداية ضمن عملية محاصصة ضيقة حسب توازنات اقليمية. يتحدثون عن إعادة إعمار و كأن الجملة عصا سحرية. لكن لا أحد خارجيا يملك مال يكفي لحل الأزمات التي تراكمت على سوريا و لا توجد نية تغيير حقيقية لدى كل تلك .النخب. و إن وجدت أحيانا، تبقى دون برنامج فالنية لا تكفي دون برامج و امكانيات إن الأزمة الإجتماعية و كارثة حالة عدم الإعتراف بالأخر لا يمكن حلهم مع بطون خاوية و عقول مجهلة و وسط أبار دماء، و لا بد من خطة إنقاذ إقتصادية إجتماعية مع ضمانات دولية لتنفيذها ، ضمانات تحّيد الفساد تماما و الزبائنية و أسلوب المحاصصات الذي اتبعته تلك النخب .. لكن الدول الإقليمية ليست معنية بمستوى حياة الفرد السوري و حتما هي ل اتعنيها قط مسألة الديمقراطية في سوريا او العدالة او المساواة .. الدول الإقليمية يعنيها فقط توظيف أشخاص موالين لها في مراكز قرار يسيرون السياسة السورية خارجيا ضمن مصالح تلك الدول الإقليمية الداعمة كما هو الحال في لبنان مثلا ً.. و من الصعب تغيير المعادلة إذ أن .النخب الحالية كلها تم تمويلها و دعمها من الدول الإقليمية التي تستحوذ على قرارهم الغائب هو إرادة التغيير و تلك الإرادة لن تتواجد دون تحييد ايادي الصراعات الخارجية عن البيت الداخلي و لا يمكن تحييد الصراعات الخارجية و الأيادي الخارجية في ظل الحكم العسكري ايا كان اذ هذا الحكم العسكري هو ايضا شر داخلي على المواطن يمنع اي عملية اصلحا او تغيير .. ندور في حلقة مفرغة تحتاج لعقول سورية تتوافق تتفاهم تنزع طائفيتها و عنصريتها و تضع سوريتها قبل دينها و قوميتها
النخب السورية في مأزق التغيير lemonde.in 5 of 5
لومـــــوند : لمى الاتاسي نقف اليوم في طريق مسدود و لن ينقذ سوريا من كارثتها الإجتماعية و الإقتصادية لا بقاء بشار السد و لا رحيله، و لرب...
انشر ايضا على

عبر عن رأيك