حيثيات الدور الروسي في سوريا ووهم الاستفادة من القطبية الدولية

لومــــــوند : نبيل ملحم
بعد الحرب العالمية الثانية استلمت أمريكا من بريطانيا وفرنسا كل ملفات منطقة الشرق الأوسط , وها هي روسيا الاتحادية تستلم في هذه الأيام كل ملفات الشرق الأوسط , وإذا كانت عملية الاستلام والتسليم قد تمت بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة الصعود الأمريكي في العالم على حساب التقهقر البريطاني بالدرجة الأولى كونها مثلت أول الإمبراطوريات الرأسمالية في التاريخ الحديث والتقهقر الفرنسي بالدرجة الثانية فإن عملية الاستلام والتسليم في هذه المرحلة بين الروس والأمريكان لا يأتي على أرضية الضعف والتقهقر الأمريكي والصعود الروسي عالمياً كما يتوهم البعض , وإنما يأتي على أرضية رغبة الأمريكان في عدم وضع أنفسهم في واجهة الأحداث التي عصفت بالمنطقة العربية مع بداية الربيع العربي بشكل عام ومع الربيع السوري بشكل خاص وما استتبع ذلك من حاجة أمريكية للعب في أحشاء هذا الربيع والمجتمعات التي نهضت به وحيث كانت الساحة السورية النقطة المحورية التي رأى الأمريكان ضرورة أن يبدأمنها وقف تفتح هذا الربيع وعكس اتجاهه انطلاقاً من إقفال أبواب دمشق في وجهه , وقد تأتت الرغبة الأمريكية في الابتعاد عن واجهة الأحداث بدءاً من الحدث الليبيالذي تمثل بقيادة الأمريكان من الخلف للتحالف الدولي المكلف بالإطاحة بنظام معمر القذافي ولا سيما أن ذلك أتى بعد مرحلة فاضحة في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة العربية – احتلال العراق إضافة إلى الموقف الأمريكي المساند تاريخياً لدولة إسرائيل - قادها بوش الابن قادت من جهة إلى المزيد من قباحة الوجه الأمريكي في عيون شعوب المنطقة العربية كما قادت من جهة ثانية إلى استجرار مبالغ طائلة من الخزانة الأمريكية لصالح خدمة حفنة من الاحتكارات الرأسمالية الأمريكية النفطية والعسكرية وعلى حساب حياة ومستوى معيشة المواطن العادي الأمريكي , أقول على هذه الأرضية فقد كان الأمريكان بأمس الحاجة إلى وضع طرف على هيئة شريك في واجهة ما يمكن تسميته الأعمال الأكثر قذارة في تاريخ المنطقة والتي تحدث هذه الأيام بشكل أساسي في الساحة السورية ويخطط على ما يبدو إلى المزيد منها للساحات المجاورة في المستقبل القريب والبعيد , أي هي نتاج رغبة أمريكية في تكليف وكيل وشريك مهيأ للقيام بهذه الأعمال القذرة وله الاستعداد لكي يكون في الواجهةمقابل بعض الفتات على مائدة المصالح الدولية في المنطقة وبحيث تبقى مصالح دولة إسرائيل هي كلمة السر في عملية التسليم والاستلام الحالية, كما كانت مصالح دولة إسرائيل هي كلمة السر في عملية الاستلام والتسليم السابقة والتي تمت بعد الحرب العالمية الثانية بين الأمريكان والبريطانيين وبما يعني على طول الخط الحفاظ على المصالح الاستراتيجية لدولة إسرائيل في المنطقة وقد وجد الأمريكان في طموحات المافيا الروسية (ذات العضلات الخالية إلا من الغاز , هذه العضلات المركبة والمتورمة على جسم وهيكل عظمي وقاعدة تحتية متخلفة تقنياً وتكنولوجياً بكل مقاييس التطور الاقتصادي والتقني المعاصر)، وفي الطموحات الشخصية لرئيس المافيا الروسية مدخلاً لهذه الشراكة ومدخلاً لهذا التوظيف والاستدراج للدب الروسي , فهنا أجاد الأمريكان اللعب على وتر هوس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في رغبته في الظهور أمام شعبه بوصفه قيصراً جديداً سيرد الاعتبار لشعبه الجريح المهزوم للتو في الحرب الباردة التي كانت نتيجتها تفكك الإمبراطورية السوفييتية وانطفاء فعلها وهيبتها على المسرح الدولي وكل ذلك في سبيل توظيف هذا الظهور والعرض للعضلات في سوريا حباً منه في دعم مشروعه الهادف للعصيان بالسلطة الروسية إلى الأبد وبدون منازع ينغص عليه أحلامه السلطوية القيصرية .