السياق التاريخي لنشوء وترعرع البربرية في سوريا ( 5 )

لومــــوند : نبيل ملحم
خامساً : النظام يتحصن بين قلعتين.
برجوازية الحركة التصحيحية واستحالة إسقاط النظام بطريقة الصدمة :
تكمن الخصوصية السورية في كون النظام الذي تربع على كرسي السلطة - الأب ثم الابن- لمدة نصف قرن من الزمن امتلك فائضاً من القوة تأتى من امتلاكه إضافةً لقاعدته الطبقية السياسية قاعدة اجتماعية على شكل عصبية طائفية مضافاً إلى ذلك القوة التي جاءته من حلفائه في المنطقة كونه جزءاً وشريكاً في مشروع وحلف إقليمي مذهبي طائفي يمتد من جنوب لبنان حيث حزب الله وصولاً إلى طهران الخمينية بقيادة الملالي مروراً بالعراق وسيطرة الإسلام السياسي الشيعي على مقدرات الدولة العراقية يضاف إلى ذلك كله القوة التي أتته من حليفين دوليين هما روسيا والصين العضوين الدائمين في مجلس الأمن الدولي ولهما حق النقض (الفيتو) إن نظاماً يمتلك كل هذه القوة والجبروت لم يكن هناك من طريقة لإسقاطه ولو بالحد الأدنى إسقاط رأسه الذي تتمحور حوله كل العصبيات الداخلية والرهانات الموالية الإقليمية والدولية إلا بطريقة الصدمة أي إسقاطه خلال أيام وأسابيع معدودة كما حصل في تونس ومصر فهذه الطريقة كانت الوحيدة التي تحرم من جهة النظام من إمكانية استنهاض واستجرار كامل قوته الداخلية التي كانت تعيش حالة رعب وخوف يصل إلى حدود الانهيار نتيجة الصدمة التي أحدثها الربيع العربي في أيامه وأسابيعه وحتى أشهره الأولى، كما استجرار واستقدام القوى الإقليمية الحليفة له - إن كان على شكل ميليشيات مقاتلة إلى جانبه أو على شكل دول وجيوش تقاتل إلى جانبه - والتي لم تكن متيقنة بالكامل من إمكانية صموده حتى لساعات معدودة حيث أن ذلك الاستجرار كان يحتاج إلى عامل الوقت, فالوقت كان ضرورياً حتى لاستجرار تدخل فاعل من حلفائه الدوليين (روسيا والصين), كما أن هذا الوقت هو ذاته الذي أفسح المجال من جهة ثانية لتدخل فاعل للقوى الدولية - التي ادعت كذباً مناصرة الثورة - في أحشاء الثورة والمجتمع السوري وضد أهداف الثورة وانتصارها, ولأن سقوط النظام بطريقة الصدمة كان يستلزم دخول البرجوازية السورية في حلب ودمشق مع قاعدتهما الاجتماعية على خط دعم ومساندة الثورة إن كان بطريقة الانخراط المباشر والسريع في الانتفاضة السورية كما حصل في مدن حمص وحماة ودير الزور ودرعا وأريافهم وكما حصل في ريف دمشق وحلب والقامشلي والحسكة وفي الكثير من المدن والبلدات السورية, أو من خلال المشاركة ولو بالحد الأدنى من خلال الاستجابة لكل دعوات العصيان المدني السلمي ضد النظام إن كان من خلال الإضراب العام أو من خلال الامتناع عن مد النظام بكل وسائل القوة الاقتصادية اللازمة لتمويل قمع الانتفاضة. ولأن هذا الدخول كان من المستحيل أن يتم إن كان بسبب الجبن المتأصل في بنية وثقافة هذه الطبقة المالكة للثروة ولا سيما أن النظام رفع من اليوم الأول للانتفاضة السورية سقف الضريبة بنار البربرية والهمجية أو نتيجة بنية وطبيعة البرجوازية السورية التي أصبحت ما بعد 1970جزءاً شبه عضوي من الطبقة العليا للدولة الاستبدادية الحاكمة والتي يصح أن نسميها ببرجوازية الحركة التصحيحية لتمييزها عن البرجوازية السورية التقليدية التي نشأت في سياق التحرر الوطني والتي قادت المجتمع السوري بعد الاستقلال وبنت أول دولة وطنية في