الانسحاب من سوريا تحول الى خلاف جديد بين واشنطن وانقرة


لومـــــوند :
منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" عن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، في ديسمبر/كانون الأول، تحول ما اعتبرته تركيا في البداية فرصة أخرى بين الحليفين في حلف "الناتو" إلى ملف خلاف جديد. وبالنسبة لحكومة الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، قدم الانسحاب الأمريكي بشكل رمزي فرصة لتركيا للقضاء عسكريا على وحدات حماية الشعب الكردية "واي بي جي"، التي طالما اعتبرتها أنقرة منظمة إرهابية، لكن واشنطن شاركتها واعتمدت عليها في القضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية". وكما هو عليه الحال، لا يتم التعامل مع المسألة السورية من منظور استراتيجي من قبل حكومة "ترامب" أو حكومة "أردوغان"، وبدلا من ذلك، فقد تحول الحدث إلى قضية سياسية يمكن استخدامها للتأثير على السياسية المحلية في كلا البلدين. وبالنسبة لـ "ترامب"، يتمحور الانسحاب حول إرضاء قاعدته الانتخابية عبر الوفاء بوعد حملته الانتخابية بالحد من البصمة العسكرية العالمية للولايات المتحدة، وسحب القوات الأمريكية من التشابكات الأجنبية. وبالنسبة لـ "أردوغان"، كانت محاولة القضاء على وحدات حماية الشعب عسكريا تتعلق دائما بتقديم موقف قوي ضد التمرد الكردي أكثر من الشعور بتهديد حقيقي من قبل وحدات حماية الشعب. وستستمر هذه الجهود المبذولة لإرضاء الدوائر المحلية في إثارة توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، والسماح بمزيد من تعزيز المصالح الروسية والإيرانية في الشرق الأوسط. ومن الواضح أن "أردوغان" لا يعترض على انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، على العكس من ذلك، فقد رحب بالفرصة المتاحة أمام تركيا للقيام بدور فاعل رئيسي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، حتى مع استمراره في الاعتماد على القوة الجوية والاستخبارات الأمريكية لتنفيذ المهمة. ولكن ما تعترض عليه تركيا بشدة هو الموقف الذي حدده "جون بولتون"، مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، الذي أعلن أن الولايات المتحدة لن تنسحب من سوريا إلى أن تضمن تركيا أنها لن تهاجم المقاتلين الأكراد الذين تعتبرهم الولايات المتحدة شركاء لها في الحرب ضد "الدولة الإسلامية". ولم يطرح "ترامب" مثل هذا الطلب أمام "أردوغان"، الذي وبخ "بولتون" بقوله إنه إذا كان هذا هو بالفعل موقف الولايات المتحدة، فإنه "خطأ فادح". ومضى وزير الخارجية التركي ليقول إن تركيا لم تكن في حاجة إلى انتظار الانسحاب الأمريكي قبل مهاجمة وحدات حماية الشعب، وأن بلاده تجري الاستعدادات النهائية يجري القيام بها لعملية عسكرية، من المفترض أن تكون مماثلة للعمليات التركية السابقة مثل "عملية درع الفرات". وبالنظر إلى أن "ترامب" و"أردوغان" تحدثا عن انسحاب الولايات المتحدة دون قيام "ترامب" بتقديم أي مطالب من تركيا بحماية المقاتلين الأكراد، فلماذا يُغضب "بولتون" الأتراك بتصريحاته؟ ويعتمد السيناريو الأكثر منطقية على الرأي القائل بأن المصالح السياسية لـ "بولتون"، وكذلك وزير الخارجية "مايك بومبيو"، تختلف عن مصالح "ترامب". ومن المعروف أن كلا من "بولتون" و"بومبيو" من الصقور الأقوياء بشأن الملف الإيراني، وفي حين أنهما لا يتحديان قرار "ترامب" بالانسحاب من سوريا بشكل علني، إلا أن كليهما لديه مخاوف بشأن طريقة وجدول الانسحاب. ولن يشجع الانسحاب الفوري فقط وحدات تنظيم "الدولة الإسلامية" التي غادرت سوريا على العودة، ولكن الأهم من ذلك أنه سيترك سوريا مفتوحة أمام النفوذ الإيراني والروسي دون منازع. وبينما