العلوية السياسية المستبطنة برداء الدولة القومية

لومـــــوند : نبيل ملحم
يمكن القول إن أهم ما ميز النظم السياسية في الشرق أو لنقل العبوديات الشرقية إن كان في العصور القديمة أو الحديثة هو استبطان أنماط الإنتاج والطبقات الاجتماعية والعصبيات التي تقوم عليها الدولة في أحشاء الدولة الاستبدادية المعممة التي عرفتها هذه المجتمعات على مر العصور باستثناء فترات قصيرة من تاريخ هذه المجتمعات - حيث تعتبر فترة الخمسينيات مثلاً من القرن العشرين فترة استثنائية من تاريخ الدولة السورية - فمنذ العصور القديمة مروراً بالعصور الوسطى وصولاً إلى العصور الحديثة عرفت المجتمعات الشرقية الدولة بوصفها دولة مالكة لوسائل الإنتاج المادية سواء كانت أدوات ووسائل الإنتاج هذه من العبيد أو الأراضي الزراعية كما في العصور القديمة العبودية أو العصور الوسطى الإقطاعية وما تلاها أو معامل ومصانع ومؤسسات وأجهزة وبنى تحتية من موانئ ومطارات وطرقات وسكك حديدية وسدود ......إلخ كما في العصور الحديثة . كما عرفت الدولة عبر كل هذه العصور بوصفها دولة محتلة ومحتكرة للمجالين السياسي والإيديولوجي في البنى الاجتماعية لهذه المجتمعات وقد قاد هذا الاستبطان إلى مجموعة كبيرة من النتائج انعكست على صيرورة ومسار تطور ووجود هذه المجتمعات منذ أن عرفت هذه المجتمعات الدولة حتى يومنا هذا. وإذا كانت عملية الإشارة إلى كل هذه النتائج تتطلب مساحة لا تؤمنها مساحة هذه المقالة إلا أنه يمكننا هنا أن نشير بشكل مكثف إلى ثلاث من هذه النتائج يمكن أن تتسع لها مساحة هذا المقال وحيث يأتي على رأس هذه النتائج أولاً: إن استبطان أنماط الإنتاج في أحشاء الدولة قاد إلى أن يكون طرفي علاقات الإنتاج من عبيد الدولة وسادة الدولة او إقطاع الدولة وفلاحي الدولة أو برجوازية الدولة وعمال وفلاحين وموظفين وعاملين لدى الدولة ....إلخ تستبطن في أحشاء الدولة حيث هنا تقوم الدولة كونها مالكة لوسائل الإنتاج بممارسة كل أنواع القهر الاقتصادي والسياسي والإيديولوجي ( ثلاثي القهر ) وثانياً: تنشأ وتتوالد الطبقات الاجتماعية هنا في أحشاء الدولة بوصفها طبقات دولة وبما يعني نشوء الطبقة - السلطة - الدولة بوصفها الطبقة العليا للدولة الاستبدادية التي يقابلها طبقة سفلى للدولة بوصفها طبقة مسودة، أي هنا يتم اندماج كيان الطبقة المالكة للثروة مع كيان السلطة مع كيان الدولة ( ثلاثي الكيانات المالكة للثروة والقوة ) وثالثاً: تنشأ هنا العصبيات التي ترتكز عليها الدولة – السلطة في أحشاء الدولة كذلك وبما يعني اندماج كيان العصبية القومية أو الطائفية أو القبلية مع كيان السلطة الدولة ( ثلاثي العصبية السياسية مع العصبية الطبقية مع العصبية القومية أو الطائفية او القبلية ). وبتعبير مكثف يختصر النتائج الثلاث يمكن القول بأنه في شروط نوع كهذا من وجود الدولة المالكة لوسائل الإنتاج والقوة فإن حركة الدولة حول محور نشاطها الاقتصادي والسياسي والإيديولوجي ينسج حوله الهرم الطبقي والاجتماعي الذي لا يحدد الطبقات الظالمة والطبقات المظلومة فحسب بل كذلك العصبيات الظالمة والعصبيات المظلومة وحيث توقف أو تباطؤ حركة نشاط الدولة هذه نتيجة قلة الموارد المتدفقة إلى خزينتها أو نتيجة وصول نهب الطبقة ومعها العصبية المالكة للسلطة والدولة لهذه الخزينة إلى مستويات غير مسبوقة في