التاريخ الحديث, فبعد أن كانت قد تمت عملية تحطيم رأس البرجوازية السورية التقليدية وعمودها الفقري الأساسي بالمعنى الاقتصادي والسياسي والثقافي من خلال إجراءات التأميم عبر أكثر من محطة بدءاً من مرحلة الوحدة مع مصر مروراً بصعود حزب البعث إلى السلطة وصولاً لوثبة ما سمي بيسار البعث إلى أعلى هرم السلطة في سوريا والتي انتهت بانقلاب حافظ الأسد وحيث أن النظام بدءاً من عام 1970استند على أكثر الشرائح انحطاطاً من البرجوازية التقليدية التي بقيت في السوق وهي الشرائح التي قالت يوماً " طلبنا من الله المدد فأرسل لنا حافظ الأسد " وعلى مدار نصف قرن من زمن حكم الأب والابن قام النظام بإعادة إنتاج الطبقات الاجتماعية السورية بما في ذلك الطبقة المالكة للثروة, فتم إنتاج سلالة طبقية جديدة مالكة للثروة والسلطة مكونة من حثالة كل وجود طبقي وسياسي واجتماعي وعائلي وديني وطائفي داخل المجتمع السوري, هذه الطبقة التي يمكن أن نقول عنها أنها ولدت نتاج زنا طبقي أقيم على سرير الولاء للسلطة وسرير الفساد الذي أنتجته وعممته السلطة وهو الأمر الذي أنجب وأنتج في حظيرة الاستبداد الثالوث المدنس المكون من تحالف كبار رجال السلطة والمال والدين, وهو الثالوث الذي شكل الطبقة العليا للدولة الاستبدادية الأسدية إن كان من خلال الانتماء العضوي لهذه الطبقة – الدولة أو من خلال الارتباط شبه العضوي بهذه الطبقة, أو لنقل من خلال الانتماء إلى النواة الطبقية الطائفية العائلية لهذه الطبقة أو من خلال التحلق والتملق والارتباط بهذه النواة بألف طريقة ووسيلة إن كانت سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو حتى ارتزاقية بحتة, أقول: نتيجة هذه البنية والطبيعة الجديدة للبرجوازية السورية فقد كانت هناك استحالة عندما انطلقت الثورة السورية في فك الارتباط بين النظام وهذه الطبقة وهو الأمر الذي فوت فرصة إسقاط النظام السوري بطريقة الصدمة على الطريقة التونسية والمصرية, فهنا علينا أن نتذكر بأنه إذا كان صحيحاً أن القاعدة الاجتماعية للنظام التي دخلت المعركة من أول يوم إلى جانب النظام فإنها دخلتها وهي مرعوبة وتحت صدمة موجة الربيع العربي التي أسقطت رياحه في غضون الشهر الأول على انطلاقته كلا من نظام زين العابدين بن علي في تونس ونظام حسني مبارك في مصر وفي الشهر الثاني بدأ اهتزاز عرش كل من النظام اليمني والليبي والبحريني قبل أن تصل رياح التغيير وتهز عرش النظام الأسدي في منتصف آذار لعام 2011 إلا أن مشاهدتها لتردد دخول حلب ودمشق لمعركة الثورة كان يحيي أملاً عند هذه القاعدة بالصمود أولاً ثم بعد ذلك أصبح يحيي أملاً بكسب المعركة والنصر, كما علينا أن نتذكر أن الروس والصينيين والإيرانيين ظلوا لأكثر من ستة أشهر يدعمون النظام بالسر، وفي العلن كانوا يغطون ويخفون هذا الدعم من خلال مطالبتهم الخجولة للنظام بالقيام ببعض الإصلاحات المطلوبة وتحت سقف النظام، ويراقبون سلوك هذه البرجوازية السورية الدمشقية والحلبية يوما بيوم حتى تأكدوا أنها ستخون ثورة السوريين فعندها دخلوا الميدان بشكل مكشوف وقوي بعد أن وفرت خيانة البرجوازية للثورة حداً مقبولاً لتوازن النظام, فالذي منع سقوط النظام بطريقة الصدمة كما حدث في تونس ومصر ( أي خلال أيام معدودة ) ليس امتلاك النظام لفائض من القوة التي جاءت إن كان من خلال مؤسسته العسكرية