خندق الثوابت
رغم أني لا أهوى هذا النوع من الكتابة ، لكني وجدت نفسي مجبرآ على الرد . نعم ؛ الرد على مروجي الأفلام والقصص والروايات السياسية المحبوكة والممزوجة بالدراما والإثارة والتشويق ، وبالفعل بدأت أداعب بنات أفكاري للحديث عن الثوابت الفلسطينية والمعارك الشرسة التي يخوضها مقاتلي السياسة "الأشاوس" ، لاأدري لماذا أو كيف قفزت أمامي لقطات تاريخية من معركة سقوط الدولة العباسية ، فتمثلت -المعركة- لي بشرآ سويآ ، ثم قالت : معركة السقوط كانت من أشد المعارك ضراوة وقساوة للدفاع عن "الدولة العباسية " وعن سقوط العاصمة بغداد أخر قلاعها ،بعد حصارها الظالم ، كانت معركة التصدي لجيوش المغول بقيادة هولاكو ، مجرم الحروب سليل الجبابرة والطغاة.. بدأت المعركة و تناثرت القلوب ، وغبار المعركة الكثيف ،المخيف يغطي المكان ،و ملامح الهلع والرعب رسمت خطوطآ متعرجة على وجوهنا ، و التحمت أصوات صهيل الخيول بأصوات صليل السيوف ، تشابكت واختلطت ، وتعالت أصوات الثكالى من هول بشاعة المجزرة ، مجزرة التاريخ الدموية ، على يميني الرماة يحصدون أرواح الرجال ، وأمامي فرسان المغول بخيولهم الملطخة بدمائنا ،وقذائف المنجنيق تنهال علينا من كل حدب وصوب ، وفي كل رقعة وبقعة ، والمغول بدروعهم وعدتهم وعتادهم بأجسامهم الضخمة وأشكالهم المرعبة ، ونحن بصدورنا العارية ، وأجسادنا البالية ، وأشتد القتال ،وتلاطمت صحف الزمان ،وسهام المغول الغادرة قطعت خيوط الشمس .. الرجال يدافعون ببسالة وشجاعة ، والنساء تداوي جراح من تبقى على قيد الحياة ، وسياط الموت تهوي على أجسادنا ، سقط المئات أمامنا ، وأمامنا سقط المئات ، وروائح الدم تغطي المكان في عالم اللامكان ، الحناجر تحشرجت و كل كلمات النصر تحولت الى هزيمة ، تعانقت النفوس وتحطمت الرؤوس ، و هولاكو الوحش يردد بنبرة حادة ويصرخ بعلو صوته ،لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين . رحل الذين نحبهم ! والعشرات منا مختبئين في خندق الهزيمة ، الدموع تساقطت ونحملها على أكفنا ، نعم ؛ حتى الدماء والدموع والجراح حملناها ، مثل ما حملنا شهداء البطولة والفداء ، سقطت بغداد...!!! وأنتصر هولاكو ، بعد أن دمر المدينة ، لاتسمع فيها همسآ ، إلا أصوات صرير الرياح الهائمة ، كل البيوت تهدمت ، حتى المآذن والكنائس والقبور ، رحل الجميع ! في ليلة سوداء داكنة ، ونحن لا ولم نخرج من الخندق، نعم انه خندق "الثوابت " باقون على العهد ، لله درك يا "دولة العباسيين " .. وما هذه الحروب التي خضناها ومازلنا إلا تعبيرآ عن روح الكفاح وامتداد لكل مراحل الثورة والنضال و الصمود والثبات والتحدي وبالتالي معركتنا مستمرة ضد "هولاكو " وأتباعه ،حتى قيام "الدولة العباسية " المستقلة وعاصمتها "كركوك " أقصد بغداد !! أنتهت وأختفت كل اللقطات التاريخية لمعركة سقوط الدولة العباسية . سيناريو هزيل ،فاشل ،ضعيف يقدمه لنا هؤلاء المروجين لمعركة الثوابت ، معركة"وهمية " لاوجود لها إلا في عقولهم المريضة ، للحفاظ على مصالحهم الشخصية وعلى الامتيازات والمناصب والمواكب ، استهتار واستخفاف بالعقول ، أي معركة هذه وأي قتال هذا ، وعن أي ثوابت تهرفون ، الثوابت الفلسطينية لاتكون عرضة للمساومة وللمقايضة وللمفاوضات لأنها ثابتة لاتخضع للمتغيرات والتكتيكات السياسية والحلول المرحلية ، أو للمرونة السياسية والهواجس الدبلوماسية ... لانريد نبش القبور ، فأنتم من قتلتم الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني ، ودفتتم ثورته ، وسرتم في جنازته المهيبة تذرفون دموع التماسيح لاستعطاف الدول المانحة وأنظمتها العربية منها والاقليمية ، لإعطائكم فتات أموال الجريمة النكراء واستثمارها على حساب دماء وارواح الشعب الفلسطيني ، منذ "النقاط العشر "1974 وماقبل وبعد ، اختزلتم القضية الفلسطينية وقزمتم المشروع الوطني وتنازلتم عن الميثاق القومي الفلسطيني ، وتركتم البنادق وسكنتم الفنادق وهجرتم الخنادق ، وأما بالنسبة للحروب فلم تكن يومآ لصالح القضية والشعب الفلسطيني وانما كانت نتاج لتحالفاتكم وصراعاتكم الخارجية والداخلية ، كذبتم على الثوار و المناضلون بشعاراتكم الوطنية التي راح ضحيتها كوكبة من خيرة ابناء الشعب الفلسطيني ، وكنتم أنتم تتصارعون وتتدافعون لأقتسام الغنائم . وأما كذبة القرار الوطني المستقل ومعركة تمثيل الشعب