السياق التاريخي لنشوء وترعرع البربرية في سوريا ( 2 )

لومـــــوند : نبيل ملحم 
ثانياً : الارتباط بالمشروع الإيراني واحتكار التمثيل داخل الطائفة العلوية.
شكل وصول البرجوازية الصغيرة إلى السلطة عبر الانقلاب العسكري في 8 آذار عام 1963 قطعاً مع النخب السياسية التقليدية المدنية (أبناء المدن), فقد تم استبعاد هذه النخب من كل مجالات الحياة العامة الاقتصادية والسياسية والثقافية, وتم القطع مع تقاليدهم السياسية والفكرية والثقافية واعتبر كل التراث السياسي والثقافي والفكري الذي أنتجته هذه النخب هو من الماضي الرجعي الإقطاعي البرجوازي!!! وبهذا تم القضاء دفعة واحدة على أجيال من النخب التي عاصرت مرحلة النضال الوطني ضد الاستعمار بشكليه العثماني والغربي, والتي عاصرت وبنت دولة الاستقلال الأولى, وهي النخب التي راكمت الكثير من الخبرات السياسية التي أعطت للمجتمع وجهه الحديث وبنت نموذجاً للدولة البرجوازية الحديثة الديمقراطية التعددية (نطمح الآن بعد حوالي نصف قرن من الزمن بالعودة إليه واستلهام دروسه وخبراته), واستبعاد النخب المدنية عن الحياة العامة وتحديداً الحياة السياسية لم يقتصر على النخب المدنية السياسية التقليدية فحسب, بل إن الصراع السياسي الذي نشب بين تيارات وأجنحة القوى القومية البرجوازية الصغيرة على السلطة تمفصل في كثير من الحالات مع صراعات لها طابعاً مناطقياً (ريفي – مدني) وحتى فيما بعد أخذ بعداً طائفياً (أقليات – وأكثرية) وفيما بعد أخذ طابعاً طائفياً مكشوفاً ولا سيما بعد أن استفرد تيار وحيد في السلطة عام 1970 بقيادة حافظ الأسد الذي بنى دولته الاستبدادية العتيدة على جثة كل التيارات الأخرى. فبعد التخلص من النخب السياسية التقليدية المدنية تم استبعاد قسم من النخب العسكرية من أبناء المدن بحجة وذريعة أنها قوى انفصالية وغير وحدوية أي بحجة أنها ساعدت أو أيدت الانفصال بين سوريا ومصر, ومع انفجار الصراع بين القوميين البعثيين والناصريين على السلطة تم استبعاد النخب الناصرية من الحياة العامة وحيث كانت غالبية هذا التيار هي من أبناء المدن ولا سيما أن الناصرية شكلت إيديولوجيا غالبية أبناء المدن السورية من البرجوازية الصغيرة القومية في حين شكلت الأرياف السورية الحاضنة لغالبية القوميين من البعثيين و الاشتراكيين. وبعد التخلص من النخب الناصرية (أبناء المدن) وبعد انتقال الصراع الى داخل النخب القومية البعثية الحاكمة تم إقصاء واستبعاد البقية الباقية من أبناء المدن عن مسرح الحياة السياسية العامة, ولا سيما أن غالبية التيار القومي البعثي الوسطي كان يتشكل من أبناء المدن في حين شكل أبناء الأرياف والمدن الصغيرة أو البلدات وأبناء الأقليات الدينية غالبية التيار القومي البعثي اليساري داخل سلطة البعث وعندما تمت الإطاحة بسلطة التيار القومي البعثي الوسطي وجاء التيار القومي البعثي اليساري الى السلطة لم يبق من أبناء المدن إلا القلة القليلة من رموز السلطة السياسية أو العسكرية (بعض الواجهات). ولهذا عندما وصل الى السلطة التيار اليميني الذي اكتملت معه كل أركان النظام والدولة الاستبدادية – أقصد هنا التيار الذي قاده حافظ الأسد وقام بالانقلاب الذي سمي بالحركة التصحيحية - , كانت السلطة وكل رموز الحياة العامة في السلطة والدولة والمجتمع هم من أبناء الريف, حيث لم يبق لأبناء المدن إلا بعض الزوايا والواجهات التي أريد لها أن تبقى كي تخفي واقع أن السلطة أصبحت في غالبيتها لأبناء الريف والبلدات الصغيرة (أو المدن الصغيرة). وبعد أن تم ترييف الدولة و السلطة عمل النظام الاستبدادي الأسدي على تطييف الدولة والسلطة أي جعل الفاعلين وأصحاب القرار في مؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة هم من المنتمين الى طائفة محددة (العصبية العلوية التي بدأ ينسجها النظام الأسدي حول كرسي نظامه), أي تكوين مجموعة وإن كانت صغيرة(اوليغارشية) في البداية داخل أجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية والإدارية بشكل عام أي ما يمكن تسميته بسلطة الظل أو الدولة العميقة العلوية داخل الدولة والنواة الصلبة للنظام السياسي بحيث تكون هي المقرر الأساسي لاتجاه سير تطور الدولة والسلطة والمجتمع ,وهنا من المهم الإشارة إلى أن هذه المجموعة تبقى في الظل ما دام النظام السياسي قادراً على إنتاج وإعادة إنتاج ذاته بشكل طبيعي وتلقائي وتظهر إلى العلن وتندفع إلى واجهة الأحداث دون خجل أو وجل لتكشف عن ذاتها ومصالحها وطموحاتها ودورها وموقعها كنواة للنظام عندما يتعرض النظام للاهتزاز وخطر الزوال, وهنا من المهم الإشارة كذلك إلى أن هذه النواة غلب عليها الطابع العسكري في المرحلة الأولى من تشكلها, حيث تشكلت من تحالف رجالات العسكر وفي مرحلة لاحقة من عمر النظام والدولة الاستبدادية غلب عليها الطابع العسكري الأمني – المدني أي تحالف رجالات العسكر والأمن مع رجالات المال والأعمال (الاوليغارشيا الأمنية والمالية)