الأمنية أو من خلال دعم قاعدته وعصبيته الطائفية بل يجب أن نضيف بأنه كان نتيجة الدعم الذي جاء من قاعدته الطبقية وأقصد هنا خيانة البرجوازية الدمشقية والحلبية مع قاعدتهما الاجتماعية للثورة السورية. أقول خيانة البرجوازية ولا سيما الصف الثاني والثالث من هذه الطبقة كونهما الصفين الأقل ارتباطاً بالطبقة العليا للدولة الاستبدادية والأبعد عن نواتها الأساسية كون الثورة السورية جاءت لتحرير كل طبقات المجتمع من عبوديتها أي جاءت لتنقل المجتمع من حالة مجتمع الرعايا إلى حالة مجتمع المواطنة المتساوية بما في ذلك نقل الطبقة السائدة المالكة للثروة من حالة الطبقة الرعاعية المجردة من حقوقها السياسية إلى حالة الطبقة السائدة الحقيقية التي تمتلك حقها في تقرير مصيرها الاقتصادي والسياسي, فانتصار الثورة الديمقراطية السورية يعني نقل عموم الطبقة المالكة للثروة من طبقة سائدة بالقوة إلى طبقة سائدة بالفعل بعد تخليصها من أنياب ومخالب الحكم المستبد الذي يجردها كما كل طبقات المجتمع من أي حق لها في تقرير مصيرها. ان تحصن النظام بين قلعتين، قلعة القاعدة الاجتماعية الطائفية وقلعة القاعدة الطبقية السياسية هو من افسح للنظام القدرة على اغلاق نهر تدفق الانتفاضة والثورة السورية وبلغة نهر الفيلسوف اليوناني هيرقليط يمكن القول بان هناك ثلاث حالات تنتج أفظع أنواع البربرية:
الحالة الأولى: هي محاولة نظام سياسي أو اجتماعي وقف تدفق التاريخ أي وقف تدفق النهر الهيرقليطي، وهو الأمر الذي قام به النظام من خلال وقوفه بوجه الانتفاضة والثورة السورية وحيث توفرت للنظام كل الإمكانيات والشروط اللازمة المحلية والإقليمية والدولية لتحقيق ذلك. الحالة الثانية: هي محاولة قوة إعادة التاريخ نحو الوراء أي إعادة النهر الهيرقليطي إلى منبعه ، وهي القوة التي استطاع النظام بالتشارك الموضوعي والذاتي مع القوى الإقليمية والدولية على إيجادها على شكل فصائل إسلامية تكفيرية أو نصف تكفيرية وفي أحسن الأحوال فصائل لا تؤمن في برامجها وثقافتها وسياستها وارتباطاتها بأهداف وثقافة الثورة السورية. الحالة الثالثة: محاولة جر التاريخ إلى مرحلة لم تنضج شروطها الموضوعية بعد، أي حسب النهر الهيرقليطي محاولة قسر وتسريع جريان النهر إلى مناطق لم تفتحها الطبيعة أمامه، كل هذه الحالات تنتج أفظع أنواع البربرية، وفي حالتنا السورية يمكن القول بأنه توفرت حالتين - الأولى والثانية- لتنداح البربرية في سوريا على هيئة انغلاق بوابة التاريخ على السوريين. ولكي نعي كامل قصة هذا الانغلاق من المهم هنا تقديم مقاربة سيسيولوجية لخصائص بعض نظم الاستبداد المعمم في الواقع العربي وهي الخصائص التي ظهرت أكبر تجلياتها في صيرورة ومسار الثورة عليها. وهو الأمر الذي يمكننا من القول بوجود حلقات مفتوحة طبيعية وحلقات مغلقة مدمرة في سلسلة نظم الاستبداد المعمم في الواقع العربي. وهنا نقول لقد شكل النظامان الاستبداديان في تونس بالدرجة الأولى وفي مصر بالدرجة الثانية الحلقات الضعيفة في سلسلة نظم الاستبداد المعمم التي عرفتها الشعوب العربية بدءاً من النصف الثاني من القرن العشرين, فقد تميز نظاما الاستبداد في كل من تونس ومصر عن غيرهما من نظم الاستبداد العربية كما في العراق وسوريا وليبيا واليمن في كون النظامين في كل من تونس ومصر ارتكزا في وجودهما واستمرارهما لعقود