يهتم "ترامب" بإخبار الناخبين بأنه سحب القوات الأمريكية من حرب أجنبية أخرى مكلفة، يبدو أن "بولتون" و"بومبيو" يركزان أهدافهما على المدى الطويل على الحد من تأثير الأعداء في المنطقة. وقد ذهب البعض في الصحافة التركية إلى حد يوحي بأن أعضاء حكومة "ترامب" قد قاموا بانقلاب بيروقراطي على الرئيس، وعلى الرغم من أن هذا السيناريو بعيد المنال، إلا أنه يبدو مع ذلك أن عملية صياغة السياسة في واشنطن قد تم اختراقها، وأن أعضاء مجلس الوزراء يصوغون سياسات مستقلة عن رغبات "ترامب". وفي مقالة تم نشرها في 7 يناير/كانون الثاني، في صحيفة "نيويورك تايمز"، قال "أردوغان" إن تركيا ليست عازمة على قتال جميع الأكراد، لكنها مهتمة فقط بالقضاء على العناصر المتطرفة في تركيا، والتي لا تشكل خطرا على تركيا بشكل مباشر فقط، بل أيضا على تحالف الناتو ككل. وبالإضافة إلى تنظيم "الدولة الإسلامية"، يُفترض أن هذا الوصف ينطبق أيضا على وحدات حماية الشعب الكردية، بحسب "أردوغان". ومضى "أردوغان" يقول إن تركيا ستكون مهتمة ومصممة على ضمان إنشاء مجموعة تمثيلية من المجالس المنتخبة وضمان أن يكون للأكراد رأي في النظام الديمقراطي في شمال سوريا. لكن مع كل ما قيل، ليس واضحا كيف يعتزم "أردوغان" التحرك قدما. وفي حال انسحاب القوات الأمريكية مع وجود ضمانات سلامة للأكراد أو بدونها، فإن قدرة تركيا على التدخل عسكريا في سوريا ستتطلب بالتأكيد موافقة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين". وحتى لو تم التفاوض على هذه الموافقة، فما الذي تكسبه تركيا في نهاية المطاف من شن حملة عسكرية ضد وحدات حماية الشعب، التي لا تشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي للبلاد؟ على المدى الفوري، سيسمح ذلك لـ "أردوغان" بأن يبدو قويا أمام الناخبين الأتراك، وسيقوي موقف حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه "أردوغان"، قبل الانتخابات المحلية القادمة في مارس/آذار. أما العواقب المتوسطة إلى طويلة الأجل فيبدو أنه يتم تجاهلها في الوقت الراهن. ومن شبه المؤكد أن رئيس النظام السوري "بشار الأسد" هو المنتصر في الحرب الأهلية السورية. وكما علق الدبلوماسي التركي السابق "أيدين سيلسين"، مؤخرا، فقد بدأ "الأسد" بالفعل في الحصول على الاعتراف من العالم العربي بأكمله تقريبا، وتتجه جامعة الدول العربية نحو إعادة سوريا للحظيرة الدبلوماسية العربية. وتعد تركيا وقطر هما القوتان الإقليميتان الوحيدتان اللتان اختارتا ظاهريا عدم اتخاذ هذا الموقف البراغماتي. وهنا يأتي السؤال: أليس من الأسهل والأكثر فائدة لو حاول "أردوغان" تحقيق مصالحه الأمنية والاقتصادية والإقليمية من خلال الدخول في حوار مباشر مع الحكومة السورية الحالية، بدلا من القتال المستمر مع الولايات المتحدة وروسيا دبلوماسيا؟ قد يكون هذا مسارا سياسيا سيتبناه "أردوغان" في نهاية المطاف، خاصة إذا كان رغبت تركيا في الاستفادة من الفرص الاقتصادية المربحة التي من المحتمل أن تظهر مع إعادة إعمار سوريا بمجرد انتهاء الحرب. لكن في الوقت الراهن، من الواضح أن كلا من "أردوغان" و"ترامب" يرى في سوريا فرصة لدعم سياساتهما المحلية. وسيبقي هذا على الشكوك المتبادلة بين الولايات المتحدة وتركيا حول نوايا كل منهما تجاه الآخر، ما يمهد الطريق لمزيد من توطيد النفوذ الروسي والإيراني في الشرق الأوسط الأوسع.
الانسحاب من سوريا تحول الى خلاف جديد بين واشنطن وانقرة lemonde.in 5 of 5
لومـــــوند : منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" عن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، في ديسمبر/كانون الأول، تحول ما ا...
انشر ايضا على

عبر عن رأيك