الفلسطيني ، فهذه لها حكايات وروايات ، والجدير بالذكر هنا سقوط المئات إن لم يكن الالآف من ابناء شعبنا الفلسطيني في ساحات القتال التي خصصت لمعركة كسب "الشرعية "، وأما القرار الوطني فلم يكن يومآ مستقلآ ، اسألوا أنفسكم كم عدد الأنظمة التي استخدمتكم ، وتدخلت في صياغة قراراتكم بما يتناسب مع مصالحهم ومصالحكم الشخصية ، تفرقتم وتنابذتم وتشعبتم ، وكانت معارك الإنشقاق والاحتواء والانفصال ، أشد قساوة فيما بينكم ، وفي الوقت الذي كانت فلسطين تنتظر الاوفياء المخلصون ، كنتم تتنازعون فيما بينكم على معركة الشرعية ليس لخدمة القضية و "كذبة " القرار الوطني المستقل ، بل من أجل مد الجسور "الرسمية " بينكم وبين الانظمة والدول الاقليمة ، ومن أجل أن تكونوا الممثل الشرعي لجمع "أموال" الداعمين للشعب الفلسطيني وقضيته .. وهذا مادفعكم الى التسابق لعقد لقاءات واجتماعات مع الصهاينة في تلك المدينة وذاك البلد ،حتى وصلتم الى مراحل متقدمة من التفريط وكانت النتيجة اعتراف رسمي بدولة "اسرائيل " والتنازل عن أهم بنود الميثاق الوطني الفلسطيني ، والقبول بالحلول التصفوية للقضية الفلسطينية ، مقابل ادارة مدنية سميت زورآ وبهتانا(سلطة) بضم السين و"فتح " العلاقات الاقتصادية والأمنية والسياسية مع الصهاينة المجرمين ... وأما الثوابت فلكم ثوابتكم وللشعب الفلسطيني ثوابته ، وأنتم لاتمثلون الا أنفسكم المريضة ، ومن لف لفكم ومن سار على خطاكم ، ثوابت الشعب الفلسطيني معروفة لكل طفل فلسطيني في مخيمات الشتات والصمود ، هذا الطفل الذي حرمته الأيام والسنين والظروف العيش كباقي اطفال العالم ، حياة كريمة ، وأنتم تخططون وتتأمرون عليه لحرمانه من الحلم الذي لايموت ، حلم العودة الى فلسطين ... فلسطيننا 27 الف كم من البحر الى النهر ، و لانعترف (بفلسطينكم 67) ولا بكل حلولكم المرحلية ، ولانعترف بحدوكم المصطنعة ، ولانعترف بكم ولن نعترف باسرائيل . سيقول السفهاء منهم هذه شعارات فارغة لاتمت للواقعية السياسية بصلة ، وهذه مزاودة ، ونقول لكم لانعترف بواقعيتكم ولا بسياستكم الإنهزامية ، وأما اذا كانت المطالبة بكل فلسطين مزاودة ، اشهد الله بأني أول المزاودين ، أسمعوا ايها الدخلاء على الشعب وعلى القضية الفلسطينية اسمعوها من لسان لاجئ فلسطيني والله الذي رفع السموات بدون عمد ، لن نتخلى عن أي شبر من أرض فلسطين الحبيبة لوعلقونا على المشانق ، لوذبحونا ، لو سجنونا ، أو أحرقونا، والله لو قطعوا جسد اللاجئ الفلسطيني قطعآ صغيرة وبقي له أصبع يتحرك سيشير به الى فلسطين . الرحمة لجميع شهداء الشعب الفلسطيني الذين قضوا نحبهم دفاعآ عن الحقوق والثوابت ، والتحية لكل مناضل شريف قاتل وضحى من أجل فلسطين . وأما عن البديل والبرنامج السياسي ، أولآ : ليس لنا برنامج سياسي ولايوجد بديل ، ثانيآ: لانقيم وزنآ للموزاين العسكرية ، وكل مانفهمه من وعن السياسية والعسكرية ، ( الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين والكفاح المسلح هو الطريق لعودة اللاجئون ) ، تركنا لكم العقلانية والدبلوماسية والواقعية والتكتيك ،وثقافة الانفتاح والمرونة يا جهابذة السياسة .. قضية حق العودة بالنسبة لنا حياة أو موت ،اللاجئ الفلسطيني في كل مكان فرضت عليه الحرب .. أصبح اللاجئ الفلسطيني في المخيمات عبئ على القيادة الفلسطينية وعلى الدول العربية والاجنبية بحسب قولهم! المعركة الآن هي معركة انتزاع حق العودة من هذا اللاجئ ورميه على قارعة الطريق ، يتسول الحرية والكرامة والوطن ، بعد أن مارسوا ضده كل الوسائل والأساليب مثل التجويع والحصار والذل والخوف والحرمان والصاق تهمه الارهاب وتحويله الى كائن منبوذ ، أي زمان هذا ! الفلسطيني بدون اوراق ثبوتية ، لايجد قوت يومه ولاثمن الدواء لعلاج أطفاله ، أي زمان هذا !نرى فيه المقاتل والفدائي والمناضل واهالي الشهداء والجرحى الفلسطينيون يتسولون لإطعام فلذات أكبادهم ! أي زمان هذا ! الفلسطيني محجوز في المطارات والسجون ،يركب سفن الموت للبحث عن بلد يأويه بعد طرده من بلاد العرب !هل هكذا يعامل صاحب القضية وصاحب الحق ! كل هذه الممارسات من أجل أن يتنازل عن حقه في فلسطين وبعد ذلك توجه له التهمة (انت بعت وطنك ) أيها اللاجئ الفلسطيني ، يقول الله عز وجل وقوله الحق "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ" صدق الله العظيم.