لقد دأب النظام ككل النظم الاستبدادية التي عرفها الواقع العربي في العصر الحديث إلى إخفاء الطابع الطائفي من خلال خطاب " قومي " و " وطني " موروث ومسروق من عقيدة الأحزاب القومية البرجوازية الصغيرة التي شكلت أيديولوجيتها وعقيدتها الغطاء الإيديولوجي للنظم والدولة الاستبدادية الحديثة في الواقع العربي, فالنظام الاستبدادي بمقدار ما كان على صعيد خطابه السياسي والإعلامي والإيديولوجي يمجد الوحدة الوطنية والقومية كان على أرض الواقع يقوم بممارسة كل الأفعال التي تقود إلى تمزيق النسيج الاجتماعي للمجتمع فالنظام الاستبدادي الأسدي شكل صيرورة هابطة (الجدل الهابط) قادت لا إلى إبقاء المجتمع رهينة الدولة والكيان القطري فحسب بل إلى تمزيق المجتمع بفعل الصيرورة الهابطة صيرورة الانتقال الهابط بالهوية والانتماء من الهوية والانتماء القومي إلى القطري ومنه إلى الطائفي نزولاً إلى تفتيت نسيج وهوية المجتمع إلى أصغر وحدة اجتماعية بدائية (العائلة فالفرد) وقد كانت هذه الصيرورة هي نقيض للصيرورة الصاعدة التي انطلقت في سياق مقاومة المستعمر الأجنبي وبعد الاستقلال عنه والتي كانت تسير بالمجتمع صعوداً. لقد عمل النظام الاستبدادي الأسدي على خلق أو إيجاد قاعدة اجتماعية له تضاف إلى قاعدته الطبقية والسياسية, وبلغة ابن خلدون فقد سعى النظام لتشكيل عصبية طائفية ترتكز عليها الدولة, وقد اتبع النظام لتحقيق ذلك سياسة الخطوة خطوة والنفس الطويل لجر الطائفة التي ينتمي إليها وجعلها قاعدة احتياطية يستخدمها للدفاع عن بقائه واستمراره وتأييده إن أمكن في مواجهة أي مخاطر تأتيه وتعرضه للسقوط إن كان من داخل النظام(انقلاب عسكري مثلاً) أو من خارجه (من الشارع والقوى السياسية المعارضة). أي عمل النظام على جعل الطائفة التي ينتمي إليها ذراعاً ضاربة في أي مواجهة مصيرية مع أي قوة معارضة قد تطمح للوصول إلى السلطة. وقد بدأت سياسة خلق هذه القاعدة في البداية من خلال إعادة هيكلة وتنظيم المؤسسة العسكرية بحيث أصبحت أولى المؤسسات والبنى داخل الدولة مرتبة ومنظمة على أساس الولاء الطائفي وذلك لما للمؤسسة العسكرية من دور في إسناد أو إسقاط الأنظمة في العالم الثالث ولا سيما أن النظام(كأغلب النظم العربية) هو ابن هذه المؤسسة وهو النظام الذي أتى إلى رأس السلطة من خلال المؤسسة العسكرية وبالتالي هو أكثر من يعرف قيمة وأهمية السيطرة والتحكم بالمؤسسة العسكرية بالمعنى الواسع لهذه الكلمة أي السيطرة التي تشمل الجيش والأمن بكل ألوانه وأنواعه. ولقد استفاد رأس النظام من الغربلة التي حدثت داخل المؤسسة العسكرية والسياسية والحزبية نتيجة سلسلة الإقصاءات والانقلابات العسكرية أو سلسلة الاستقواء بالمؤسسة العسكرية التي قامت بها أجنحة البعث المتصارعة على السلطة والتي كانت نتيجتها إزاحة كل النخب العسكرية والحزبية من الصف الأول والتي حدثت قبل مجيئه إلى السلطة (الانقلاب الأخير) في بداية السبعينات الأمر الذي وفر لرأس النظام إمكانية أن يكون الوحيد المنتمي إلى الصف الأول(من الناحية العسكرية) داخل السلطة التي أقامها , فكان أغلب من أتوا معه إلى السلطة هم من الصف الثالث والرابع وحتى العاشر من النخب العسكرية والحزبية الأمر الذي وفر له إمكانية السيطرة المطلقة على المؤسسة العسكرية والحزبية, وبما يعني توفر الإمكانية أمام رأس النظام على إنتاج وإعادة إنتاج هاتين المؤسستين وفق الاستراتيجية التي يريدها, ونقصد هنا استراتيجية النظام في بناء الدولة والسلطة على أسس طائفية مخفية تارة ولا سيما في زمن السلم الأهلي وظاهرة تارة في زمن الصراع المكشوف على السلطة. ثم بدأت ملامح الطائفية تظهر شيئاً فشيئاً في كل مؤسسات ومجالات و بنى الدولة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ولا سيما بعد أن خاض النظام مواجهة دامية ببعد طائفي