الزعيم الأوحد

لومــــــوند : عبد اللطيف أبو ضباع :
هذا "اللقب " ليس حكراً على الرئيس العراقي الأسبق عبدالكريم قاسم ، بل شمل معظم قادة الأنظمة والمؤسسات والمديريات والدوائر والأحزاب والحركات العربية ، وكل قيادات الأنظمة الاستبدادية الشمولية ، الغربية والشرقية . ومن الطبيعي أن ترتبط هذه الألقاب بالإيدلوجية التسلطية القمعية ،وتسير وفق الخطوط الممهدة للدكتاتورية . يقول ماركس :التاريخ لا يعيد نفسه وإذا فعل فهو فى المرة الأولى دراما مؤثرة، وفى المرة الثانية مهزلة مضحكة(!). حديثنا اليوم ،سيكون عن المهزلة المضحكة ،وعن الزعيم الأوحد(!) وأشياء أخرى- بضم أوبفتح الخاء- لافرق .
أولاً التغيير :
إن أصحاب المصالح وأتباعهم بطبيعتهم أعداء كل تغيير. وهذا العداء جعل بينهم وبين "الحقيقة" حواجز سميكة وسواتر ترابية، تُعرقل الوصول اليها أو حتى الإقتراب منها .الحقيقة هي أن التغيير سنة من سنن الله الكونية ،وأن الجمود يتعارض مع حركة الكون والتاريخ . بل إن الجمود والتحجر من الأسباب التي تغذي التطرف و الإرهاب والتعصب والإنغلاق والتخلف والجهل . وهنا قد تتعارك وتتشابك الأسباب والمسببات ، لكن النتيجة واحدة ،هي الضياع والفشل .لاثابت في هذه الدنيا . الثابت الوحيد فيها هو التغيير .يقول الله عز وجل وقوله الحق "وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ". صدق الله العظيمالمهزلة المضحكة المبكية هي أن تنبري بعض الأقلام المأجورة والحناجر المؤجرة للدفاع عن "الزعيم الأوحد" ،وعن بقائه ووجوده.
* أحد المتملقين وهو دكتور وكاتب وباحث سياسي يقول : عندما عاد الرئيس أبومازن من تونس إلى أرض الوطن رغم مكانته العالية في عهد الرئيس الراحل أبو عمار وكان الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية فقد كان الأقل طموحاً والأقل سعياً للرئاسة والأكثر زهداً في هذا المنصب ، وكانت غايته بعد العودة إلى أرض الوطن هو مكتب متواضع لمتابعة الشؤون الإسرائيلية والمفاوضات ". (!)
-وحتى لانظلم الكاتب ،دعونا نفتش في ثنايا الكلام . أولاً : كيف نصدق أنه الأقل طموحا والأقل سعيا للرئاسة والاكثر زهدا في هذا المنصب! ، وهو عضو في المجلس الوطني الفلسطيني منذ عام 1968. وعضو في اللجنة الاقتصادية لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ أبريل 1981،و أميناً لسر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1996، وذلك جعله الرجل الثاني في هرم القيادة الفلسطينية عندما عاد إلى فلسطين .و "ترأس "إدارة شؤون التفاوض التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ نشأتها عام 1994. وعمل رئيساً للعلاقات الدولية في المنظمة.وتم "تعينيه" أول رئيس للوزراء لسلطة أوسلو في 19 مارس 2003، وأستقال من منصبه بسبب مطالبته المزيد من صلاحيات السلطة (!) ،وبعد اغتيال الرئيس عرفات ، أصبح رئيس السلطة ورئيس حركة فتح ، ورئيس منظمة التحرير ، ورئيس دولة فلسطين ، والقائد العام ورئيس ورئيس ورئيس . هل هذا هو الأقل طموحا وزهدا في المناصب ياهذا (؟)
*ويضيف الكاتب المتملق -وهذا تعبير مهذب- ،الرئيس أبو مازن أبهر العالم كله في وأي ريفر وكامب ديفيد عندما أذهل الأمريكيين والإسرائيليين بالوثائق والحجج الدامغة التي حملها المفاوض الفلسطيني معه إلى أمريكا ، بعد أن شكك المشككون في المفاوض الفلسطيني وقدرته على الحوار " وأنهم ليسوا من ذوي الاختصاص ".
-في الحقيقة مازلنا نعاني من أعراض هذا الإنبهار ، ونتمنى الشفاء والسلامة للجميع . إذن ؛ كل القصة هي أن نثبت لأمريكا أن المفاوض الفلسطيني من ذوي الاختصاص، اعتقد أن أمريكا أدركت هذا الموضوع وأنبهرت بهذا الاختصاص ، وأدركت أيضا أن قضيتنا الفلسطينية كلها تدور في فلك المفاوضات وحياتها (!) ، وعرفت كيف تلعب على وتر الوثائق والحجج الدامغة ($)
*ويؤكد الكاتب بحسب عنوان مقاله :أن المرشح الأقوى لخلافة الرئيس أبو مازن هو الرئيس أبو مازن (!)
-هذا العنوان ، أو هذه العبارة بحاجة الى دراسة علم المنطق والرياضيات ، وربما الى قراءة الفنجان وضرب المندل والشعوذة، أوتفكيك وتحليل ودراسة فقه الألغاز والغيبيات. إذا كان ابومازن سيخلف أبومازن ، أين الديمقراطية وتداول السلطة ،وصندوق الانتخابات والتعددية والنزاهة والتنافس العادل الحر والشريف (؟)