الشراهة والاستغلال هو الذي يقود إلى إنهاء تماسك الهرم الطبقي والاجتماعي أو لنقل يقود هذا إلى انهيار هذا الهرم أي يعني هذا بلغة المفكر ابن خلدون وصول الدولة إلى مرحلة التفكك والانحطاط، فمع هذا الانهيار للهرم الطبقي الاجتماعي تلفظ الدولة بكل ما في أحشائها من طبقات وعصبيات وأوساخ وقذارات سياسية وأخلاقية بشكلها العاري الذي لا يسترها ويخفيها ستر أو رداء أي يخرج إلى العلن بشكل صريح ما كان مستبطناً ومخفياً في أحشاء الدولة الاستبدادية المعممة. ما يهمنا من النتائج الثلاث السابقة الذكر هو التركيز على النتيجة الثالثة حيث هنا يمكن القول بأنه في هكذا شروط من وجود السلطة والدولة والعصبيات يتم مأسسة القومية او الطائفة أو القبيلة في أحشاء الدولة وفي بطانتها أي هنا يتم مثلا تحويل الطائفة من كيان اجتماعي بذاته له خصوصيته الروحية الدينية إلى كيان اجتماعي لذاته له خصوصيته إن كان من جهة وعيها لمصالحها أو من جهة وعيها السياسي لهذه المصالح كون هذا التحول في الوعي هو شرط الانتقال من الطائفة إلى الطائفية كما هنا تتحول الطائفة إلى كيان اجتماعي منظم في مؤسسات مستبطنة ومخفية في مؤسسات وأجهزة الدولة المختلفة العسكرية والمدنية كون هذا التنظيم والمأسسة شرطا للتحول إلى حالة الطائفية السياسية المعلنة أو المستورة والمخفية كما حالتنا في أحشاء وبطانة الدولة الاستبدادية المعممة. على هذا الأساس يمكن القول أن اعتماد نظم الاستبداد المعمم في الواقع العربي على العصبيات القومية أو الطائفية أو القبلية المستبطنة في أحشاء دولها الاستبدادية المعممة قد قاد إلى ما هو أسوأ من ناحية النتائج والتداعيات من الظاهرة التي عرفها الواقع اللبناني والتي سميت بالمارونية السياسية, فإذا كانت المارونية السياسية في لبنان قد عنت تحويل الطائفة المارونية من كيان اجتماعي ديني طبيعي إلى كيان سياسي صاحب امتيازات من الدرجة الاولى - قياساً لبقية أفراد المجتمع اللبناني- ومستقل في هويته السياسية كما الدينية عن باقي المجتمع السياسي اللبناني فإن ذلك الكيان السياسي الطائفي وبالرغم من تمايزه عن بقية المجتمع ورغم احتكار ممثليه السياسيين ( تعبيراته السياسية ) لحصة الأسد من الامتيازات التي حصلت عليها الطائفة المارونية في الدولة اللبنانية بدءاً من رئاسة الجمهورية وصولاً إلى وظائف الدرجة الأولى في الدولة ....إلخ نقول بالرغم من ذلك فإن المارونية السياسية في لبنان لم تستطع أن تجعل الدولة اللبنانية كل الدولة اللبنانية وكأنها ملكية خاصة ،حصرية للطائفة المارونية, أي لم تستطع أن تحول كيان الدولة ليبدو وكأنه امتداد طبيعي للطائفة المارونية حتى في ذروة قوة وسطوة المارونية السياسية وذروة قوة الصيغة اللبنانية الطائفية, أي حتى قبل قصقصة أجنحتها بعد تعديل هذه الصيغة بعد حربين أهليتين ( 1958 – 1975 ) أي لم تستطع أن تجعل سلطات الدولة وأجهزتها المختلفة كرئاسة الحكومة ورئاسة مجلس النواب وكأنها أدوات تعمل لصالح هذه المارونية السياسية, فعلى الرغم من كل المكتسبات التي حصلت عليها الطائفة المارونية وفق الصيغة الطائفية اللبنانية التي أسست لدولة لبنان بعد الاستقلال فإن المارونية السياسية التي نشأت على أساس هذه الصيغة وبالرغم من احتكارها واختطافها للشارع المسيحي لفترة طويلة من الزمن إلا أن هذا لم يقود إلى احتلالها واحتكارها