أمريكا وايران يواجهان الوباء بالمقلوب

لومـــــــوند : محمد وزيــن
تعتبر جائحة كورونا أسوأ اختبار يواجهه العالم منذ أكثر من قرن ، وتحديا كبيرا بين الحياة والموت لشعوب العالم، واكبر للسياسة والاستراتيجية ، ونوعية الكفاءة القيادية ،وكذلك مدى استجابة سادة الغرف العاجية في دهاليز السلطة للمطالب الشعبية ، لكنها في ايران اكثر تعقيدا لنظام ولاية الفقيه القابع في زاوية ضعف التخطيط قبل الأزمة ،والارتباك والتخبط الاستراتيجي في إدارتها مع انعدام الثقة الشعبية والكراهية المتفجرة، باعتبارهما حجر الزاوية لتحديات أخرى من الماضي إلى الحاضر. فاستئناف شركة طيران ماهان رحلاتها الجوية من والى الصين ،كانصياع توقعي ،كانت سببا رئيسيا في صميم تفشي الوباء،الذي كانت إجراءات وقف تغلغله خجولة في سياق المسافة الاجتماعية، ثم غياب المساعدة الشعبية بالاضافة الى الكذب والتستر بخصوص ارقام المصابين وغياب استرتيجية حقيقية بعدم فرض الحجر الصحي في قم وطهران واصفهان، وبوشهر، وخوزستان، وكرمانشاه،وخراسان الرضوية وباقي المدن الأخرى، بعد الغاء روحاني خطة ذات أسبقية أولى طارئة مدتها شهر،تعطل فيها البلاد لوقف عداد الوفيات .وطرح خطته الإجرامية لإستئناف العمل في كل القطاعات ،والزج بالشعب في مذبحة الوباء، بعد تأكيد وزير داخليته عبدالرضا رحماني فضلي ان منحى المرض في انخفاض ،والسيطرة عليه هي مجرد وقت فقط ،وهو ما خادَّه وزير الصحة سعيد نمكي الذي أكد أن ايران في مرحلة إدارة المرض ،ولم تتم السيطرة على الفيروس بعد، ولا ينبغي التوهم ومجانبة الصواب ، كل هذا التخبط والتنبلة أدى الى فشل النظام في احتواءالأزمة،فعزل نفسه طواعية داخل شعاراته المهترئة ،بسبب عجزه وعدم كفاءته ،وسياسة البروباغاندا الكاذبة والمضللة التي فضحها هذا الكم من الكشف الإعلامي الكبير لاعداد المصابين ،التي تجاوزت باضعاف الارقام المصرح بها في معظم محافظات البلاد ،لكن تحدي كورونا في إيران غريب ،فالشعب لا يكترث لسلوك النظام الفج وتلاعبه بارواح المواطنين،فالمعضلات الكبيرة لطالما دفع ثمنها بحياته وروحه،فكان لزاما عليه حماية ومساعدة بعضه البعض،وبما ان المنحى الوبائي مازال في حالة تصاعدية،ولم يصل إلى الذروة أو المستوى الأفقي للرسم البياني للوباء، وعدم وجود أي مكان نظيف في ايران،فانها بلا شك مقبلة على ايام صعبة مع بداية ذروة الفيروس الثانية، وهو ما يمكن أن يقود إلى استنتاجات لا تدعو إلى التفاؤل،ذلك لأن ارقام الموتى ستكون مخيفة،والوباء سيفتك بالإيرانيين إذا بقي النظام مصرا على البقاء خارج المنظومة الصحية الدولية،بعد طرد منظمة أطباء بلا حدود ،باعتبار أعضائها جواسيس وقوى أجنبية غير مرحّب بها.فالملالي لا يرغبون أن يطّلع العالم على حجم خسائر ايران البشرية، فلو وضعوا توجههم التافه تحت مجهر العقل او المنطق ،لادركوا أن ما جسده أطباء كوبا والصين من عودة لقيم التكافل والتعاون العابرة للعقائد ،اسمى من الضوابط والشعارات العقائدية البالية التي جعلت اقنعتهم أكثر أهمية من ملامحهم المتغضنة وعقولهم الصدئة ،التي ترفض الفصل بين ماهو سياسي وما هو انساني من خلال لعبة عبثية أخرى، تكون فيها ارقام الموتى والمسيرات الجنائزية ،بضاعة في مزاد سياسي لخلق تصدعات في جدار العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران ،واستفزازا للمجتمع الدولي للضغط على واشنطن لرفعها،وهي للاسف عملية ابتزاز رخيصة على درجة كبيرة من السذاجة والدَّرَن، ستزيد من متاعب النظام الإيراني باعتباره عدوا للحياة البشرية ،وتفضيله مصالحه السياسية على حماية شعبه ،فالمجتمع الدولي الذي يأمل الملالي أن يقوم بالضغط على الولايات المتحدة من أجل رفع العقوبات عنها ،لا يمكنه في هذه اللحظة الالتفات إلى مسألة سياسية، غاية في التعقيد، لم يكن متحمسا للتدخل لحلها وقد كانت له رفاهية الوقت ،فكيف به اليوم وهو يواجه أزمة عالمية تتعلق بالمصير البشري ،الذي اهتزت القناعات في صلابته كما لم تهتز في أي وقت عصيب أخر،مما يوحي ان إيران تلعب وحدها في منطقة لا تقع عليها الأبصار،فهناك سوء فهم يدفع بنظام الولي الفقيه إلى اعتبار معركة كورونا جزءا من الحرب القائمة بينه وبين الولايات المتحدة، التي عرضت مساعدته في مواجهة الوباء لأسباب إنسانية، فكانت له بالمرصاد شعاراتهم المقززة كالخقاق واصفة اياه بالخبيث ،كونه استمرارا لنفس المؤامرة للنيل من كبرياء الشعب الإيراني وثورته وصمود جبهة المقاومة، لكنها لاسباب سياسية ،فرضت في الوقت نفسه عقوبات جديدة على مؤسسات وأشخاص لهم صلة بالنظام الإيراني،وذلك فصل لا ترغب القيادة الإيرانية في التوقف أمامه وتأمله،فالعناد الإيراني لا يُعدّ مؤشرا على الشعور بالمسؤولية، باعتبار التعامل مع وباء كورونا كظاهرة سياسية ،سيدفع الشعب الإيراني ثمنها الباهظ بما لا يمكن تعويضه حتى لو تم في وقت لاحق رفع العقوبات الأميركية ،وهو أمر من الصعب توقعه في ظل أمن اقتصادي متضائل ،وأنظمة حماية اجتماعية متدهورة ،ستشكل حتما تداعيات كارثية لمستقبل وتوقعات ما بعد كورونا ،الذي سيصبح في المدى المنظور قنبلة متفجرة في وجه الابتذال المؤسسي داخل هياكل نظام يعتقد قادته أنهم مسددون غيبيا وأن الله سينصرهم على عباده الآخرين ،فيكابرون بنهجهم سياسة التمدد والصياعة خارج حدودهم لهتك سيادة الاخرين، وهو ما اصبح مرفوضا عالميا، شعبيا ورسميا، فلو كانت لحكام إيران حنكة سياسية، وهي واحدة من أوهامهم، لركنوا خلافاتهم السياسية مع العالم جانبا والالتزام بالأحكام المركزية لاتفاق 2015 ،ثم الانضمام دون خَسقات الى معاهدة مجموعة العمل المالي ،والموافقة على لوائحها التي اقرها البرلمان الايراني ، فجوبهت بتعنت وتشدد مجلس صيانة الدستور ،وتخاذل مفضوح لمجمع تشخيص مصلحة النظام في حسم خلاف سيغير وضع ايران في المطبخ السياسي. وبما ان الرقاعة عند نظام الملالي اسلوب حياة ، ففي ذروة اكتساح الوباء ،استمرت تحرشاتهم العسكرية في المنطقة بهدف جر الولايات المتحدة إلى حرب استنزاف طويلة الأمد على الأراضي العراقية، خطة جابهتها واشنطن باعادة نشر القوات الاميركية ،وكذلك صواريخ باتريوت الدفاعية كإجراء احترازي واستراتيجي توافقي بين جبهتين في ادارة ترامب، واحدة تدعو إلى مواجهة مباشرة مع نظام الملالي، باعتباره مارقا ،وهو ما يعني القيام بعمليات مباشرة ضد العمق الإيراني ، و استمرار قصف مصالحه ،و اغتيال مزيد من قياداته في العراق و سوريا ،واخرى ترى الحل في تطوير سلاح العقوبات ،فبعد خنق قطاع البتروكيمياويات ،ووضع النظام في القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي ،هرع دعاة الظلام مهطعين