مع الإخوان المسلمين في سوريا أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات وبعد انتصار " الثورة " الخمينية في إيران وبعد أن قرر النظام الإمساك بالورقة الفلسطينية واللبنانية خدمة لمصالحه أقول بعد كل ذلك قرر النظام التفتيش عن حلفاء جدد يحسن من خلالهم من شروط وجود نظامه السياسي (الوضع الداخلي) وشروط وجوده في لبنان وشروط وجوده الإقليمي بشكل عام نقول بعد كل ذلك دخل النظام كعضو وكشريك سياسي في حلف استراتيجي طائفي يمتد من طهران إلى حدود البحر الأبيض المتوسط في جنوب لبنان مروراً بالعراق، ونقصد هنا دخوله في المشروع الشيعي الإيراني الذي طرحته القيادة الإيرانية الخمينية للمنطقة العربية والإسلامية والهادف إلى جعل الاستقطاب داخل هذه المجتمعات يقوم على أساس طائفي وبما يقود إلى وضع شيعة العالم العربي والإسلامي تحت الوصاية والنفوذ الإيراني. إن دخول النظام في هذا الحلف لم ينم دوافعه باتجاه بناء دولة تقوم على ركائز طائفية فحسب بل نمى لديه حلم وطموح التوريث ونقصد بذلك حلم توريث السلطة وتكوين سلالة عائلية طائفية حاكمة, فالنظام دخل في هذا الحلف للحصول على أكبر قدر من المكتسبات السياسية والاقتصادية التي تؤمن له أكبر قدر من الدعم اللازم لتثبيت نظام حكمه واستمرار نظامه وفي مرحلة لاحقة لتأمين الحليف اللازم لدعم عملية توريث السلطة والحكم. ولتحقيق حلم توريث السلطة وتكوين سلالة عائلية طائفية حاكمة، عمل النظام:
اولاً: على الصعيد الإقليمي و(تحديداً في لبنان) وبمساعدة القيادة الإيرانية الخمينية عمل النظام على تغيير الخارطة السياسية وتوازن القوى داخل الساحة اللبنانية, فتم القضاء التدريجي على الحركة الوطنية اللبنانية بكل قواها السياسية الحزبية (ومن ثم الجماهيرية) وعلى مقاومتها الوطنية وتم استبدالها بالحركة الإسلامية الشيعية (حركة أمل وحزب الله) والمقاومة الإسلامية بقيادة حزب الله والتي شكلت الغطاء والعباءة وحصان طروادة للمشروع الإيراني الشيعي في المنطقة , وقد تم بفعل هذا التغيير للخارطة السياسية داخل الساحة اللبنانية القضاء على الكثير من القوى السياسية الوازنة، ومن لم يكن بالإمكان القضاء عليه تم تحجيم دوره أو محاصرته أو تطويعه لصالح المشروع الإيراني والسوري أو لنقل لصالح القوى الجديدة الصاعدة من حركة أمل وحزب الله , وجرى نتيجة لذلك انزياحاً في مضمون وشكل الصراع السياسي القائم داخل الساحة اللبنانية, حيث تم نقله وتحويله إلى صراع طائفي ومحاصصة طائفية بعد إن كان حين بدأ هذا الصراع في منتصف السبعينيات صراعاً سياسياً طبقياً وطنياً يسعى في أهدافه إلى تخليص لبنان من صيغته الطائفية المعروفة والموروثة.
وثانياً: على صعيد الداخل السوري فقد استطاع النظام وعبر سياسة الخطوة خطوة كسب وجر الطائفة العلوية إلى جانبه وقد استغل النظام مجموعة من الوقائع السياسية والتاريخية من التاريخ الحديث والقديم لتحقيق ذلك:
أولاً: استغلاله للفقر التاريخي للطائفة العلوية, حيث أن جميع أبناء الطائفة العلوية هم من أبناء الريف السوري وهم تاريخياً من فقراء المجتمع وهم يتساوون بذلك مع جميع أبناء الريف السوري في التهميش الاقتصادي, يضاف إليه تهميشهم التاريخي كونهم ينتمون إلى أقلية مذهبية (طائفية) عانت في بعض فترات التاريخ من الاضطهاد والملاحقة الأمر الذي أوجد وأنتج بعض الخصوصية في مناطق تواجدهم (سكنهم في الجبال النائية) وحتى في طريقة ممارستهم لشعائرهم الدينية و خصوصية نظرتهم إلى الآخر المختلف عنهم مذهبياً (وهم يشتركون في ذلك مع جميع أبناء الأقليات الدينية أو المذهبية أو القومية) وحتى المختلف عنهم اقتصادياً ومناطقياً (وهنا نقصد أبناء المدن). إن الإصلاح الزراعي الذي أتت به " ثورة " الأحزاب القومية البرجوازية الصغيرة أو " ثورة " مجالسها العسكرية والتي أنتجت النظم الاستبدادية لم يعمل سوى على تقسيم وتوزيع وتشتيت ملكية الأراضي الزراعية, بحيث أصبحت بعد جيلين من التقسيم بين الورثة ملكية تافهة لا تسمن ولا تغني من جوع, ونتيجة ذلك لم تطل فرحة أبناء الريف بشكل عام بالإصلاح الزراعي ومكتسباته, فسرعان ما تآكلت هذه المكتسبات أمام توالد الأجيال المتعاقبة, وعاد الريف بشكل عام إلى حالة التهميش والعوز الاقتصادي, وهنا عمل النظام على سياسة استيعاب أبناء الطائفة العلوية في مؤسسات الدولة المختلفة ضمن سياق سياسة أشمل تهدف إلى استيعاب أبناء الريف