الثورة العراقية ومأزق الإسلام السياسي الحاكم

لومــــوند : نبيل ملحم
أتت الثورة العراقية التي انطلقت جذوتها الأولى بداية شهر أكتوبر 2019، ثم عادت واشتعلت بشكل أقوى في 25 من الشهر ذاته، لتكشف مدى المأزق الذي وصلت إليه وتمر به عصابات الإسلام السياسي الشيعي الحاكمة في العراق، ومعها كل فصائل المحاصصة الطائفية العراقية هذه الأيام، ومعها كذلك الإسلام السياسي الشيعي المهيمن داخل نظام المحاصصة الطائفية اللبناني، والمتمثل بحزب الله اللبناني وشريكته حركة أمل، وحيث كل ما سيقال هنا ينطبق على كل فصائل الإسلام السياسي السني، وكل القوى الطائفية في الواقع العربي. كما أتت لتكشفت عن الوهم الذي سيطر على عقول الكثير من العامة والنخب، إن كان في العراق أو خارجه عن وجود تطابق بين إرادة الإسلام السياسي الشيعي أو السني وإرادة عموم الشيعة أو السنة، وهو الوهم الذي نتج عن عدم التمييز والفصل بين حالة التدين التي سادت في العقود الماضية في أوساط شعوب المنطقة بسبب القمع الذي مارسته عليها نظم الاستبداد العربي بكل أشكالها وألوانها مع ما ترافق من حصار وقمع فرضته تلك الأنظمة على التيارات السياسية والفكرية الأخرى وبين حالة الإسلام السياسي الشيعي والسني بوصفها حالات وتعبيرات سياسية لها مصالحها ومشاريعها الخاصة التي ارتبط في أغلب الساحات إن لم نقل في كلها مع أجندات سياسية إقليمية ودولية، قامت بتوظيف هذه التعبيرات السياسية الدينية الطائفية بعيداً عن مصالح الشعوب حيث نشأت هذه التعبيرات في أحشائها، لقد أتت الثورة على الإسلام السياسي الشيعي الحاكم في العراق والمشتعلة بشكل أساسي في المناطق ذات الغالبية الشيعية، إن كان في المحافظات الجنوبية العراقية أو في الأحياء ذات الغالبية الشيعية التي تغذي الثورة في العاصمة بغداد، لتكذب هذا الوهم والقناعة. كما أتت هذه الثورة لتكشف أن الإسلام السياسي الشيعي ومعه السني اللذين ترعرعا في الواقع العربي في بعض الساحات على قضية المظلومية الطائفية التي تعرض لها الشيعية في بعض الساحات والسنة في ساحات أخرى، ليتبين أن هذا الإسلام السياسي ما أن يصل إلى السلطة ويتمكن من خلال الدولة والسلطة والثروة التي تمتلكها الدولة، حتى يبدأ بممارسة النهب والسلب وممارسة كل أشكال المظلومية ضد الجميع دون تمييز بين طائفة أو أخرى، بما في ذلك البيئة الاجتماعية التي ادعى تمثيلها والدفاع عنها كذباً وبهتاناً، أي ليتبين أن هذا الإسلام السياسي ليس إلا تعبيراً سياسياً يرتدي ثوب الدين والطائفة، ويقسم المجتمع عمودياً على أساس الهوية الطائفية، كونه حيثية سياسية طفيلية تتعيش على الطائفية والانقسام الطائفي داخل المجتمع، وحيث لا هدف له سوى الوصول إلى السلطة والثروة باسم الدين أو باسم المظلومية الطائفية، بعكس ما يعتقد الكثير ممن يغرر بهم من العامة أو النخب بأن لهم أهدافاً غير تلك الأهداف الأرضية الدنيئة. لقد أتت الثورة العراقية المنطلقة أساساً من البيئة التي انتعش فيها الإسلام السياسي الشيعي وتاجر بهمومها تاريخياً لتضع هذا الإسلام الحاكم في العراق أمام مأزق تاريخي يضعه أمام خيارين كلاهما مر. فأمام امتداد وتوسع لهيب الثورة في هذه البيئة الشيعية، وأمام الإصرار على مطالبها الواضحة، بإسقاط الطبقة السياسية الحاكمة ومعها مجموعة الأحزاب الطائفية المتحالفة والمشكلة للسلطة، إن كان من خلال المطالبة