وعقود على قاعدة طبقية سياسية طبيعية في حين تميزت نظم الاستبداد المعمم في كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن في كونها ارتكزت لعقود وعقود من الزمن على قاعدة مزدوجة مركبة حيث كان للنظم في هذه الساحات قاعدتا ارتكاز في وجودها واستمرارها وقوتها حيث كان لها قاعدة طبقية سياسية مضافاً إليها قاعدة اجتماعية على شكل عصبية طائفية كما الحالة العراقية والسورية أو قاعدة اجتماعية على شكل عصبية قبلية كما الحالة اليمنية والليبية وهو الأمر الذي وفر لهذه النظم الأربعة فائضاً غير مسبوق من القوة وبما يعني أن هذه النظم استطاعت لا أن تبني جداراً بالغ السماكة من الخوف في نفوس وعقول شعوبها فحسب بل كانت تمتلك جيشاً غير مسبوق بقوته وعدده وولائه الأعمى لكرسي الحكم وبما يعني الاستعداد لممارسة أقصى حالات الوحشية والبربرية في مواجهة الخصوم, إن هذا الاختلاف في قاعدة الارتكاز بين نظامي تونس ومصر عن بقية نظم الاستبداد المعمم الأخرى المشار إليها هو ما يجعلنا نقول : أولاً : إن كلا النظامين التونسي بالدرجة الأولى والمصري بالدرجة الثانية كانا الحلقتين الضعيفتين في سلسلة نظم الاستبداد المعمم العربية. وثانياً : هو ما جعل الربيع العربي ينطلق في هاتين الساحتين قبل غيرهما من الساحات العربية أو لنقل هو ما جعل قاطرة الربيع العربي تنطلق أولاً من تونس ثم مصر وهكذا بالتتابع بعد أن كسر الشعبان التونسي والمصري حاجز الخوف والرهبة من أمام بقية الشعوب العربية. وثالثاً : هو ما يفسر لنا بقاء الصراع السياسي مفتوحاً وفي شكله الطبيعي في كل من تونس ومصر ووصوله إلى حالة الدمار الشامل في كل من العراق وسوريا واليمن وليبيا. رابعاً: إن هذا الفرق هو ما جعلنا نقول عن الحلقتين التونسية والمصرية بأنهما حلقات مفتوحة ونقول عن الحلقات الأخرى بأنها حلقات مغلقة ويجب فتحها. فإذا كان اندماج كيان الدولة بكيان السلطة السياسية هي سمة من سمات كل دول الاستبداد المعمم إلا أن ما يميز هذا الاندماج في الساحات الأربع هو كون هذا الاندماج زيد عليه عملية اندماج بين كيان الدولة وكيان العصبية التي استندت عليها الدولة – النظام في هذه الساحات وهو الأمر الذي قاد أولاً: إلى أن لا تفقد الكثير من مؤسسات الدولة ولا سيما الجيش لطابعها الوطني فحسب, فيصبح الجيش هنا لا جيشاً للوطن وإنما جيش لرأس النظام السياسي, فهنا تصبح مهمة الجيش الرئيسية هي الدفاع عن مشروع بقاء العائلة الحاكمة للأبد على كرسي الحكم, فإذا كانت جيوش أوروبا الشرقية والكثير من جيوش نظم الاستبداد التي عرفها التاريخ قد تخلت عن نظمها الاستبدادية وحكامها المستبدين حين ثارت عليهم شعوبهم الغاضبة والثائرة للتحرر ونيل الحرية, فإن الأمر هذا لم نجده في حالة جيوش النظم الأربعة المشار إليها التي بقيت مخلصة ولصيقة بنظمها السياسية وحكامها المستبدين حين ثارت عليهم شعوبهم المظلومة إلى الحد الذي جعل الجيش اليمني مثلاً يلحق بالرئيس المخلوع علي عبد الله صالح حتى بعد أن ترك وغادر سدة السلطة والرئاسة, إن ظاهرة إخلاص الجيش اليمني للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح كانت أكبر دليل وبرهان على أن جيوش هذه النظم هي أكثر إخلاصاً للحكام من إخلاصها لبلدانها وشعوبها. وثانياً: قاد إلى أن يكون لهذه النظم الأربعة قاعدة اجتماعية ( أشبه ما