بشكل عام ضمن مؤسسات الدولة المختلفة, ولا سيما أن الدولة هي دولة القطاع العام أي الدولة المالكة لوسائل الإنتاج, وحيث أن أجهزة الدولة الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية والثقافية والعسكرية والأمنية أصبحت أجهزة تتسع لغالبية القوى البشرية (العضلية والفكرية)العاملة والمنتجة في المجتمع, أي بعد أن أصبحت الدولة هي حاضنة المجتمع في أحشائها, هكذا شكلت أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة ملاذاً لأبناء الريف بشكل عام ولأبناء الطائفة العلوية بشكل خاص, وهم (أي أبناء الطائفة العلوية) الذين لا يملكون تاريخياً كونهم أبناء ريف وفلاحين أباً عن جد أي حرفة أو صنعة أو تجارة أو صناعة أو رأس مال أو ميراث (فعدد العائلات الغنية داخل الطائفة كان يعد على أصابع اليد في تلك الفترة) فهم لم يكونوا يملكون كغيرهم من أبناء الريف السوري في تلك الفترة التاريخية سوى شهادة تحصيلهم العلمي ولا سيما بعد تطور وانتشار العملية التعليمية في سوريا كغيرها من الدول العربية بعد الاستقلال, ومن لم يتمكن من التحصيل العلمي من أبناء الريف بشكل عام ومن أبناء الطائفة العلوية بشكل خاص فقد كانت مؤسسة الجيش وأجهزة الأمن المختلفة والمتنوعة تتسع لكل راغب في الدخول إلى هذه الأجهزة, لا بل في أوقات الأزمات وحاجة النظام الاستبدادي لتقوية ذراعه العسكرية تتسع هذه الأجهزة حتى للمتعلمين من أبناء طائفة النظام. بهذه السياسة (وغيرها كما سنرى) استطاع النظام أن يستوعب داخل مؤسسات الدولة المختلفة العسكرية والمدنية كل أبناء الطائفة العلوية (من حمل شهادة التحصيل العلمي ومن لم يحمل هذه الشهادة) فيكفي في بعض الحالات إن لم نقل في كل الحالات أن يحمل الفرد هوية الانتماء الطائفي حتى يتم استيعابه في إحدى مؤسسات الدولة ويصبح مدرجاً كموظف في الدولة وله راتب يعيش منه وإذا كان محسوباً على أحد المسؤولين الكبار العسكريين أو الأمنيين فربما يصبح الموظف السري المخفي الذي يدير مديره وإدارته من خلف الستار. وقد نتج عن سياسة استيعاب أبناء الريف بشكل عام وأبناء الطائفة العلوية بشكل خاص في أجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة المدنية والعسكرية إلى نشوء ظاهرة الأحياء السكنية العشوائية المحيطة بالمدن ولاسيما العاصمة والتي أقيمت على شكل غيتوات طائفية وفي بعض الحالات على شكل مستوطنات طائفية كالأحياء التي أقيمت على أرض وأملاك الدولة والتي كان لها طابعاً عسكرياً في البداية ثم أخذت طابعاً مختلطاً عسكرياً و مدنياً فيما بعد.
ثانياً : وفي سعيه لكسب الطائفة العلوية وجرها إلى حظيرة السلطة استغل النظام وهو يدافع عن نظامه في نهاية السبعينيات حجة الدفاع عن الطائفة في مواجهة الإسلام السياسي (الإخوان المسلمون في سوريا), فقد شكلت المواجهة بين الإخوان المسلمين والنظام حينها والتي أخذت بعداً طائفياً بتحريض وعمل من الطرفين أكبر ذريعة للنظام ليقوم بتجييش الطائفة العلوية وحثها على الالتحاق والالتحام بركب النظام, فقد كانت المرة الأولى التي يستخدم فيها النظام أفراد الطائفة كقاعدة وذراع ضاربة في عملية الصراع على السلطة ( نقصد هنا اعتماده على سرايا الدفاع ), وقد استفاد النظام من العنف الذي مارسه الإخوان المسلمون في مواجهة عنف الدولة ومن الممارسة الطائفية التي مارسها الإخوان في مواجهة الممارسة الطائفية للنظام فقد شكلت مجزرة مدرسة المدفعية الحربية في حلب والتي راح ضحيتها عدد ليس بالقليل من الضباط وصف الضباط المنتمين للطائفة العلوية الذين تم انتقاؤهم وذبحهم وتصفيتهم على أساس طائفي مكشوف ومعلن من قبل مجموعة محسوبة على تنظيم الإخوان المسلمين في سوريا أكبر ذريعة للنظام لينفخ في صور التعبئة الطائفية وعلى كل المستويات جاعلاً من نفسه (كنظام) ومن الطائفة العلوية ضحية لعنف الإخوان وممارستهم الطائفية ومنصباً نفسه مدافعاً لا عن نظامه السياسي فحسب بل مدافعاً عن " العلمانية " بشكل عام ومدافعاً وحامياً للطائفة العلوية (وكل الأقليات المذهبية في سوريا) ثم استكمل هذه الديباجة مستغلاً الاغتيالات الطائفية بحق مجموعة من الشخصيات العلوية من حقوقيين وأطباء وضباط ... وفي منتصف الثمانينيات استغل المجزرة التي ارتكبها الإخوان المسلمين بحق ركاب سيارات النقل العام المتجه من دمشق وحلب الى الساحل السوري والتي سميت بتفجيرات الباصات والقطارات الخ ومستغلاً كذلك الخطاب السياسي الكلبي الانعزالي للإخوان المشبع بالتعصب الديني والمعادي للديمقراطية. فعلى الرغم من أن النظام هو الذي بدأ الممارسة الطائفية قبل الإخوان وهو الذي بدأ بممارسة السلطة عن طريق استخدام العنف من خلال احتكار واحتلال الدولة للمجال السياسي, نقول بالرغم من ذلك فإن الممارسة السياسية للإخوان المسلمين لم ترتق إلى مستوى الممارسة الديمقراطية النقيض للممارسة السياسية للنظام, فكانت ممارستهم السياسية مماثلة للممارسة السياسية للنظام, ولم يستطيعوا أن يشكلوا حركة نقيضة للنظام, فكانوا الوجه الآخر لطائفية النظام والوجه الآخر لعنف النظام فالإخوان المسلمون في سوريا حينها لم يمارسوا السياسة ويردوا على استبداد الدولة والنظام من خلال برنامج وخطاب سياسي جامع وطني وديمقراطي, يقنع كل السوريين بكل انتماءاتهم الطائفية والطبقية والاجتماعية. وهو الأمر الذي مكن النظام من تصوير حركة الإخوان المسلمين على أنها حركة عصابة دينية طائفية مجرمة هدفها القضاء على دولته " العلمانية " وتهدد كيان الأقليات الطائفية وخصوصاً الطائفة العلوية, فبهذا استطاع النظام وضع أعداد متزايدة من أبناء الطائفة العلوية تحت جناح السلطة والدولة الاستبدادية, إن كان جناحها العسكري أو السياسي أو الاقتصادي. لقد أصبحت المعادلة السياسية القائمة في سوريا حينها أي فترة تفجر الصراع الدموي بين النظام والإخوان المسلمين والتي امتدت من أواسط السبعينيات إلى أواسط الثمانينيات كالتالي، بمقدار ما كان النظام يمارس الإرهاب السياسي في سياق محاربته للإخوان المسلمين ومعهم كل القوى السياسية المعارضة السلمية كان يدفع بذلك قطاعات واسعة من أبناء المجتمع السوري للارتماء في أحضان التدين والتزمت الديني وبالمقابل بمقدار ما كان الأخوان المسلمون في سوريا يمارسون الإرهاب السياسي الطائفي في سياق صراعهم مع النظام كان يدفع ذلك ويقود إلى ارتماء الطائفة العلوية في أحضان النظام ومعها قطاعات واسعة من أبناء الأقليات الدينية في سوريا.
ثالثاً: وما ساعد النظام في سعيه لجر الطائفة العلوية لخندقه كانت خصوصية الطائفة العلوية، فقد استغل النظام خاصية تميز الطائفة العلوية عن غيرها من الطوائف الدينية السورية في كونها لم تستطع عبر تاريخها أن تكون وتخلق قيادة ومرجعية دينية موحدة للطائفة أي لم تستطع أن تكون سلطة روحية ترعى شؤون الطائفة وتنظم هذه الشؤون وتبت في أمورها الصغيرة والكبيرة وتحديداً لم يكن هناك سلطة روحية دينية موحدة مركزية تحدد من يمتلك الحق في أن يكون من رجال الدين ومن لا يمتلك هذا الحق, أي لم يكن هناك معياراً محدداً وموحداً لتحديد من هو رجل الدين ومن هو الرجل العادي, وهذا ما قاد إلى أن يكون عبر تاريخ الطائفة العلوية فوضى وعدم تنظيم موحد لتحديد من هم رجال الدين الحقيقيين عن غيرهم من المدعين لهذه الصفة, وقد استفاد النظام من هذه الفوضى فخلق وولد نسقاً وجيلاً جديداً من رجال الدين هم في الأساس(رجال) من الذين كانوا يعملون في أجهزة النظام العسكرية والسياسية, فقد أصبح الكثير من العسكر المنتمين للطائفة العلوية (ضباط وصف ضباط) والمحالين للتقاعد يجدون في صفة رجل الدين مهنة وحرفة يمارسونها فتأتي لهم بالجاه وبالمال معاً, ومن خلال هذه الطبقة الجديدة من رجال الدين استطاع النظام اختراق طبقة رجال الدين الحقيقيين داخل الطائفة العلوية أو لنقل اختراق صفوف من تبقى منهم على قيد الحياة, ونقصد بذلك من تبقى من رجال الدين الذين كان لهم كلمة مسموعة لدى أبناء الطائفة العلوية قبل صعود ونشوء الدولة الاستبدادية والنظام الاستبدادي الطائفي, وبهذه الطبقة الجديدة من رجال الدين استطاع النظام رويداً رويداً أن يضع يده على الغالبية العظمى من رجال الدين داخل الطائفة العلوية (حتى من كان محسوباً على الجيل القديم من رجال الدين ) واستطاع النظام من خلال هؤلاء ( وداخل الغرف المظلمة) أن ينصب نفسه لا حامياً للطائفة العلوية فحسب بل هادياً ومرشداً ومعلماً وقائداً روحياً (وإن لم يكن معلناً) وسياسياً يصل في عظمته وقيمته إلى مصاف الآلهة, وهنا من المفيد الإشارة إلى أن النظام لم يسع يوماً إلى كسب ود ورضا الطائفة العلوية حباً بالطائفة العلوية ومعتقداتها الدينية وإنما حباً بالبقاء في كرسي الحكم إلى الأبد أي حباً باستخدامهم عصى وأداة تساعده في سعيه للعصيان في السلطة إلى الأبد إن أمكنه ذلك.