*ويضيف الكاتب ، ولكنه أي -أبومازن- كان ولا زال محل إجماع الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج .فهو خير من يقود الشعب .
-لا أعلم هل هذه النتيجة التي وصل اليها الكاتب ، تستند على دراسة لاستطلاعات الرأي ، أم على احصائية تفصيلية دقيقة ،أم على نتائج الفرز لصندوق الانتخابات ، أم على ماذا (؟)
اذا كان النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ، رسول الله الى البشرية أجمعين ، لم يحظى بهذا الإجماع لا في الداخل ولا في الخارج ، فكيف حصل عليه ولي نعمتك ، ملك ملوك فلسطين السيد الرئيس القائد المفدى صاحب السمو والفخامة والجلالة المعظم محمود عباس (؟) . إرحم عقلك ودعك من عقولنا(!)
*ويواصل الكاتب : وعرفناك طوال السنوات الماضية رئيسا للشعب الفلسطيني بحكمتك وحنكتك وتواضعك وسهرك على تلبية احتياجات ابسط مواطن فلسطيني وعرفناك لا تنام الليل عندما كانت تقطع الكهرباء عن قطاع غزة (!)
-فعلا ،حتى أن الكاتب "المتملق " كان يجثو على ركبتيه بجانب سرير الرئيس ، ويحاول إقناعه بكل الوسائل والأساليب ، تارة يقول له من أجل صحتك يا فخامة الرئيس أنصحك بالنوم ، وتارة اخرى يواسيه ويؤكد له أن أهل غزة بخير ولاداعي للقلق والأرق (!). في الحقيقة دراما مؤثرة ومهزلة حقيقية، ولانستطيع أن ننكر إنها مضحكة ، ولاتخلو من روح الدعابة والمرح.
*ويضيف الكاتب : وعرفناك ديمقراطيا, وعرفنا حريات في فلسطين أصبحت مفخرة أمام العالم كله(!)
-نعم ؛صحيح والدليل ، أن أقبية وزنازين وسجون السلطة تشهد على ذلك ، حتى أن بعض القضايا التي لفقت زواً وبهتاناً ، للمواطنين تندرج تحت بند «إطالة اللسان على المقامات العليا» ! ،هل سمعتم عن حركة تحرر وطني فيها مقامات عليا ، واحسرتاااه على الثورة الثوار. وأما بخصوص الديمقراطية فحدث ولاحرج ،بإختصار، احتكار القرار الوطني الفلسطيني ، واختزال كل القضية في شخص مهووس بالنرجسية يعاني من وعكات فكرية (!) .
*وفي النهاية يقول الكاتب :ومن المعروف ان الرئيس ابو مازن يتمتع بشعبية كبيرة بين ابناء شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج ونحن نختلف عنده ولا نختلف عليه كقائد للشعب الفلسطيني (!)
-يا أستاذي ، لماذا التكرار ،أكثر من عشر مرات كررت هذه الاسطوانة المشروخة لماذا ؟. أسلوب إعلامي مخابراتي لا أكثر ولا أقل . يااا دكتور ، في أي عمل صحفي ،ثقافي، أدبي ، ضرورة التكرار تنشأ من الحرص علي ترابط الصورة وتماسك أجزائها ، وليست لإيهام القارئ وخداعه من أجل تثبيت و تأكيد المعلومة . أعتقد أن الكاتب ، من رواد مدرسة "غوبلز" للدعاية والإعلام.
-ثم من قال أن الشعب الفلسطيني يبحث عن رئيس في هذا الوقت بالذات ،ألا يعتبر هذا نوع من أنواع الترف الفكري والسياسي، إنتظار القائد المخلّص المغوار لإنقاذ الشعب الفلسطيني وانتشاله من براثن الاحتلال ، لايعدو كونه جهلآ في الفكر والتفكير ، تمامآ كالذي يمسك بخيوط العنكبوت ليتسلق قمم الجبال ، الشعب الفلسطيني لايريد رئيس دولة أو دويلة . بل يريد ثورة وقيادة لهذه الثورة ،لاتُختزل بأشخاص وأفراد ، وإنما منظومة ثورية كاملة ومتكاملة للتحرر و التحرير . هل الواقع و المنطق يقول أن نتصارع على الوهم والسراب ، أي بدعة هذه التي تصور لنا الواقع "الوردي" للدولة العتيدة ولم يتبقى لنا إلا أن نختار الرئيس المنتظر (!) كلمة حق في وجه "زعيمك الأوحد" ، السيد محمود عباس لايمثل إلا نفسه . السيد عباس أقسم يوم توليه منصب الرئاسة -كما هو مطلوب منه بموجب المادة 35- أن يرعى "النظام الدستوري والقانون". وهو الذي خرق قواعد الدستور الفلسطيني وانتهك النظام السياسي الفلسطيني ، وتلاعب بالقانون الفلسطيني ، تارةً بإنشاء حكومة إنفاذ حالة الطوارئ، وتارةً بإيقاف العمل بمواد من الدستور، وتارةً بالتمديد لنفسه من غير حق، وتارةً بإنشاء حكومة فلسطينية جديدة غير دستورية. ناهيك عن جرجرة القضية والشعب الفلسطيني الى مربعات الإستسلام والإنهزام . وبالرغم من انتهاء ولايته الرئاسية ، إلا انه مازال جاثماً على صدر الشعب الفلسطيني فماذا نسمي هذا (؟) .

الإجابة :هي الإستيلاء على السلطة بالقوة .
الزعيم الأوحد lemonde.in 5 of 5
لومــــــوند : عبد اللطيف أبو ضباع : هذا "اللقب " ليس حكراً على الرئيس العراقي الأسبق عبدالكريم قاسم ، بل شمل معظم قادة الأنظ...
انشر ايضا على

عبر عن رأيك