وقوع النخب السورية في المستنقع الطائفي وظاهرة المثقف الطائفي الأكثري والأقلوي

          وقوع النخب السورية في المستنقع الطائفي وظاهرة المثقف الطائفي الأكثري والأقلوي
لومـــــوند : نبيل ملحم
من المعروف والمؤكد أن النخب السياسية والثقافية العلمانية اليسارية والقومية وحتى الليبرالية بشكل جزئي، نشأت وتكونت في الواقع العربي من دون أن يمر المجتمع العربي بتحولات اجتماعية عميقة، وبنهضة عقلية ثقافية موازية تمهد الطريق لنشوء هذه النخب العلمانية. فالإنسان العربي لم يعرف سبينوزا أو ديكارت أو كانط أو فولتير أو روسو أو مونتسكيو أو كوبيرنيكوس ...إلخ من المفكرين الذين أناروا العقل البشري بنور وثقافة العقل وأخرجوه من ظلمات الدين والطائفية والقبلية والعشائرية والمناطقية ...إلخ، الأمر الذي جعل نشأة النخب السياسية والثقافية العلمانية تتم من خلال الرداء الإيديولوجي، حيث تم تبني هذه النخب للعلمانية في إطار الصراعات الطبقية والسياسية والوطنية التي نشأت خلال فترة الصراع مع المستعمر الأجنبي الغربي، وخلال الفترة التي أعقبت خروجه من المنطقة في سياق الصراع الطبقي السياسي على السلطة بين القوى والأحزاب السياسية، وبعد ذلك في سياق الصراع السياسي مع نظم الاستبداد التي قادت وأحدثت تحولات اجتماعية عميقة، ولكنها ذات طابع نكوصي حيث أطلقت صيرورات من الجدل الهابط في كل بنى المجتمع وهوياته الطبقية والسياسية والدينية والوطنية. أي أقول تم تبني العلمانية من خلال ارتداء بعض النخب من الطبقة الوسطى أو البرجوازية الصغيرة الناشئة لرداء إيديولوجي قومي أو شيوعي أو إسلامي، وهو الأمر الذي جعل هذا الرداء عبارة عن قشرة رقيقة تخفي تحتها كل الموروث الثقافي الطائفي القديم المتأتي من ثقافة الهويات ما قبل الوطنية، التي بقيت تعشش وتتكاثر هنا وهناك في كل زوايا البنى الاجتماعية لمجتمعاتنا، فكان أن وجد في الواقع العربي المثقف والسياسي القومي والشيوعي والليبرالي الذي يخبئ تحت عباءة الإيديولوجيا التي يرتديها كل أوساخ الموروث الثقافي القديم المتأتي من ثقافة الهويات ما قبل الوطنية. وهو الأمر الذي أوجد الكثير من الأفراد الذين ينتمون إلى تيار اليسار ممن يحملون فكر ماركس ولينين وتشي غيفارا وبوصفهم يحملون الفكر التقدمي إلا أنهم في الواقع لم يستطيعوا أن يتخلصوا من رواسب ثقافية طائفية باقية في بعض زوايا عقولهم فنجدهم "يساريين تقدميين" ولكنهم يكرهون طائفة بعينها كون هذه الطائفة في موروثهم الثقافي الطائفي هي من حرمتهم من الثروة في الماضي من الأيام والتاريخ. ونجد بالمقابل الكثير من الأفراد الذين ينتمون إلى التيار الديمقراطي والليبرالي وبالرغم من ادعائهم بأنهم ديمقراطيون وبأنهم سبقوا حتى مفكري عصر الأنوار الأوروبي في الحديث عن الديمقراطية ودولة المواطنة ودولة العقد الاجتماعي، إلا أننا نجد بعضهم يكره طائفة أخرى بعينها كون هذه الطائفة في موروثهم الثقافي الطائفي هي من حرمهم من الحرية ومارس بحقهم الاستبداد والاستعباد. وإذا كانت هذه القشرة الإيديولوجية الرقيقة قد لعبت دوراً أساسياً في عزل هذه النخب لفترة طويلة عن قوة الجذب المغناطيسي لطوائفهم، وجعلت هذه النخب تتموضع خارج الطوائف سياسياً وحزبياً وثقافياً (بالمستوى السطحي الظاهري لكلمة ثقافة)، فإنه مع انهيار المشروع القومي بعد هزيمة حزيران عام 1967م ومن ثم سقوط الاتحاد السوفيتي أوائل التسعينيات من القرن الماضي، فإن هذه القشرة الإيديولوجية التي كانت تلبسها النخب السياسية والثقافية العلمانية حدث فيها عند الكثير