رابعاً: ومن العوامل التي ساعدت النظام في سعيه لوضع المجتمع السوري بشكل عام تحت جناحه والطائفة العلوية بشكل خاص, كان عمله الدؤوب ومن اليوم الأول لصعوده إلى سدة السلطة على محاربة ظاهرة الوجهاء الاجتماعيين داخل المجتمع وهي ظاهرة كانت منتشرة داخل المجتمع السوري كغيره من المجتمعات العربية ونقصد بذلك محاربة النظام لتلك الشخصيات الاجتماعية المعروفة بمحيطها الاجتماعي بأخلاقها العالية وسيرتها الذاتية الحسنة النظيفة وعقلها الراجح والوازن تلك الشخصيات التي لطالما شكلت سلطة اجتماعية وأخلاقية واستطاعت أن تحل الكثير من المشاكل المستعصية داخل محيطها الاجتماعي, واستطاعت كذلك أن تحافظ على بقاء واستمرار القيم الاجتماعية الأصيلة التي في جوهرها تجعل المجتمع وحدة اجتماعية بشرية متماسكة, ولا سيما بعد أن تمكن النظام من خلال الدولة الاستبدادية التي أقامها من هزيمة كل طبقات المجتمع السوري, أو لنقل بعد أن أصبحت كل الطبقات الاجتماعية تولد وتنشأ في أحشاء الدولة الاستبدادية بوصفها طبقات دولة, وبعد أن أصبحت الطبقة الوسطى داخل المجتمع (البرجوازية الصغيرة تحديداً) المسؤولة عن إنتاج ونشر قيم المجتمع, هي طبقة تنتج وتولد في أحشاء الدولة الاستبدادية وهو الأمر الذي جعلها طبقة تنتج وتعمم قيم الدولة الاستبدادية في الفساد و اللصوصية والانحطاط الأخلاقي ...الخ وبهذا ترك المجتمع مكشوف الظهر بدون أي سند اجتماعي يكون مسؤولاً عن إنتاج قيم غير ملوثة بالقيم القذرة للدولة والنظام الاستبدادي. ومحاربة النظام الاستبدادي للوجهاء الاجتماعيين لم يكن مقتصراً على الوجهاء داخل الطائفة العلوية فحسب وإنما شملت هذه الحرب كل الوجهاء على المستوى الوطني فالنظام الاستبدادي لا يقبل بأي قوة كبيرة أم صغيرة تنازعه وتنافسه على احتكار السيطرة والسلطة فهو النظام الذي قام منذ البداية (كسلطة شمولية) بالقضاء على كل مراكز الثقل الموجودة داخل المجتمع إن كانت مراكز ثقل سياسية على هيئة حزب سياسي لا ينضوي تحت لواء وجناح الدولة الاستبدادية أي لا ينضوي في حظيرة الجبهة الوطنية التقدمية أو القضاء على أي قوة اجتماعية أو حتى شخصية لها نفوذ ومكانة بين أبناء المجتمع أو أي قوة اقتصادية لا تتبع وترتبط بقوة الدولة الاقتصادية أو رجالاتها. وقد قام النظام بخطوة القضاء على الوجاهات الاجتماعية القديمة عبر خلق شخصيات اجتماعية جديدة (وجاهات جديدة) هم في الأساس من الشخصيات التي تعمل داخل أجهزة النظام العسكرية أو السياسية أو الحزبية أو حتى الأمنية, حيث أعطاهم النظام كل الصلاحيات لتقديم الكثير من الخدمات للمواطنين, خدمات هي بالأساس حق من حقوق المواطنين كتعبيد طريق هنا وافتتاح مدرسة هناك أو إنارة قرية هنا وقرية هناك في الريف السوري ...الخ, ومن العجائب أن أغلب الشخصيات التي تنطحت لتشكيل شخصيات اجتماعية اعتبارية (أو وجهاء اجتماعيين) كانوا من الأفراد الذين لا يملكون أي مؤهلات لا علمية ولا أخلاقية ولا حتى عقلية مشهود لها في محيطها الاجتماعي, وفي كل الحالات كانوا من الذين استفادوا من مناصبهم داخل الدولة ونهبوا أموالها جهاراً نهاراً وهؤلاء في غالبيتهم كانوا ينتمون إلى العائلات المغمورة والتي لم تحتل يوماً موقعاً يمكنها من لعب دور في قيادة المجتمع أو في حياة محيطها الاجتماعي. وقد سعى النظام إلى وضع هؤلاء في مواجهة الشخصيات الاجتماعية العريقة والمعروفة في قدرتها على لعب دور اجتماعي ولو في نطاق محلي محدود. وبهذه الطبقة الجديدة الممسوخة من الوجهاء البديلة عن الشخصيات الاجتماعية العريقة استطاع النظام أن يغزو عقول ونفوس الطائفة العلوية (كما غيرها من الطوائف) ويجعل من نظامه الشخصية الاعتبارية الوحيدة التي يجب الرجوع إليها في كل وقت وحين, وبهذا كانت مهمة رجال الدين الجدد داخل الطائفة العلوية سهلة في دفع الطائفة إلى حضن النظام, حيث يصبحون أعواداً من الحطب يوقدها النظام عندما تشتعل الحروب السياسية على السلطة أو ليصبحوا الدرع الذي يحمي به نظامه وسلطته السياسية.