على هذه الأرضية وجد الأمريكان ومن خلفهم دولة إسرائيل بحكم المافي االروسية خيرأداة لتمرير مشروع إعادة صياغة الوجود البشري والاقتصادي والعسكري والمصالح والصراعات والهويات والكيانات في المنطقة على أسس جديدة تخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية وذلك عبر بوابة تدميرسوريا بالمشاركة مع النظام وإيران, فنظام المافيا في روسيا قادرعلى التدمير دون رادع من مجتمع مدني ورأي عام روسي يلجم الأعمال البربرية التي يقوم بها في سوريا حيث المجتمع المدني والرأي العام الروسي يخضع بغالبيته لجناحي ثقافة العبودية الستالينية وأقصد جناحها الشيوعي الستاليني الذي يمثله الحزب الشيوعي الروسي وجناحها القومي الروسي الذي يمثله بوتين رأس المافيا الحاكمة وحيث مسألة تدمير سوريا بالطريقة التي يقوم بها الروس هي مهمة تعجز عن القيام بها–وبهذا الشكل المكشوف كما تفعل المافيا الروسية - حكومة أي بلد غربي بما في ذلك إسرائيل . ومن هنا يمكن أن نفهم الشراكة التي قامت بين الروس والأمريكان بالملف السوري ومن هنا يمكن فهم الحصة التي نالتها المافيا الروسية الحاكمة في سوريا كمكافأة لقيامها بما يمكن تسميته بالأعمال الأكثر قذارة في منطقتنا في التاريخ الحديث , فالأمريكان ومن خلفهم دولة إسرائيل وبعد أن أيقنوا أن النظام السوري جاد بتنفيذ شعاره الأسد أونحرق البلد وجدوا في المافيا الروسية خيرحليف للنظام كي يساعده بالصمود ريثما يقوم بمهمة حرق البلد من جهة ومن جهة ثانية كانوا بحاجة لواجهة ليختبئوا وراءها ويحملونها كل أعباء الأعمال البربرية التي تحدث في سوريا . إن استراتيجية قيادة الروس من الخلف التي اعتمدها الأمريكان هو ماجعل المعارضة السورية الغبية تقع في أحضان الأمريكان معتبرة إياهم حلفاء وأصدقاء للشعب السوري هذا من جهة، ومن جهة ثانية هو الذي جعل هذه المعارضة تتوهم أن الإدارة الأمريكيةحليفتهم وأن موقفها المتردد في حسم الصراع في سوريا لصالحهم يعود للطبيعة الشخصية لرئيس الإدارة الأمريكية أو عائد للطبيعة الشخصية لهذا أو ذاك من أركان هذه الإدارة , كما أن ذلك هو من قاد الكثير من شخصيات وقوى اليسار الممانع في سوريا والعالم للتوهم أن الروس هم حلفاء للشعب السوري وأن ما يقومون به من أعمال حربية في سوريا يأتي في إطار مقاومة المشروع الإمبريالي الأمريكي في المنطقة . أخيراً أقول للذين يهللون للاستفادة من التعددية القطبية الدولية إن كانوا من المعارضة التي قادها ذلك التهليل إلى تسليم القرار الوطني للثورة السورية إلى أمريكا وحلفائها في المنطقة أو للذين دعموا النظام من اليسار الممانع وبرروا كل أعمال القتل والتدمير التي تقوم بها القوات الروسية في سوريا بحجة أنها قوات قطب دولي يواجه المخططات الإمبريالية في المنطقة العربية , أقول لكل هؤلاء أن كل لصوص الدول التي تعمل على اقتسام ثروات ومقدرات العالم لها نفس الأنياب والمخالب السامة , فلا تفرحوا إن تقدم هذا القطب وتراجع ذاك فالأقطاب الدولية والإقليمية قد تختلف عندما يتعلق الأمربمصير حكومة أو نظام ولكنهم يصبحون أخوة عندما يتعلق الأمر بمصير شعب من شعوب العالم, فلقد علق العرب آمالهم خلال الحرب العالمية الأولى على التناقضات والصراعات بين الأقطاب الدولية فلم يحصدوا سوى اتفاقية - سايكس بيكو –و -الدولة القطرية - ثم علقوا آمالهم بعد الحرب العالمية الثانية على الدور الأمريكي الذي حل مكان الدور البريطاني والفرنسي فلم يجدوا في أمريكا غير حليف لدولة إسرائيل التي تغتصب أرض فلسطين , كما علقوا آمالهم بعد ذلك على نشوء القطب السوفييتي فلم يحصدوا سوى الدعم لنظم الاستبداد المعمم في المنطقة العربية وتفريخ نظم الاستبداد المعمم في كل قارات العالم .
حيثيات الدور الروسي في سوريا ووهم الاستفادة من القطبية الدولية lemonde.in 5 of 5
لومــــــوند : نبيل ملحم بعد الحرب العالمية الثانية استلمت أمريكا من بريطانيا وفرنسا كل ملفات منطقة الشرق الأوسط , وها هي روسيا الاتحاد...
انشر ايضا على

عبر عن رأيك