تكون بمعسكرات سياسية ) احتياطية أضيفت لا إلى القاعدة الطبقية السياسية العادية لهذا النوع من النظم فحسب بل أضيفت هذه القاعدة إلى أجهزة القمع الخاصة بهذه النظم حيث بدت وكأنها امتداد عضوي طبيعي لهذه الأجهزة القمعية وهو الأمر الذي جعل أي مواجهة بين الشعوب وهذه النظم هي مواجهة بالضرورة مع هذه القاعدة التي سرعان ما اندفعت للدفاع عن هذه النظم. ففي كل نظم الاستبداد المعمم كما في تونس ومصر مثلاً والتي لم تستند إلى عصبية طائفية أو قبلية, وحتى في كل النظم العادية التي لا تستند إلى نوع كهذا من العصبيات, يقود الضغط الشعبي أو الثورة الشعبية ضد النظم السياسية إلى فك ارتباط الجيش بالسلطة السياسية الحاكمة كما يقود إلى فك ارتباط الغالبية الساحقة من القاعدة الاجتماعية والسياسية الخاصة بالنظم بالسلطة, أما في حالة دول الاستبداد المعمم التي عرفتها الساحات الأربع فإن الضغط الشعبي والثورة الشعبية على السلطة لم يقد لا إلى فك الارتباط بين الجيش والسلطة ولا إلى فك الارتباط بين السلطة - الدولة وقاعدتها الاجتماعية, فالعصبية الطائفية أو القبلية التي تسند نوع كهذا من الأنظمة, تعتبر نفسها من أصحاب وأهل الدولة والسلطة, الأمر الذي جعلها تدافع عن السلطة والدولة وكأنها تدافع عن مصالحها ونفسها ووجودها وكيانها الطائفي أو القبلي. إن هذا الالتصاق للجيش والعصبية بالنظام – الدولة لم يوفر لهذه النظم فائضاً من القوة للمواجهة وتدمير الخصم فحسب بل إن الأخطر أن هذا الالتصاق فتح الأبواب لإمكانية نشوء عصبيات مقابلة طائفية أو قبلية تدخل على خط المواجهة مع نوع كهذا من النظم, وهو الأمر الذي لمسناه في الساحات الأربع وخصوصاً في الساحة السورية فبعد أن كان الصراع في بداية تفجر الثورة والمواجهة في سوريا بين ضلع يمثله النظام وضلع يمثله الشعب الثائر ونتيجة لاعتماد النظام في مواجهته للثورة على العصبية الطائفية وعلى الأعمال البربرية في قمع الثورة ونتيجة لبهيمية المعارضة السورية بإسلامها السياسي وعرابي هذا الإسلام من سوريين ودول إقليمية مجاورة لها مصالحها وحساباتها الخاصة غير المتوافقة مع أهداف الثورة السورية فقد كان سهلاً بروز ووجود ودخول طرف وضلع ثالث على خط المواجهة مع النظام وأقصد هنا بهذا الضلع الفصائل العسكرية ذات الطابع الإسلامي البحت وهو الأمر الذي قاد بعد أن سيطر على الأرض الطرفان الممثلان للعصبيات الطائفية إلى انحراف الصراع عن أهداف الثورة وجعل الصراع يدور في حلقة مفرغة تدميرية أو لنقل أصبح التدمير من أكبر أهداف هذا الصراع وحيث التدمير داخل النسيج الاجتماعي الوطني السوري والعمل على تمزيق هذا النسيج إرباً إرباً كان من أولويات هذين الطرفين وحيث الهدف النهائي والأسمى لطرفي الصراع أصبح نقل ميدان الصراع في سوريا من حقله السياسي والاجتماعي إلى الحقل الديني والطائفي أي بتعبير آخر أصبح هدف طرفي الصراع المسيطرين عسكرياً على الأرض هو تحويل الصراع من ثورة إلى حرب أهلية لها طابع طائفي يكون نتيجتها محاصصة طائفية وإعادة إنتاج الحلقة المغلقة.


السياق التاريخي لنشوء وترعرع البربرية في سوريا ( 5 ) lemonde.in 5 of 5
لومــــوند : نبيل ملحم خامساً : النظام يتحصن بين قلعتين. برجوازية الحركة التصحيحية واستحالة إسقاط النظام بطريقة الصدمة : تكمن الخصوصية ...
انشر ايضا على

عبر عن رأيك