خامساً: وما ساعد النظام على جر الطائفة العلوية لخندقه كان احتكاره للتمثيل السياسي داخل المجتمع السوري بشكل عام وداخل الطائفة العلوية بشكل خاص , فقد عمل النظام الاستبدادي على القضاء على الوجود السياسي المستقل عنه وهو النظام الذي قام منذ اللحظة الأولى لصعوده على احتلال واحتكار المجال السياسي داخل المجتمع بشكل عام وداخل الطائفة العلوية بشكل خاص, فقد سعى منذ اللحظة الأولى لصعوده وبشكل متساوق مع سعيه لإغلاق المجال السياسي بوجه المجتمع إلى منع أي وجود سياسي معارض لنظامه داخل الطائفة العلوية مستخدماً في سعيه هذا كل أشكال الإرهاب والقمع, فقد قضى على خصومه السياسيين من رفاقه البعثيين المنتمين إلى الطائفة العلوية بدءاً بمحمد عمران مروراً باعتقال رفيق دربه صلاح جديد حتى الموت وصولاً إلى كل معارض سياسي انتمى إلى أي من الأحزاب السياسية الوطنية والقومية واليسارية الثورية المعارضة التي نشأت في مواجهة نظامه وعملت على التخلص من استبداده وفساده. فخلال العقدين الأولين من عمر النظام وقبل أن يتمكن النظام من سحب وجر الطائفة العلوية إلى جانبه غصت السجون السورية بمئات وآلاف المعتقلين السياسيين الوطنيين والديمقراطيين واليساريين الثوريين المنتمين إلى الطائفة العلوية (طبعاً إلى جانب الآلاف من المعتقلين من الإسلاميين وغير الاسلاميين من الطوائف الأخرى ) وكما أسلفنا قبل قليل إذا كان هدف النظام هو تصفية الأحزاب السياسية والوجود السياسي لأي حزب في سوريا بشكل عام فإن هذا الهدف كان له خصوصية فيما يتعلق بالمنتمين إلى هذه الأحزاب والمنحدرين من الطائفة العلوية, حيث كان يشكل هذا بالنسبة للنظام وقاعدته السياسية والاجتماعية الطائفية جريمة لا تغتفر, حيث كان يتم التنكيل بهم وبذويهم لا خلال فترة السجن والاعتقال فحسب بل حتى بعد الخروج من السجن, وإذا كان المعتقلين السياسيين المعارضين للنظام يعتبرون أبطالا في نظر أوساطهم الاجتماعية, فإن المعتقلين السياسيين المعارضين للنظام والمنتمين للطائفة العلوية كانوا يعتبرون وبعد أن تمكن النظام من السيطرة رويداً رويداً على الطائفة وبعد أن خرب نسيجها العقلي والأخلاقي والاجتماعي, نقول كانوا يعتبرون خونة في نظر أوساطهم الاجتماعية حتى أن البعض كانوا يعتبرون اعتقال وسجن أبنائهم بسبب معارضة النظام عاراً عليهم في أوساطهم الاجتماعية إلى درجة أن تهمة السجن بسبب الفساد الاقتصادي (الرشوة وسرقة المال العام ) أصبحت أهون مئة مرة من تهمة أن تكون معتقلاً سياسياً معارضاً للنظام. هكذا استطاع النظام خلال خمسة عقود من الزمن أن ينظف الساحة السورية بشكل عام وساحة الطائفة العلوية بشكل خاص من أي وجود معارض لنظامه, وهكذا بقيت الساحة السورية بشكل عام وساحة الطائفة العلوية بشكل خاص خالية وفارغة لا يمثلها إلا النصابون والنهابون ممن انتموا وانخرطوا في فساد أجهزة النظام وإجرامه, وبهذا كانت الفرصة سانحة ليقوم بتوجيه الطائفة العلوية بالاتجاه الذي يريده أو بالاتجاه الذي يجعل من الطائفة العلوية قاعدة اجتماعية سياسية وذراعاً ضاربة له في أي صراع سياسي على السلطة, فبعد أن كانت الطائفة العلوية كغيرها من الأقليات الدينية في سوريا خزاناً بشرياً يرفد الأحزاب اليسارية الثورية والديمقراطية والقومية والوطنية بالمناضلين السياسيين أصبحت الطائفة العلوية شيئاً فشيئاً لا ترفد إلا النظام بالفاسدين والمفسدين.