لكل سلطات الدولة وأجهزتها فقد بقي هامش كبير من الاستقلال للكثير من سلطات الدولة خارج نفوذ وسيطرة المارونية السياسية, فقد بقى هامش من الاستقلال بين كيان السلطات وكيان الدولة كما بقى هامش من الاستقلال بين سلطات الدولة المختلفة التنفيذية والتشريعية ونقصد هنا المواقع الهامة الثلاثة رئاسة الجمهورية و الحكومة و مجلس النواب, كما أن المجال السياسي والايديولوجي والإعلامي في المجتمع ظل حراً طليقاً لم تستطع المارونية السياسية أن تحتكره وتحتله بشكل كامل أو لنقل لم يكن بإمكانها أن تفعل ذلك أساساً حتى لو سعت لذلك, وذلك يعود أساساً للتوازنات التي تقوم على المحاصصة الطائفية التي تقوم عليها ما سمي بالصيغة الطائفية اللبنانية. أما في حالة نظم الاستبداد المعمم التي عرفها الواقع العربي والقائمة على العصبية الطائفية أو القبلية وبما يعني اختطاف كيان اجتماعي مذهبي أو قبلي وتحويله إلى قاعدة اجتماعية سياسية ( وعسكرية عند الضرورة ) ترتكز عليها السلطة والدولة الاستبدادية المعممة تضاف إلى قاعدتها الطبقية السياسية العادية نقول في هذه الحالة فقد عملت هذه النظم على دمج كيان الدولة بكيان السلطة السياسية في مرحلة أولى ثم إلى دمج كيان العصبية الطائفية أو القبلية بكيان الدولة والسلطة وبذلك تحولت أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة إلى ملكية خاصة حصرية بيد السلطة ورأس السلطة السياسية ( رأس النظام ) كما تحولت الدولة إلى ملكية حصرية لأهل الدولة من العصبية التي ارتكزت عليها السلطة وهو ما تم التعبير عنه باللغة العامية السورية بمقولة " نحنا الدولة ولاك " كما ربطت هذه النظم وفي مقدمتها النظام السوري ذلك مع مشروع تكوين سلالة عائلية حاكمة إلى الأبد, فقامت لتحقيق ذلك بإعادة إنتاج الوجود الاجتماعي والاقتصادي والطبقي والسياسي والثقافي والإيديولوجي بما يخدم مشروعها, فقامت على مدى عقود وعقود من وجودها في السلطة بنسج شبكة واسعة من العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والإيديولوجية مع العصبية الطائفية التي استندت عليها فأنتجت بذلك عصبيتها الطائفية اللازمة كما قامت بنسج شبكة مماثلة من العلاقات الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية والثقافية مع الطبقة البرجوازية السائدة داخل المجتمع والمتمثلة بكبار رجال المال والدين من كل الطوائف ولا سيما في المدن الكبرى الرئيسية كدمشق وحلب في الحالة السورية فأنتجت بذلك عصبيتها الطبقية اللازمة وقد تشكلت نتيجة ذلك في قمة الهرم الطبقي الاجتماعي طبقة يمكن أن نسميها بالطبقة العليا للدولة الاستبدادية المعممة البرجوازية وهذه الطبقة مؤلفة من فئتين رئيسيتين الفئة الأولى وهي التي تشكل نواة الطبقة العليا للدولة ونواة النظام السياسي في الوقت نفسه وهؤلاء شكلوا ما يمكن تسميتهم أصحاب الدولة الفعليين وهم في غالبيتهم ينتمون إلى الطائفة العلوية التي يرتكز عليها النظام وقد كانوا في المرحلة الاولى من عمر النظام يتشكلون من كبار الضباط وقادة الالوية والفرق في الجيش واجهزة الامن وهم ما اطلق عليهم السوريون " مجلس العليّات " كون اسمائهم كلها تبدأ باسم علي ( مثل علي دوبا وعلي اصلان وعلي حيدر وعلي الصالح وعلي ديب وعلي حبيب ....