والدعوة إلى إسقاط الحكومة القائمة برئاسة عادل عبد المهدي، والدعوة إلى تعديل الدستور واجراء انتخابات نيابية مبكرة بعد تشكيل هيئة مستقلة جديدة للانتخابات، وهو الأمر الذي يعني اذا ما تمت الاستجابة له سقوط محقق لهذه الطبقة السياسية مع أحزابها المدانة والمتهمة كلها من قبل أبناء الثورة باللصوصية ونهب ثروات العراق منذ عام 2003 , أما الخيار الثاني فانه لا يقل صعوبة عن الخيار الأول، واقصد بذلك اعتماد خيار القمع الدموي للثورة وهو الخيار الذي تمارسه الآن أحزاب السلطة في السر وبشكل مقنن و انتقائي من خلال اختطاف الناشطين والناشطات أو من خلال تصفية البعض من خلال الاعتقال أو الاغتيال أو قنص البعض الآخر المشارك في حراك الشارع والساحات، لعل ذلك يشكل رادعاً يخيف الثوار ويجبرهم على العودة إلى بيوتهم صاغرين خائفين، وهو الأمر الذي لم يجد نفعاً حتى الآن، ولن يجدي نفعاً في الأيام القادمة كما أعتقد، إن ما يلجم حتى الآن العصابات الحاكمة الطائفية من التمادي في القمع المفتوح الدموي من أوسع أبوابه يعود إلى عاملين، الأول: إن المواجهة هي مع البيئة التي ادعت هذه العصابات تمثيلها وبما يعني انكشافها الصريح أمام ما تبقى وتعتقد أنه شارعها، كما تعني المواجهة والانكشاف أمام كل المرجعيات الدينية الشيعية الرسمية وغير الرسمية في الساحة العراقية، ولا سيما أن صوت هذه المرجعيات في العراق لا يزال مسموعاً وله وزنه وحساباته التي من الصعوبة تخطيها والخروج من تحت عباءتها بسهولة، فرفع منسوب القمع والدم يحتاج إلى غطاء من هذه المرجعيات ولا سيما الرسمية التي تمثلها مرجعية النجف المتمثلة بالسيستاني، وهو الأمر الذي لن تقدم عليه المرجعية الشيعية الرسمية إلا كآخر خيار، أي عندما تجرب كل الخيارات أو عندما تستنفذ كل الخيارات الممكنة، ولا يبقى إلا خيار القمع الدموي، فعندها بتصوري لن تمانع المرجعية بإعطاء رخصة للعصابات الحاكمة بذبح الحراك والثورة، أما المعضلة الثانية: التي تقف عائقاً أمام تمادي العصابات الحاكمة في استخدام القمع الوحشي بمنسوب ومستوى يفوق القمع الحالي فهي سلمية الثورة العراقية، فرهان العصابات الحاكمة الآن، وعملها على تقطيع الوقت، واللعب بعامل الزمن، من خلال إعطاء الحكومة مدة 45 يوم للقيام بالإصلاحات التي يعتقد أنها سترضي الشارع الثائر، والوعود والتسويف والمماطلة، مع الاستمرار بممارسة القتل والاغتيال والخطف، كل ذلك يهدف إلى جر الثورة إلى العسكرة وحمل السلاح، فعندها سيسهل عليهم الانقضاض الوحشي على الثورة تحت الف حجة وحجة معروفة من الآن، وعندها سيسهل على المرجعية الدينية الشيعية إعطاء العصابات الحاكمة رخصة مفتوحة للقتل، وحيث يأتي رفع منسوب القمع الحالي الذي سترتفع وتيرته مع الأيام القادمة شيئاً فشيئاً، بهدف إما جر الثورة إلى العسكرة أو القضاء عليها من خلال رفع منسوب قمع متصاعد شيئاً فشيئاً وفي كلا الحالتين فإن وقف نهر الثورة العراقية المتدفق أصبح أمراً لا يمكن الوصول إليه إلا بجريان نهر من الدم في أرض العراق يوازي في غزارته وتدفقه جريان نهر دجلة والفرات.
الثورة العراقية ومأزق الإسلام السياسي الحاكم lemonde.in 5 of 5
لومــــوند : نبيل ملحم أتت الثورة العراقية التي انطلقت جذوتها الأولى بداية شهر أكتوبر 2019، ثم عادت واشتعلت بشكل أقوى في 25 من الشهر ذات...
انشر ايضا على

عبر عن رأيك