سادساً: وما ساعد النظام على جر الطائفة العلوية لخندقه كان انتماء ودخول النظام إلى حلف إقليمي سياسي طائفي, فقد شكل انتصار الثورة الخمينية الإسلامية المضادة للثورة الديمقراطية التي قامت في إيران نهاية السبعينيات من القرن العشرين والتي أسقطت وأنهت حكم الشاه في إيران حدثاً له تداعياته وآثاره على الواقع العربي (والإقليمي) ما كان من آثار وتداعيات لوعد بلفور المشؤوم أوائل القرن العشرين. فمع انتصار الثورة المضادة في إيران بقيادة الخميني, وسعياً من القيادة الإيرانية الإسلامية لتوسيع رقعة نفوذها وسيطرتها القومية الفارسية والدينية المذهبية الشيعية, وحيث بدأت أولاً بفرضه على الشعب الإيراني ثم حملته إلى العالم العربي بدءاً من العراق والخليج العربي وصولاً إلى أقصى الغرب العربي في موريتانيا مروراً بالقرن الإفريقي في أريتريا وفيما بعد إلى كل العالم الإسلامي بل إلى حيث يوجد إنسان على وجه الخليقة يقول أنه ينتمي إلى المذهب الشيعي, وقد انخرط النظام السوري بهذا المشروع الفارسي الشيعي بخلاف ادعاءاته القومية والعلمانية, فمن المؤكد أنه بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران وبعد أن أوجدت لمشروعها القومي المذهبي الكثير من المرتكزات إن كان في العراق أو في لبنان فإنه من المرجح أن النظام تشجع كثيراً في العمل على توريث السلطة لأن دخول النظام في هكذا حلف أمن له سنداً إقليمياً قوياً حامياً ومسانداً لسلطة أولاده الموروثة من بعده. إن انتماء النظام إلى حلف سياسي طائفي إقليمي نمّى لدى أبناء الطائفة العلوية إحساساً بالقوة وأملاً في إمكانية العصيان بالسلطة والدولة كسلطة ودولة علوية إن كان بشكل مستتر أو حتى معلن إن اقتضى الأمر. فبعد أن أصبح النظام جزءاً من حلف إقليمي طائفي لم تعد الطائفة العلوية تنظر إلى نفسها كونها طائفة معزولة لا سند لها ولا معين, وبهذا الإحساس كانت الطائفة العلوية تتمحور وتلتف حول النظام بوصفه ممثلاً لها ولطموحاتها الفارغة والمعيبة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية اللاوطنية التي كونها ونماها وخلقها النظام على مر السنوات وهنا يمكن أن نضيف إن الغلاف الخارجي " الوطني " الذي ألبس للمشروع الفارسي المذهبي بادعائه بأنه حلف قام من أجل تحرير فلسطين العربية وفر وأمن للكثير من النخب السياسية والثقافية والفكرية داخل الطائفة العلوية والتي لطالما ادعت العلمانية والقومية واليسارية, نقول وفر لها الغطاء لإخفاء طائفية واعية ومستترة وخجولة أو طائفية باطنية لا شعورية مدفونة كما وفر للبعض(من خارج الطائفة) غطاءً سحرياً للارتزاق السياسي على موائد هذا الحلف, فتحت شعار ومقولات المشروع الوطني المقاوم والممانع للإمبريالية والصهيونية انخرط الكثيرين ممن كانوا يعتبرون من النخب داخل الطائفة العلوية في سياسة النظام وأصبحوا من المدافعين عن النظام غاضين الطرف على استبداده وفساده وإجرامه بحجة وذريعة أنه نظام داعم للمقاومة في لبنان, مشهرين في وجه خصومهم نوعاً من الوطنية الفارغة المأخوذة من المستودعات القديمة للأنظمة الشمولية الاستبدادية الستالينية في أوروبا الشرقية وأنظمة الاستبداد المتحالفة معها في منطقتنا العربية في زمن الحرب الباردة, إنها الوطنية الفارغة التي شكلت " الشرعية " الوحيدة التي عاشت عليها كل النظم الاستبدادية في العصر الحديث, وطنية محاربة الخارج التي تؤمن الحجة والمبرر للدوس على الداخل, إنها الوطنية التي شكلت الغلاف لأخطر مشروع طائفي مذهبي عرفته المنطقة العربية في العصر الحديث. هكذا استطاع النظام تدريجياً وعلى مر ما يقارب الخمسة عقود من الزمن اختطاف الغالبية العظمى من أبناء الطائفة العلوية من صغير وكبير من الرجال ومن النساء من رجال الدين والرجال العاديين من المثقفين وغير المثقفين من المناضلين ( أو من لهم تاريخ نضالي) وغير المناضلين (من رجالات الفساد) كل هؤلاء أصبحوا قطيعاً سياسياً في حظيرة السلطة والنظام والدولة الاستبدادية, إنه ما سيطلق عليه في المستقبل في الأدب السياسي العربي بالعلوية السياسية إن جاز القول على غرار المارونية السياسية التي عرفها الواقع اللبناني.






السياق التاريخي لنشوء وترعرع البربرية في سوريا ( 2 ) lemonde.in 5 of 5
لومـــــوند : نبيل ملحم  ثانياً : الارتباط بالمشروع الإيراني واحتكار التمثيل داخل الطائفة العلوية. شكل وصول البرجوازية الصغيرة إلى الس...
انشر ايضا على

عبر عن رأيك