الخ ) ومن ثم اضيف عليهم خليط من رجال السلطة وممن اغتنوا من رجال السلطة السابقين أو ممن تسنموا مراكز ومناصب كبيرة في أجهزة الدولة وأصبحوا من رجال الاعمال والمال حيث يأتي على رأسهم آل مخلوف وهي عائلة زوجة الاسد الاب حافظ الاسد واخوال الاسد الابن بشار الاسد وأهم ما يميز هذه الفئة الاولغارشية الطائفية والعائلية هي أنها تتحلق حول النظام وتحكم بإشراف رأس النظام وإرادته كما تعمل على إنتاج وإعادة إنتاج النظام في كل لحظة من وجوده وتطوره وبما يعني أنها الفئة والدائرة التي تسهر على حراسة النظام وتعمل على ما يلزم لبقائه واستمراره. أما الفئة الثانية المكونة للطبقة العليا للدولة فهم ما يمكن تسميتهم بأصحاب الدولة الملحقين, وهم الذين ينتمون إلى باقي العصبيات القائمة داخل المجتمع, وهؤلاء شكلوا الواجهات السياسية والاجتماعية والطبقية والدينية والعسكرية والأمنية التي يجمّل بهم النظام واجهته السياسية أو لنقل تجمّل بهم الدولة الاستبدادية وجهها القائم على العصبية الطائفية. وهنا من المهم الاشارة الى ان الكثرة العددية لأصحاب الدولة الملحقين في نظام بيت الاسد في سوريا وتحديدا كثرة الذين ينتمون الى هذه الفئة ممن اغدقت عليهم الامتيازات من كبار التجار والدين من الطائفة السنية كانت ظاهرا يستر ويستبطن ويغطي النواة الصلبة الطائفية العسكرية الحامية للنظام فمن المعروف ان حافظ الاسد عندما كان يشكل ويعين الحكومة السورية فانه كان يمنح اغلبية الحقائب الوزارية لأبناء الطائفة السنية ويترك لأبناء الطائفة العلوية وزيرا او وزيرين فقط وكان يفعل ذلك كي يخفي باطن ان عنصر مخابرات أو متطوع في سرايا الدفاع من الطائفة العلوية قادر ان يجعل الحكومة السورية كلها تمشي كما يقول السوريين بالعامية كواع وركب – أي زحفا على اكواعهم وركبهم – عندما يريد ذلك . إن الفئتين المشكلتين للطبقة العليا للدولة الاستبدادية البرجوازية السورية اخترقت بروابطها الاجتماعية والطبقية والسياسية الهرم الطبقي الاجتماعي من القمة إلى القاعدة, حيث الفئة الاولى ( أي فئة أصحاب الدولة الفعليين ) تستند على قاعدة اجتماعية سياسية هي العصبية الطائفية العلوية التي ترتكز عليها السلطة والدولة وهؤلاء شكلوا أصحاب وأهل الدولة والسلطة من الدرجة الثانية ( الواقعين في صفوف الطبقة الوسطى للدولة ) ومن الدرجة الثالثة ( الواقعين في صفوف الطبقة السفلى للدولة ) وقد استطاعت الفئة الاولى من الطبقة العليا للدولة أن تجعل من قاعدتها الطائفية العلوية كيانا ملحقا احتياطيا مرتبطا ومندمجا إلى حد كبير بكيان الدولة ( نقصد أجهزتها ومؤسساتها المختلفة الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية ....إلخ )، فهنا أصبحت الدولة تحت تصرف هذا الكيان الطائفي الاحتياطي كما أصبح هذا الكيان الاحتياطي الطائفي تحت تصرف الدولة وأجهزتها ولا سيما السياسية والعسكرية والأمنية, وبهذا تم إنتاج شكل جديدة من الطائفية السياسية ولكنه مخفي ومستتر بثوب ورداء الدولة " القومية " , إنتاج نوع جديد من الطائفية السياسية غير المعترف فيها لا في الدساتير ولا في الأعراف السياسية, أي طائفية سياسية موجودة ومفروضة بقوة الأمر الواقع الذي تفرضه الدولة الاستبدادية, إنها طائفية سياسية مخفية ومستترة ومستبطنة في أحشاء السلطة والدولة التي ترتدي لبوس الدولة القومية, وهذا النوع من الطائفية السياسية هو أشد خطراً وفتكاً من الطائفية السياسية