من هذه النخب تشققات وصدوع عميقة وكبيرة وفي بعض الحالات تم رمي هذه القشرة الإيديولوجية في المزبلة الشخصية لأصحابها، الأمر الذي جعل هذه النخب مهيأة أكثر من أي وقت مضى للتأثر بقوة الجذب المغناطيسي لطوائفهم، ومع احتدام الصراع السياسي وتمظهره بشكله الطائفي بشكل صارخ داخل المجتمعات العربية بدءً من عام 2003م وسقوط بغداد بيد القوات الأمريكية في البداية، ثم بيد الإسلام السياسي الشيعي التابع والمرتبط بالمشروع الشيعي الفارسي الإيراني، وقبل ذلك بحكم استناد وارتكاز الكثير من النظم العربي الاستبدادية على العصبيات الطائفية أو القبلية، وما تولد عن ذلك من انقسامات عمودية داخل المجتمعات العربية، ومع تفجر الصراع السياسي في أكثر من ساحة عربية بعد تفتح الربيع العربي ومع اتخاذ هذا الصراع منحى طائفي في أكثر من ساحة عربية، ومع الدم والتحريض والقتل الطائفي الذي رافق هذا الصراع، والمظلومية الطائفية التي تعرضت لها بعض الطوائف هنا وهناك، ومع ردات فعل الإسلام السياسي على ذلك بخطاب طائفي مضاد، نقول مع كل هذا بدأت تظهر ملامح ما يمكن تسميته بيقظة الموروث الثقافي الطائفي الكامن في أعماق هذه النخب وتحت قشرتها الإيديولوجية، فاستطاعت قوة الجذب المغناطيسي للطوائف أن تجذب إليها الكثير من النخب ذات الأصول اليسارية والقومية والعلمانية والديمقراطية والليبرالية، الأمر الذي جعل التخندق والاستقطاب السياسي في المجتمع يتمحور ويتموضع عند أقطاب وزعماء الطوائف، أو لنقل عند ممثلي المظلموميات الطائفية، وهو الأمر الذي جعل من إمكانية تكون ونشوء قطب يقوده الديمقراطيين والعلمانيين واليساريين والقوميين والليبراليين وبمشاركة الإسلاميين أمراً صعباً إن لم نقل مستحيلاً، فالكثير من النخب السياسية والثقافية الديمقراطية والعلمانية أصبحت بعد انجذابها للأقطاب الطائفية ولقوة الجذب المغناطيسي لطوائفها، مقسومة طائفياً ومجذوبة إلى الأقطاب الطائفية والتي يمثلها من جهة كل من الإسلام السياسي السني والشيعي المتصارعين، ومن جهة ثانية نظم الاستبداد المعمم التي ارتكزت على العصبية الطائفية السنية أو العلوية، كما أصبحت جزء من الاستقطاب الطائفي الإقليمي، وفي كثير من الحالات أصبحت هذه النخب جزءاً عضوياً -بوعي منها أو بدون وعي- من هذا القطب الطائفي أو ذاك، وبالتالي أصبح أمر انفكاكها عن هذه الأقطاب الطائفية أمراً إن لم يكن مستحيلاً فهو شبه مستحيل في هذه المرحلة أو لنقل في المدى القصير والمتوسط. إن الأساس العميق الذي كشف عن هذا الانقسام الطائفي والانزياح في عقل وثقافة النخب السورية -عند غالبيتها وليس كلها- وبنفس الوقت تمحور حوله انقسامها إلى مثقف أكثري طائفي سني ومثقف أقلوي طائفي علوي، نشأ عندما تبنى تيار من هذه النخب -كان هذا التيار محصوراً بنطاق ضيق من النخب في آواخر السبعينيات وأوائل الثمانينات قبل أن يتوسع فيما بعد ولا سيما بعد سقوط بغداد عام 2003م ومن ثم مع بداية الربيع السوري وما رافقه من أعمال بربرية مارسها النظام بحق الثورة- مقولة فحواها إن إرادة الغالبية السنية داخل المجتمع السوري هي ذاتها إرادة الإسلام السياسي في سوريا، حيث أن الأمر الخطير في هذه الرؤية لم يكن أن هذه المطابقة غير الصحيحة، وإنما كانت هناك عملية مطابقة أخرى أكثر خطورة، وهي المطابقة بين الهوية الوطنية السورية والهوية الدينية للغالبية السنية في سوريا، وهنا تحديداً نشأ المثقف الأكثري الطائفي بوصفه المثقف الذي توهم بأن هويته الدينية هي ذاتها هويته الوطنية، ففي الطبقات العميقة لهذه المطابقة