الى صندوق النقد الدولي، لطلب قرض طارئ بقيمة 5 مليارات دولار وهو الاول منذ 60 عاما ،بعد ان انهارت الموازنة بنقص بلغ % 50 تفسخت معها احجية الاقتصاد المقاوم ، اما الإجراء الاول فهي تراه خطرا محدقا بالقوات الأمريكية في العراق، بلد الحزن واليتم والطائفية المقدسة ،حيث وضعت كل ذات عصبية جهالتها ،فجعلوه دون بصيرة كالثيل لمن استباحوا سيادته المفترضة ،واقتصاده وأرواح مواطنيه وكيانه السياسي المكدود فأصبح ساحة لحروب البغاة ومباعراتهم السياسية .لاشك اليوم ان قواعد الاشتباك العسكري بين ايران وامريكا لم تتغير وخيار الحرب المباشرة غير وارد في الافق المنظوررغم كل هذا العجيج ،ليبقى تبرم ترامب وخرجات حسين سلامي وباقي ازلام الفاشية الدينية ،مجرد فانتازيا سياسية وفرار من شر مقدور إلى شر ممكن .ان اليوم في تقديري هو فرصة للطرفين للهبوط من صهوة التصعيد ،وأنسنة السلوك السياسي المتهور لمواجهة ما هو اسوء ،فالولايات المتحدة الأميركية تعاني بدورها فشلا تراكميا بقيادة ترامب الذي تجاهل تحذيرات أجهزة الاستخبارات الأميركية حول مخاطر انتشار الفيروس في البلاد،ثم لا مبالاته بعد ان حاقها الوباء ،فصارت في خضم كارثة استراتيجية مطلقة تتصدر قائمة الدول من حيث عدد الإصابات والوفيات ،بعد أن أثبتت عجزها الحدّ من انتشار وتأثير وباء ازبأر ولم يستثن احدا من هجومه الشرس. هذا الكم من الرعونة والتهور والاهمال جعل الأميركيين يشعرون انهم أقل أمنا وامانا في مسقط مسغبتهم،وهو ما دفع الرئيس الأمريكى لإلقاء اللوم في مكان آخر ، (WHO)فجوبه بالشجب والتنديد . دون ان ننسى انعكاسات الوباء على الاقتصاد الامريكي المتورم بعد الانهيار التاريخي لأسعار النفط وشن الامير المنفلت من عقاله (مبس) حربا على منتجي النفط الأميركيين، بينما كانت القوات الأميركية تقوم بحماية مملكته الموروثة.كشفت ازمة كورونا تشابها كبيرا بين ترامب ونظام ولاية الفقيه ،فكلاهما يعبدان عجل العته والفظاظة والنزق،ويقدسان طقوس القذارة السياسية، فبعد ان تغايوا على الانسانية حل الموت الزؤاف ،وارتبأت الجثث على قوارع الطرق،وانهار الاقتصاد بشكل مهول وهو ماستكون له كلفته السياسية في المستقبل عليهما لا محالة ،فيروس كورونا هو السقطة الأخيرة لمشروع قيادة أمريكا للعالم ،بعد توقفه عند سرعة ترامب المذهلة في تقويض وضع أمريكا من قوة أولى على المسرح العالمي الى قوة دون سلطة . اما ايران فهي مقبلة على مأساة حقيقية فاقمها فساد النظام و سوء الإدارة ،وهو ما سيضيف هذه الأيام الصعبة إلى الملفات المفتوحة سابقاً ،وبالتالي ستشكل تهديدًا اجتماعيًا وأمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا للبلاد أكثر ممّا ستضرّ به كورونا والعقوبات الأمريكية معا.فلن يبقى للملالي ساعتها الا التمسح بما تبقى من خراب .عزيزي القارئ اذا كنت تسأل عن حقيقة و خبايا الصراع الامريكي - الايراني فذلك لم يعد اليوم مطلبا لسبر اغوار هذا الصراع ،لكنك تستطيع أن تأخذ منه ما يناسب احتياجاتك، وقدرتك على الفهم والانحياز.

أمريكا وايران يواجهان الوباء بالمقلوب lemonde.in 5 of 5
لومـــــــوند : محمد وزيــن تعتبر جائحة كورونا أسوأ اختبار يواجهه العالم منذ أكثر من قرن ، وتحديا كبيرا بين الحياة والموت لشعوب العالم...
انشر ايضا على

عبر عن رأيك