التي عرفها المجتمع اللبناني والتي سميت بالمارونية السياسية . لقد ولدت نظم الاستبداد المعمم في الواقع العربي أشكالا عديدة من الطائفية السياسية فكانت العلوية السياسية في الواقع السوري زمن حكم الأسد الأب والابن, وكانت السنية السياسية في الواقع العراقي ( في ظل حكم البعث الصدامي ), وكانت القبلية السياسية في ليبيا ( هنا نشير إلى استناد نظام القذافي إلى قبيلة الورفله ) والقبلية السياسية في اليمن ( هنا نشير إلى استناد نظام علي عبد الله صالح إلى قبيلة حاشد وبكيل بشكل أساسي ). إن ما ميز هذه الطائفيات والقبليات السياسية عن شقيقتها المارونية السياسية اللبنانية هو أن الطائفية السياسية والمارونية السياسية اللبنانية كانت قد نمت ونشأت على أساس عقد محاصصة طائفية معترف فيها بالعرف السياسي اللبناني, في حين أن الطائفية أو القبلية السياسية التي تمت في ظل نظم الاستبداد المعمم العربي فقد قامت ونشأت بعقد إذعان مخفي ومستبطن في رداء الدولة " القومية ". إن ما ميز العلوية السياسية في الحالة السورية عن شقيقتها المارونية اللبنانية وحتى شقيقاتها العربيات . بشكل عام لم يكن وعي الطائفة العلوية لضرورة العصيان بالسلطة والدولة فحسب بل مركزية تمثيل الطائفة العلوية أو لنقل مركزية تحقيق هذه الضرورة أي تمحورها حول رأس النظام الأب ثم الابن لا بوصفه قائداً سياسياً تتحقق من خلاله عملية العصيان بالسلطة بل اختلاط واندماج ذلك مع المعتقد الديني العلوي الذي رأى في رأس النظام قائداً يصل في درجته إلى مرتبة الألوهية فإذا كان المعتقد الديني العلوي يعتبر الصحابي علي بن أبي طالب التجلي الأرضي الواقعي لإله السماء حسب فلسفتهم الدينية الأفلاطونية أو المعتمدة على الفلسفة الأفلاطونية فإنهم اعتبروا أن حافظ الأسد هو التجلي الثاني للإله ثم ابنه بشار التجلي الثالث وربما الحبل على الجرار ....إلخ أي هنا العلوية السياسية لم تنشأ عن حالة استبطان العصبية في أحشاء الدولة كما لم ينشأ التأليه بوصفه تأليهاً سياسياً كما هي العادة في ظل نظم الاستبداد التي يتم فيها تأليه القائد الزعيم فحسب بل ترافق واندمج ذلك مع باطنية سياسية دينية نمت في أحشاء الدولة هي من ذات نوع الباطنية الدينية العلوية المعروفة تاريخياً أي أن العلوية السياسية نشأت في أحشاء الدولة نتيجة اندماج الاستبطان الذي تحدثت عنه في المقدمة والذي يميز كل النظم السياسية والاجتماعية الشرقية مع الباطنية الدينية السياسية المعروفة التي تميزت بها الطائفة العلوية كغيرها من الطوائف الباطنية دينياً أي أن العلوية السياسية كانت مختبئة تحت طبقتين ، طبقة من الاستبطان في احشاء الدولة وطبقة من الباطنية الدينية وهو الأمر الذي يجعل البعض يصعب عليه رؤيتها أو تصديقها. إن أخطر ما اتصفت به العلوية السياسية في الحالة السورية هو تشابهها في وجه من وجوهها مع المارونية السياسية اللبنانية حيث نجد تحول العلوية السياسية إلى علوية سياسية انكشارية ، فكما تحولت المارونية السياسية إلى قوة انكشارية حين طلبت النجدة والمساعدة للعصيان بالسلطة والمكتسبات وبمشروعها السياسي بالخارج الإسرائيلي حين اقتضت الضرورة ولا سيما عندما اصبحت الجيش والذراع القوي المرتزق المساعد في التدخل والغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، نجد كذلك أن العلوية السياسية