بين الهويتين يكمن جذرٌ طائفي واضحٌ، وقد كان لا بد لإخفاء وتغطية هذه المطابقة المغلوطة والطائفية الواضحة من القول أن الغالبية السكانية السنية في سوريا ليسوا طائفة بل هم الأمة، وبما يعني أن الأفعال الطائفية يمكن أن تصدر من أي مكان أو لنقل من أي طائفة داخل المجتمع السوري إلّا من داخل هذه الطائفة-الأمة، وبما يعني هنا نفي لأي صفة طائفية لكل من هو محسوب على هذه الطائفة-الأمة، وتحديداً هنا نفي الطابع والصفة الطائفية عن الإسلام السياسي السني في سوريا إن كان بطبعته الإخوانية أو في غيرها من الطبعات الكثيرة التي عرفتها الساحة السورية في السنوات السبعة الماضية، وبتكثيف أشد كان يراد هنا القول أن الأفعال والممارسة الطائفية يمكن أن تصدر عن النظام الذي يرتكز على عصبية طائفية أقلية، في حين أن الأفعال الطائفية والممارسة الطائفية المضادة لا يمكن أن تصدر عن ممن ينتمي للأمة، حتى ولو كان بهيئة إسلام سياسي إخواني أو غيره، وعلى هذه الأساس كذلك نظر هذا التيار إلى المجتمع السوري على أنه مكون أساساً من مجموعة من الطوائف، وبما يعني إغفال وإهمال كل المكونات الطبقية والسياسية والاجتماعية والقومية القائمة داخل المجتمع. ولهذا كان التركيز على المظلومية الطائفية إلى الحد الذي جعل النخب المنتمية إلى هذا التيار لا ترى أو تتعامى عن كل أشكال المظلوميات الأخرى القائمة داخل المجتمع، وعلى رأس هذه المظلموميات المظلومية العامة للمجتمع ككل، وعلى هذا الأساس شكلت المظلومية الطائفية الأساس في خطابها وممارستها السياسية وتحالفاتها وأدواتها المعدة للتغيير. وعلى هذه الأرضية من المطابقات، رأى هذا التيار الطائفي الأكثري من النخب السياسية المعارضة أن الغالبية السنة في سوريا، كلهم يندرجون في إطار الإسلام السياسي السني، وهو الأمر الذي جعلهم يتحالفون مع الإخوان المسلمين ويتواطؤون مع من قام على أسلمة الثورة من هذا المنطق (أي منطق التحالف مع الغالبية التي تتعرض للمظلومية)، وبما يعني ضرورة أن يتم قيادة عملية التغيير من قبل الإسلام السياسي كونه يجذب إلى صفوف قوى التغيير غالبية المجتمع، ويعني أن الانتقال إلى الديمقراطية يكون من خلال حكم الأكثرية الدينية داخل المجتمع كبديل عن حكم الأقلية الدينية، وهنا علينا أن نلاحظ كيف أن هذا النوع من الديمقراطية يستبطن الطائفية، فالأكثرية هنا ليست سياسية ولها هوية وطنية عامة، بل ذات هوية دينية جعلتها المطابقة المشار إليها سابقاً وطنية قسراً رغم أنها في الواقع ليست إلا هوية ما تحت وطنية. وفي مقابل وموازاة هذا التيار الطائفي الأكثري من النخب، نشأ التيار الطائفي الأقلوي العلوي بشكل أساسي، والذي كان محصورًا بنطاقٍ ضيق من النخب التي أصابها نوع من الرهاب الإسلامي في آواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات على أثر صراع الإخوان المسلمين مع النظام، والذي توسع بعد ذلك على أثر نجاح النظام ببناء عصبية طائفية وفرت الكثير من المكاسب المادية والمعنوية طبعاً بدرجات متفاوتة لكل من ينتمي لهذه العصبية (حتى لمن لا يريد ولا يسعى إلى هذه المكاسب وهو ما يمكن تسميته مكتسبات موضوعية ناتجة فقط نتيجة الانتماء لهذه العصبية الحاكمة) ثم توسع هذا التيار على نطاق واسع وانكشف، أو لنقل كشف عن وجوده ووجهه مع بداية الربيع السوري، فكان هو التيار الذي لم ير في الحراك الثوري الذي انطلق في سوريا بداية الربيع السوري وتوسع بشكل أساسي في المناطق التي تقطنها غالبية سنية إلا وجهه الإسلامي أو لنقل لم يراه إلا حراكاً إسلامياً. وحيث هنا تمت من جديد المطابقة بين الغالبية السنية والإسلام السياسي، ولكن من منطق معكوس لمنطق التيار الأكثري، حيث اعتبر هذا التيار أن الحراك الشعبي في الشارع السني ليس سوى صعود للفاشية الدينية الإسلامية، وبما يعني أن هذا الصعود يهدد مصير الوطن السوري، وهو الأمر الذي يقتضي بالضرورة حسب رأي هؤلاء تأجيل أي مواجهة مع النظام لا بل ضرورة دعم النظام في حربه على هذا الحراك الفاشي، فالخطر الذي يتعرض له النظام حسب قول هذا التيار هو ذاته الخطر الذي يتعرض له الوطن، ولكن مع إغفال أن النظام الذي يدافعون عنه ليس سوى نظام بربري يقوم ويرتكز على عصبية طائفية أقلية، وعليه يمكن لنا أن نقول أن المثقف الطائفي الأقلوي العلوي، هو ذلك المثقف الذي ضاقت مساحة هويته الوطنية لتصبح بمساحة طائفته أو بمساحة وسقف نظام سياسي طائفي وبربري. ولكي يخفي هذا التيار طائفيته كان لا بد من الاختباء خلف العلمانية كورقة توت تغطي باطن عقلي وثقافي طائفي، فهذا التيار عندما لم يجد لدى النظام أي قيمة إيجابية يمكن الارتكاز عليها للدفاع عنه بمواجهة الحراك الثوري، وجد في علمانية مزعومة للنظام، غطاء يمكن من خلالها تبرير وقوفه في خندق النظام بذريعة الدفاع عن علمانية الدولة في مواجهة فاشية تريد بناء دولة دينية غير علمانية. فالعلمانية هنا تعني تطهير سوريا من غالبيتها السكانية كما تعني اصطياد لطموحات السوريين بالتغيير والخلاص من نظام بربري. إن أكثر ما يفضح هذه العلمانية الطائفية والتي يصح أن يقال عنها بأنها إلحادية طائفية كما وصفها الباحث السوري محمد سيد رصاص، هو كونها تبدي قدراً عالياً من العداء للإسلام السني في الوقت الذي نجدها حليفة وصديقة للإسلام الشيعي. وهنا من المهم القول فيما يخص الحالة السورية، بأن كل طرح علماني لا يقف على مسافة واحدة من الأديان جميعها، وعلى قاعدة احترام حرية العقيدة للجميع، وقاعدة فصل العقيدة الدينية كمجال خاص عن السلطة والدولة كمجال عام شامل لكل المجتمع، ولا يكون محمولاً على موقف حاسم وجذري من النظام الذي يستخدم الدين والطائفة كقاعدة ارتكاز للسلطة والدولة، هو موقف باطنه إما طائفي أو طبقي، أي هو موقف إما مشدود إلى النظام طائفياً أو مشدود طبقياً أو الاثنين معاً. إن أكثر ما كشف عن هذه العلمانية المزيفة والطائفية، هو أن هذا التيار الذي يرى في النظام الإسلامي الديني السني خطراً وجودياً على الأقليات الدينية داخل المجتمع -وهنا لا خلاف على هذا القول- لا يرى الخطر الذي يشكله نظام قائم على صيغة إلى الأبد، ومرتكز على عصبية طائفية، ومستعد لحرق وتدمير البلد فوق رؤوس سكانه أجمعين -أكثريةً وأقليات إن لزم الأمر- وبيعه في المزاد العلني لكل طامع وطامح إقليمي أو دولي لقاء بقاءه في السلطة، أي لا يرى هذا التيار أن بقاء هذا النظام يشكل خطر يهدد المجتمع كله والوجود الوطني السوري من أساسه، هذا إذا ما أضفنا إلى ذلك أن هذا النظام يشكل في صيغة وجوده وارتكازه السبب المولد لاستمرار سيطرة الإيديولوجيا الدينية التي يتخوفون منها، أي لا يرى هذا التيار -كون موقفه يستبطن الطائفية- إن إسقاط هذا النظام يشكل المدخل الذي لا بد من عبوره للخروج من الحلقة المفرغة للاستبداد السياسي الذي ينتج الطغيان الديني -أو متلازمة الاستبداد والطغيان الديني- فالعلمانية التي يدعوا لها هذا التيار في شروط استمرار بقاء النظام واستبداده، والتي هي ذاتها شروط إنتاج الطغيان الديني، تعني تطهير المجتمع السوري من غالبيته السكانية، فلولا الأساس الطائفي لهذه العلمانية البربرية، لكانوا