قد تحولت إلى علوية سياسية انكشارية وقد تجلى ذلك حين تحول النظام وقاعدته الطائفية الى جيش مرتزق يعمل لخدمة المصالح والاطماع الايرانية والروسية في سورية ، وما ميز العلوية السياسية كغيرها التي أقامتها نظم الاستبداد المعمم في الواقع العربي هو كونها أتت في إطار عقد إذعان شامل طبقي سياسي اجتماعي فرض على المجتمع برمته, أي بكل طبقاته الاجتماعية وقواه السياسية والاجتماعية ومكوناته الدينية والثقافية والقومية, وهو الأمر الذي أنتج مجموعة من التناقضات والمظلوميات داخل المجتمع, منها المظلومية العامة التاريخية ومنها المظلوميات الثانوية والتي منها مظلوميات تاريخية ومنها مظلوميات لا تاريخية, ونتيجة تراكب هذه المظلوميات والتناقضات بعضها فوق بعض وتداخلها بعضها ببعض جعل الخطر كل الخطر على المجتمع السوري يتمثل في سيطرة المظلوميات اللاتاريخية لحظة تفجر الصراع مع هذا النظام, أي أصبح الخطر كل الخطر في الشروط الدولية والإقليمية والتي أهم ما يميزها خلوها من وجود صديق ( إقليمي أو دولي ) حقيقي للشعب السوري مع تراكب ذلك مع سمات خاصة ونوعية لطبيعة النظام المستبد الذي أهم ما يميزه عداءه للشعب واستعداده لارتكاب أفظع الجرائم بحقه, وهو الأمر الذي جعل خطر أن يعمل على إحداث انزياح في حقل الصراع بين هذه النظام والمجتمع السوري منذ الايام الاولى للثورة بحيث يتم إحلال المظلوميات اللاتاريخية الطائفية ( من خلال النفخ بها ) مكان المظلوميات العامة بين المجتمع كل المجتمع وهذه النظام خطر محدق وجدي, وهو الخطر الذي يهدد بانقسام المجتمع على أساس الهوية أو لنقل الأمر الذي يقود إلى موت وتفتت الهوية الوطنية العامة للمجتمع وتقدم وانتعاش ويقظة الهويات القاتلة الطائفية والقبلية مكان الهوية الوطنية الأساسية للمجتمع, وهو ما يشكل الأساس والأرضية لتشظي المجتمع إلى كيانات سياسية طائفية تكون مقدمة إلى تحويلها إلى دويلات تقوم على أساس الهوية الدينية أو القبلية أو الجهوية. إن عدم إدراك حقيقة أن المجتمع السوري لم يعان من المظلومية الطائفية وحدها وإنما عاش وعانى من مجموعة من المظلوميات الأوسع والأعم هو ما يسهل الطريق أمام مشاريع تقسيم المجتمع السوري وشرذمة كيانه التاريخي الوطني, كما أن عدم التركيز ( ولا سيما من قبل معارضي النظام ) على المظلوميات العامة والخاصة التاريخية التي يعيشها المجتمع إن كان في الخطاب السياسي أو في الأشكال التنظيمية والأدوات التي تعمل على إسقاط هذا النظام هو ما يسهل ويفتح الطريق أمام تشظي الهوية الوطنية السورية وحرمان الشعب من فرصة النصر والتحرر من الاستبداد والانتقال إلى الدولة الديموقراطية ودولة المواطنة الديموقراطية وذات الهوية الوطنية. فالرد على العصبية الطائفية بعصبية طائفية مقابلة يعني في شروط وجود اقطاب اقليمية طائفية انقسام المجتمع إلى جيشين انكشاريين يتحاربان لحساب مصالح الدول الإقليمية والدولية الطامعة والطامحة لتحقيق مصالحها في سوريا والمنطقة العربية وعلى حساب جثة ومستقبل الشعب السوري وجثة ومستقبل شعوب المنطقة كلها .
العلوية السياسية المستبطنة برداء الدولة القومية lemonde.in 5 of 5
لومـــــوند : نبيل ملحم يمكن القول إن أهم ما ميز النظم السياسية في الشرق أو لنقل العبوديات الشرقية إن كان في العصور القديمة أو الحديثة ...
انشر ايضا على

عبر عن رأيك