توصلوا إلى قناعة تقول أن الخلاص من خطر الطغيان الديني الذي يخيفهم لا يمكن أن يتم إلا من خلال إسقاط النظام المولد دائماً لطغيان الفكر الديني داخل المجتمع، وكيف لا يتم هذا الإسقاط وقد جاءت أثمن فرصة من بوابة الربيع العربي، الذي كان فرصة لملاقاته والدخول في ربوعه والسباحة من الداخل مع أمواجه المتلاطمة والعديدة لفعل ما يمكن فعله وتحقيقه، قبل تحوله إلى خريف بفعل خيانة هذا التيار الذي وقف بوجهه وبفعل أمثاله من التيارات الطائفية الأخرى التي عملت على أسلمته. وعلى نفس الأرضية الطائفية، كان لا بد لهذا التيار من الاختباء خلف بعض المقولات كي لا تكشف عورته الطائفية، فقد قام هذا التيار بالفصل بين كيان سلطة نظام شمولي وكيان دولته، فبحجة الدفاع عن كيان الدولة، وبالدرجة الأولى الدفاع عن جيش الدولة، كان يتم دعم النظام وتبرير كل الأعمال الوحشية التي كان يقوم بها جيش النظام. كما كان هذا التيار بحاجة إلى الاختباء خلف الإيديولوجيا اليسارية، فهنا كذلك أبدع إو لنقل ابتدع نوع من اليسارية بنكهة ومذاق طائفي صرف، حيث نجد أن هذا التيار لا يترك ويفوت فرصة للهجوم على رجالات الفساد ورجالات المال من معارضة وموالاة، بحجة النزاهة والأخلاق والدفاع عن فقراء المجتمع، في الوقت الذي يلوذون به الصمت وتقطع ألسنتهم وتختفي أصواتهم عندما يتعلق الأمر بالإشارة لسيد رجالات المال والفساد وولي نعمة كل فاسد ولص داخل المجتمع السوري، وأقصد هنا رأس النظام الذي يدافعون عنه. كما كان هذا التيار بحاجة إلى الاختباء خلف المسألة الوطنية فابتدع نوعاً من الوطنية، أقل ما يقال عنها أنها وطنية زائفة وطائفية، فهذه الوطنية تقوم على تخوين غالبية المجتمع الذي انساق مع المؤامرة الكونية على الوطن بحسب زعمهم، في الوقت الذي نجد أن هذا التيار يدعم ويتحالف مع نظام باع سوريا في مزاد علني لكل طامح وطامع إقليمي أو دولي في مقابل بقائه في سدة السلطة الموروثة وإلى الأبد أو إلى أن يحين توريثها من جديد للابن حافظ الثاني. وبحجة ممانعة ومقاومة المخططات الإمبريالية في المنطقة، اعتبر هذا التيار كل الميليشيات الطائفية الشيعية التي استقدمها النظام للقضاء على الحراك الثوري، قوى رديفة للجيش السوري ورديفة لمحور " المقاومة " الممتد من طهران صاحبة المشروع الشيعي الفارسي في المنطقة، وصولاً إلى جنوب لبنان حيث حزب الله يمثل هذا المشروع، مروراً بالنظام السوري الذي أصبح يشكل حلقة مركزية في المشروع الإيراني المعد للمنطقة. إن أكثر القضايا التي كشفت عورة هذا التيار الطائفي الأقلوي المدعي للعلمانية والوطنية واليسارية، هو كونه تحالف مع النظام ضد الثورة السورية نتيجة هويتها الدينية كما ادّعى، في الوقت الذي تعامى فيه عن الهوية الدينية لحلفاء النظام من الميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية واللبنانية والحرس الثوري الإيراني وجمهوريته الإسلامية، وهو الأمر الذي يكشف أن العداء للثورة لم يأتي من هويتها الدينية، وإنما من هويتها المذهبية الطائفية، هذا إذا ما أضفنا تعاميه عن نظام يرتكز أساساً على عصبية طائفية وينوي إدامة سلطته إلى الأبد ولو قاد وكلف ذلك تدمير وحرق البلد، ثم بيع حطامه مقابل أن يبقى حارس خرابه وركامه.
وقوع النخب السورية في المستنقع الطائفي وظاهرة المثقف الطائفي الأكثري والأقلوي lemonde.in 5 of 5
          وقوع النخب السورية في المستنقع الطائفي وظاهرة المثقف الطائفي الأكثري والأقلوي لومـــــوند : نبيل ملحم من المعروف والمؤكد أن ال...
انشر ايضا على

عبر عن رأيك